بعد خمسين عاما من الاستقلال لا تزال ولايات أقصى الجنوب لا تنتج سوى القليل جدا مما يستهلكه سكانها من المواد الغذائية الخضروات أو من باقي المنتوجات ذات الأصل الفلاحي رغم الإمكانات والبرامج والسياسات التي تمت تجربتها بالمنطقة منذ الاستقلال على غرار برنامج الثورة الزراعية، وآلاف الهكتارات الممنوحة في إطار الملكية العقارية الفلاحية بواسطة الاستصلاح وإعانات الصندوق الوطني لتنمية الفلاحة FNDA والمخطط الوطني للتنمية الفلاحية PNDA الذي تم إطلاقه سنة 2000 .
من بين ما يذكر العديد من المساعي التي قامت بها الدولة بولايات الجنوب والجنوب الكبير خلال سنوات الثمانينيات التسعينات من القرن الماضي على غرار ما عرفه القطاع الفلاحي بكل ولاية ورقلة من خلال تجارب الاستصلاح الزراعي بمنطقة قاسي الطويل بشراكة أجنبية والتجارب الناجحة حينها في زراعة الحبوب بمناطق أدرار وكذا ما عرفته ذات المنطقة خلال تلك السنوات في إنتاج الطماطم التي لم تجد السوق الكافية لاستهلاكها أو مصانع لتحويلها وتحوّل كل تلك المجهودات والإنتاج للتلف بسبب غياب ما يكفي من إمكانات لتعبئة كل تلك المواد المنتجة أو تسويقها.
من جانب آخر، رافقت الدولة هذا القطاع بالعديد من الهيئات التي تم تنصيبها بالجنوب لترقية الفلاحة على غرار محافظة تنمية الفلاحة في المناطق الصحراوية المتواجدة بورقلة كذا المعهد التقني لتنمية الفلاحية الصحراوية ببسكرة فرع المعهد الوطني للبحث الزراعي بتقرت بولاية ورقلة كلها هيئات أنشئت لترقية القطاع والرفع من إنتاجه، غير أن كل تلك البرامج والسياسات وحتى المراكز والهيئات لم تسمح للمنطقة بالوصول لما يمكن أن يعتبر استقلال في الإنتاج والاستهلاك الغذائي لسكان تلك الولايات على الأقل بسبب غياب منطق الفلاحة الاقتصادية لدى الكثير من فلاحي المنطقة وضعف مؤهلاتهم وإمكاناتهم المادية والمشاكل المرتبطة بالنشاط الفلاحي على غرار غلاء تسعيرة الطاقة الكهربائية لتبقى الجهة مرتبطة بما تنتجه ولايات الشمال والهضاب العليا وولايات شمال الصحراء على غرار ولاية الوادي رغم حيازتها على كل القدرات المائية الكافية والنوعية المقبولة للتربة وإنتاج البطاطا.
وهو ما يعني أن السياسات المنتهجة إلى حد اليوم لم تسمح للمنطقة بالاكتفاء حتى من المواد الغذائية والأكثر استهلاكا رغم المساحات الفلاحية الكبيرة التي تحصيها الولايات على غرار أدرار وتمنراست وإيليزي وتندوف واستفادة آلاف الفلاحين بالجنوب من إنجاز وتوسيع المحيطات الفلاحية، حيث لم يكن لكل ذلك أثر على الإنتاج نظرا لغياب استراتيجية للاحتياج الحقيقي للمنطقة التي بقيت مرتبطة بما تنتجه الولايات الأخرى أو خصوصا ما تعلق بإنتاج مادة البطاطا، حيث كشفت الأرقام أن إنتاجها كان يمكن أن يكون باهرا في ولايات الجنوب تماما مثل الشمال لو توفرت الإرادة الجادة كما أثبتته النتائج المحققة بولاية وادي سوف.