عصور ماقبل التاريخ و فجر التاريخ
1 – سكان ورقلة في عصور ماقبل التاريخ
عصور ماقبل التاريخ :
إصطلح المؤرخون على تسمية المرحلة التي سبقت إختراع الكتابة ، بعصور ما قبل التاريخ ، تمتد من ظهور الإنسان إلى ظهور الكتابة نحو عام 3200 قبل الميلاد و التاريخ علم يعتمد على الوثائق المكتوبة و يتناول أنواع نشاط الإنسان ، فالعصر السابق للكتابة أو ما قبل التاريخ لا يوفر وثائق و مدونات مكتوبة يمكنها أن تروي لنا قصة البشرية ، لكنه ترك الكثير من المخلفات و الآثار البشرية ، كشواهد صامتة ، لكنها في نظر العديد من العلماء أكثر مصداقية مما هو مكتوب لأنها منزهة عن الزيف الذي يتعمده الإنسان في الكثير من الحالات لدى تدوينه لتاريخه ، و تعد هذه المخلفات و الآثار أهم مصادر المعرفة لعصر ما قبل التاريخ .
دلت الأبحاث و الحفريات التي أجريت في حوض ورقلة أن هذه المنطقة كانت مأهولة بالسكان منذ أقدم العصور البشرية ، إستناذا للمخلفات التي تم العثور عليها في المواقع أو المقابر و بقايا الهياكل العظمية البشرية و الحيوانية .
هذه المخلفات المتمثلة في أدوات و أسلحة حجرية يمكن تصنيفها إلى نفس المراحل العالمية :
1 .العصر الحجري القديم الأسفل Le Paléolithique Ancien
2. العصر الحجري الأوسط Le Paléolithique Moyen
3. العصر الحجري الأعلى La Epipaléolithique
4. العصر الحجري الحديث Le Néolithique
متى ظهر الإنسان في حوض ورقلة :
هنا لابد أن نعتمد على أبحاث العلماء المختصين الذين انكبوا على دراسة الإنسان الأول في المنطقة و نبع أصله و نشأته و تحركاته و مناطق استطانه .
أثبت هؤلاء العلماء أن الصحراء الكبرى كانت منطقة خصبة بأمطارها الغزيرة و دفئها مما يساعد على نمو النبات و تكاثر الحيوان و ثبت لديهم بما لا يدع الشك استنادا إلى جماجم بشرية و حيوانية ، كثافة هذه المنطقة بالسكان قبل أن يجتاحها الجفاف و تتحول إلى صحراء قاحلة تعصف بها الرياح ، ولا تزال آثار المجاري المائية التي كانت تصب في البحيرات ( التي تحولت إلى شطوط ) واضحة لرواد هذه البوادي و كانت منطقة ورقلة مثل كل مناطق الصحراء الكبرى آهلة بالسكان منذ عهد سحيق ، و على نطاق واسع ، ربما يأكد بأن السكان الآوائل قد عمروا حوض ورقلة ، وفرة الإكتشافات المتمثلة في هياكل عظمية للماموث ( Mammouth ) وهو فيل ضخم منقرض ، ومحار بيض النعام ، وجدوع الأشجار المتحجرة .
ومخلفات العصر الحجري في منطقة ورقلة عديدة لا تحصى مثل القطع الحجرية من الصوان المنحوت ، و السهام المنحوتة بدقة مختلفة الأحجام .
و لا يمكننا تصور خلو المنطقة من السكان في العصور المعدنية رغم عدم عثور العلماء على أدوات معدنية بسبب التأكسد السريع للمعادن خلافا للحجارة .
2- سكان ورقلة في العصور القديمة L'Antiquité :
من المسلم به أن وجود ورقلة كمركز عمراني و محطة تجارية ، بدأ قبل الفتح الإسلامي للمغرب العربي وقبل دخول العرب إلى هذه الديار بعصور طويلة ، أن وجودها يمتد على طول خمس وعشرين قرنا على الأقل ( منذ منتصف الألف الثالثة قبل الميلاد ، منذ أن خرج سكانها من مجاهل ماقبل التاريخ و عرفوا بأنهم ( بربر) و هي التسمية التي كان الإغريق و من بعدهم الرومان يطلقونها عليهم و على كل الشعوب التي لم تكن تتكلم لغتهم ، وعنهم أخذها المؤرخون العرب .
أصل سكان ورقلة :
عندما انقسم البربر خلال الألفية الأولى قبل الميلاد إلى عدة قبائل كانت القبيلة المعروفة باسم ( جيتول ) و هم رحالة ، ينتقلون بين الصحراء و الهضاب العليا ، ويعتقد علماء الأنثروبولوجيا ( Les anthropologistes ) بأن أصلهم من شرق أفريقيا و أثيوبيا على وجه الخصوص ، ولاشك في أنهم أسلاف سكان ورقلة الناطقين بالأمازيغية اليوم .
إلا أن على السلالات البشرية يؤكدون أن السكان الوافدين خلال التاريخ الطويل ، إلى المنطقة قد أثروا تأثيرا عميقا في ملامح و لون هؤلاء السكان فقد إختلطت دماؤهم بعضها مع بعض ، ففقدوا الكثير من نقاوتهم و صفاتهم الأصلية .
وقد عرف هؤلاء السكان زراعة الحبوب ، تشهد على ذلك الأدوات التي عثر عليها في المنطقة مثل المجرفة أو المعزقة ( la houe ) و المحراث اليدوي ( l'Acaire ) و يغلب الظن أنها قد استعملت في زراعة القمح الصلب الذي يطلق عليه سكان المنطقة ( حتى يومنا هذا ) إسم " أرن" هذه العبارة يستعملها كل البربر من صحراء ( سيوه) المصرية إلى جزر الكناري الإسبانية.
و يؤكد علماء النبات ( les botanistes ) أن هذا القمح من شرق إفريقيا و هو مايوافق رأي علماء السلالات البشرية ( Les Anthropologistes ) في كون أصل سكان المنطقة البربر يعود إلى شرق إفريقيا ، كما سبقت الإشارة .
- ورقلة في فجر التاريخ :
لما بدأ فجر التاريخ يلقي ضوءه على المنطقة الصحراوية كان سكان هذه المناطق قد تواصلوا مع الحضارات المعاصرة القريبة منهم ، ففي هذه المرحلة يظهر بوضوح التأثير الحضاري المصري ومما يؤكد هذه الصلات الحضارية أن عبادة الإله المصري ( أمون راع ) كانت منتشرة في المنطقة الصحراوية .
وقد ساعد على انتشار الحضارة في هذه الجهة أن الصحراء لم تكن حتى بداية العصر التاريخي ( فجر التاريخ ) قد تحولت إلى الجفاف الشديد الذي عليه في الوقت الحاضر .
لم يكن سكان الصحراء في هذه الحقبة قد عرفوا الخيمة بل كانوا يبنون مساكنهم من فروع الأشجار
المتشابكة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] border="0" alt="" />
فإذا ما هاجروا المكان تركت تلك الأكواخ تتلاعب بها الرياح أو تطمرها الرمال .أما الخيمة فالأرجح أنها عرفت مع الجمل في ما بعد ، فالعلاقة واضحة بينهما ، فالخيمة تصنع من وبر الجمال و الجمل هو الحيوان الوحيد الذي يمكنه أن ينقل هذا المسكن ( الخيمة ) عبر الصحراء ، فإستعمال الخيمة و استخدام الجمل متزامنان و مرتبطان ببعضهما .
و من المحتمل أن يكون دخول الجمل سابق للفتح الإسلامي و لكن لم ينتشر استخدامه إلا مع الفتح ، و بالتالي لم تستعمل الخيمة كسكن إلا من طرف العرب الوافدين فلفظ ( Tentouria ) تنتوريا قد ورد ذكرها في القرن الرابع الميــلادي و مــن الجائــــز أن كلمـــة ( tent ) بمعنى الخيمة مشتقـــة من كلمة ( Tentoria ) .
– علاقة ورقلة بالفينيقيين و الرومان :
يؤكد بعض المؤرخين وجود علاقات بين سكان ورقلة و الفينيقيين و كذلك الرومان ، إستنادا لعدد من القرائن و المخلفات التي عثر عليها في المنطقة و قد رجح المؤرخون الين اهتموا بهذه الحقبة من تاريـخ ورقلـة ، الإعتمـاد علـى فرضيـة وجـود ذكر لمنطقة ورقلـة في مؤلفـات ( HERADOTE ) هيرودوت و ( STRABON ) سترابون و ( VIVIEN ) فيفيان و لا يستبعد وجود شكل من أشكال الإتصال بين الفينيقيين و حتر الرومان ، فمنطقة ورقلة بموقعها الجغرافي الهام في مفترق الطرق الصحراوية و الدور الرئيسي الذي لعبته في المواصلات ( التجارية و العسكرية ) ، فلا يعقل أن تكون في معزل عن التأثير الحضاري للحضارات المعاصرة لها و لاسيما الحضارة المصرية القديمة ( الفرعونية ) و الحضارة الفينيقية ثم القرطاجية و النوميدية .
أما في ما يخص الرومان ، فيذكر التاريخ أن الإمبراطور الروماني " Comelius Ballus " قد وجه حملة عسكرية ،إنطلقت من ساحل البحر المتوسط نحو غدامس ، و بعده بستين سنة وجه الإمبراطور " Suetonius Pauluins " حملة أخرى و صلت إلى مرتفعات الهقار ، فلا يعقل أن يجهل الرومان موقع ورقلة و هي ملتقى رئيسي للطرق الصحراوية . فلا يستبعد وجود علاقات تجارية مباشرة أو غير مباشرة مع المستعمرات الرومانية المجاورة .
لا أريد التوقف أكثر من هذا أمام هذه المسألة فإثبات وجود علاقة بين سكان ورقلة و الفينيقيين أو الرومان .أو عدمها ، لا يضيف شيئا و لا ينقص من أهمية دور السكان المنطقة و مساهمتهم في الحضارة الإنسانية .
ورقلـــــة بعد الفتح الإسلامي :
النسيج البشري
(( يا أيّها الّناس إنّا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم إنّ اللّه عليم خبير )). سورة الحجرات :13
يتميز سكان ورقلة بالتنوع الكبير من حيث الأصول الآثنية ( العرقية ) ولون البشرة ، فلا عجب في ذلك فقد كانت منطقة ورقلة دوما ملتقى الحضارات ’ و البوتقة التي انصهرت فيها أجناس عدّة وفدت اليها من الشمال و الجنوب و الشرق و الغرب.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] border="0" alt="" />
و أهم العناصر التي كونت النسيج البشري لمنطقة ورقلة هي:
أولا : العنصر البربري
أول من سكن منطقة ورقلة هم بنو ورقلان الذين ينتسبون إلى قبيلة ورقلان إحدى بطون قبيلة زناتة البربرية ، و هم الذين أسسوا قصر ورقلة العتيق الذي لازال عامرا إلى يومنا هذا ، وقد أطلقوا عليه اسم قبيلتهم ، هذا ما يؤكده العلامة أبن خلدون في كتابه الشهير " ديوان العبر ...... " في الفصل المعنون بـ:" الخبر عن بني واركلا من بطون زناتة و المصر المنسوب إليهم بصحراء أفريقية و تصاريف أحوالهم " حيث يقول :" بنو واركلا هؤلاء إحدى بطون زناتة .......وإن إخوانهم يزمرتن و منجصة و نمالتة المعروفون لهذا العهد : ومنهم بنو واركلا ، وكانت فئتهم قليلة، و كانت مواطنهم قبلة الزاب، واخطّوا المصّر المعروف بهم لهذا العهد على ثماني مراحل من بسكرة ، على القبلة عنها ميامنة إلى الغرب . بنوها قصورا متقاربة الخطة ، ثم استبحر عمرانها ، فأتلفت و صارت مصرا........"
تاريخ ابن خلدون ج7[/