الشجاعة عند العرب:

الشجاعة خلق فضل امتدحه العرب قبل الإسلام وكان الفارس مفخرةلقبيلته وعشيرته ، وكان السبب الرئيسي لشجاعة العرب أنهم دائما يستعدون للدفاع عنالنفس من عدوهم. وكانت الغلبة فيهم يكرمون الشجاع ويتفاخرون بالشجعان، وينظرون إلىالجبان نظرتهم إلى النساء بل هو دونهن.
قال ابن خلدون عن شجاعة العرب:... وأهلالبدو لتفردهم عن المجتمع وتوحشهم الضواحي وبعدهم عن الحامية وانتبادهم عن الأسواروالأبواب قائمون بالمدافعة عن أنفسهم لا يكلونها إلى سواهم ولا يثقون فيها بغيرهمفهم دائما – يحملون السلاح... إلى أن قال: قد صار لهم البأس خلقاً والشجاعةسجية.
وكانوا يتمادحون بالموت قطعا، ويتهاجون بالموت على الفراش ويقولون فيه ماتفلان حتف أنفه. وعن بعضهم وقد بلغه قتل أخيه أن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه وأناوالله لا نموت حتفا ولكن قطعا بأطراف الرماح وموتا تحت ظلال السيوف.
قال السمؤل:

وما مات منا سيد حتف أنفه
ولا طل منا حيث كان قتيل

تسيل على حدالظباة نفوسنا
وليست على غير السيوف تسيل

وقال آخر:
وأنا لتستحلىالمنايا نفوسنا
ونترك أخرى مرها فنذوقها

ومن خلال هذه النصوص يتضح شجاعةالعرب في الجاهلية. ثم أنهم لما أسلموا لم يتركوا هذه الصفة. هذا لأن الإسلام رحببها وأقرها لهذا نجد رجالا شجعانا في الجاهلية والإسلام مثل خالد بن الوليد، وعمرابن الخطاب، وعلى ابن أبي طالب.
فأما عن شجاعة خالد فقد روى أحمد بسنده عن وحشيبن حرب أن أبا بكر رضي الله عنه قد عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة وقالأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بنالوليد وسيف من سيوف الله سلم الله عز وجل على الكفار والمنافقين ففي هذا الحديثلقب الرسول صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بسيف الله. فهو يدل على القوةوالشجاعة. وكان خالد اعتنق الإسلام سنة ثمان من الهجرة. فهذا يدل على أن شجاعته كانمن قبل الإسلام وقبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وعن مهارته في الحرب فقدروى البخاري بسنده عن أنس رضى الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيداوجعفر وابن رواحه للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيدا فأصيب، ثم أخذجعفر فأصيب، ثم أخذ أبن رواحه فأصيب ـ وعيناه تزرفان ـ حتى أخذها سيف من سيوف اللهحتى فتح الله عليهم. فالمراد بقوله: "سيف من سيوف الله" هنا، كما قال ابن حجر خالدبن الوليد، ومن يؤمذ يسمي سيف الله".
فأما من شجاعة عمر بن الخطاب أنه لما دخلالإسلام طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يصلوا جهارا في الكعبة لهذايقال أنه أول من جهر بالإسلام فقد ذكر الهيثمي فيما رواه الطبراني بسنده عن ابنعباس قال: "أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب".
ويكفى بأن الشجاعة سجية للعربأن يسأل بعضهم بعد أن أسلموا الرسول صلى الله عليه وسلم عن حكم من يقاتل شجاعة أياظهارا لشجاعته فقد روى البخاري بسنده عن أبي موسى قال: "جاء رجل إلى النبي صلىالله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل حميه، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيلالله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله". فسؤال الرجل هذالا يكون إلا عنا الأخلاق المنتشرة عند قومه، خصوصا ما كان قبل الإسلام لأن الحميةوهي نوع من العصبية، والرياء وهو نوع من التفاخر من الأخلاق المنتشرة عندالعرب.

ثانياً موقف الإسلام من الشجاعة:

فلما جاء الإسلام أقر هذه الصفة أعنيالشجاعة وينهي عن الجبين قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسندهعن أبي هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شر ما في الرجل شحهالع وجبن طالع". وأصل الهلع الجزء أي شر ما في الرجل البخل الذي بمنعه من اخراجالحق عليه فإذا استخرج منه هلع وجزع منه. ومعنى جبن خالع أي شديد كأنه يخلع فؤادهمن شدة خوفه. والمراد به ما يعرض من نوازع الأفكار وضعف القلوب عند الخوف.
وقدجاءت أحاديث كثيرة على أن الرسول صلى الله وسلم استعاذ من الجبن منها ما رواهالبخاري بسنده عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلميقول: "اللهم أني أعوذ بك من المعجز والكسل والجبن والهرم وأعوذ بك من فتنة المحياوالممات وأعوذ بك من عذاب القبر".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتصف بهذهالصفة المحمودة. فقد روى البخاري بسنده عن أنس رضى الله عنه قال: "كان النبي صلىالله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس، وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكانالنبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس وقال:وجدناه بحراً".
والإسلام لما أقرهذه الصفة أمر أن تكون شجاعة المرء في موضعه وإلا سيكون بطرا وتجبرا ورياء. وقد نهيالله عن ذلك. قال تعالي: (كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس)