محمد حبيب الله أم محمد خليل الله صلى الله عليه وآله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
معنى « الخليل »
قالَ الزَّجَّاج : الخليل المحبِّ الَّذي ليس في محبَّته خلل .
قولهِ عَزَّ وَجَلَّ :
﴿ وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ [ النِّساء : 125 ].
أَيْ : أَحبَّهُ محبَّة تامَّة لا خلل فيها ،
قال : وجائز أَنْ يكون معناه الفقير ،
أَيْ : اِتَّخذ مُحتاجاً فقيراً إِلىٰ ربِّه ، قال : وقيل للصَّداقة خُلَّة لأَنَّ كلُّ واحدٍ منهما يسدُّ خلل صاحبه في المودَّة والحاجة إِليه .اهـ.
([ شرح سُنن النَّسائي المسمَّىٰ بـ « ذخيرة العقبىٰ في شرح المجتبىٰ »
للشَّيخ العلاَّمة
محمد بن علي بن آدم الأثيوبي - حفظه الله تعالىٰ -
( 3 / 406 ) ])
قال ابن القيم رحمه الله:
" وأما ما يظنه بعض الغالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله فمن جهله ؛ فإن المحبة عامة والخلة خاصة، والخلة نهاية المحبة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله اتخذه خليلًا ونفى أن يكون له خليل غير ربه مع إخباره بمحبته لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم،
وأيضا فإن الله سبحانه يحب التوابين ويحب المتطهرين ويحب الصابرين ويحب المحسنين ويحب المتقين ويحب المقسطين وخلته خاصة ، والشاب التائب حبيب الله وإنما هذا من قلة العلم والفهم عن الله ورسوله" .
الداء والدواء ص/447 ، ط. المجمع .
وقال أيضًا في ( روضة المحبين ):
" وقد ظن بعض من لا علم عنده أن الحبيب أفضل من الخليل ، وقال: محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله! وهذا باطل من وجوه كثيرة:
منها: أن الخلة خاصة والمحبة عامة ، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ، وقال في عباده المؤمنين: {يحبهم ويحبونه}.
ومنها: أن النبي نفى أن يكون له من أهل الأرض خليل ، وأخبر أن أحب النساء إليه عائشة ، ومن الرجال أبوها.
ومنها: أنه قال: "إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا".
ومنها: أنه قال: "لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ، لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته" اهـ
وقال ابن تيمية رحمه الله في رسالته "العبودية" :
"والخلة هي كمال المحبة المستلزمة من العبد كمال العبودية لله ومن الرب سبحانه كمال الربوبية لعباده الذين يحبهم ويحبونه ، ولفظ العبودية يتضمن كمال الذل وكمال الحب فإنهم يقولون قلب متيم إذا كان متعبدا للمحبوب ، والتيم التعبد ، وتيم الله عبده ، وهذا أعلى الكمال حصل لإبراهيم ومحمد -صلى الله عليهما وسلم- ولهذا لم يكن له من أهل الأرض خليل ، إذ الخلة لا تحتمل الشركة فإنه كما قيل في المعنى :
( قد تخللت مسلك الروح منى ... وبذا سمى الخليل خليلا )
بخلاف أصل الحب فإنه -صلى الله عليه وسلم- قد قال في الحديث الصحيح في الحسن وأسامة : "اللهم إني أحبهما فأحبهما ، وأحب من يحبهما" ، وسأله عمرو بن العاص : أي الناس أحب إليك ؟ قال: "عائشة" . قال: فمن الرجال ؟ قال : "أبوها".
وقال لعلى -رضى الله عنه- :
"لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" ، وأمثال ذلك كثير.
وقد أخبر تعالى أنه يحب المتقين ، ويحب المحسنين ، ويحب المقسطين ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ويحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، وقال [ 54 المائدة ] : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } ، فقد أخبر بمحبته لعباده المؤمنين ومحبة المؤمنين له حتى قال [ 165 البقرة ] : { والذين آمنوا أشد حبا لله }.
وأما الخلة فخاصة ، وقول بعض الناس: "إن محمدا حبيب الله ،وإبراهيم خليل الله" ، وظنه أن المحبة فوق الخلة! قول ضعيف ، فإن محمدا أيضا خليل الله كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة ؛ وما يروى: "أن العباس يحشر بين حبيب وخليل" ، وأمثال ذلك أحاديث موضوعة لا تصلح أن يعتمد عليها " اهـ.
وقال أيضًا في "مجموع الفتاوى" (10/204) :
" وقول بعض الناس إن محمدا حبيب الله وإبراهيم خليل الله ، وظنه أن المحبة فوق الخلة ، قول ضعيف ، فإن محمدا أيضا خليل الله ، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة المستفيضة " اهـ .
قال العلامة بن عثيمين رحمه الله في شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري على حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس ؟ خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته ..... فيقول: لست هناك ولكن ائتوا نوحا .... فيأتون نوحا فيقول: لست هناك – ويذكر خطيئته التي أصاب – ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن ......إلى آخر الحديث).
قال رحمه الله تعالى:
[ .... وفي هذا إشارة إلى أن أعظم وصف يحصل للإنسان أن يتخذه الله خليلا ، "خليل الرحمن" ولم يقل رسول ولا نبي ! لأن الخلة درجة عظيمة لمن ينالها، ولا نعلم أحدا نالها من البشر إلا رجلين هما إبراهيم ، ومحمد -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا"، وبه تعرف أن من قالوا: " إبراهيم خليل الله ، ومحمد حبيب الله ! " أنهم نقصوا النبي -صلى الله عليه وسلم-لأن المحبة أدنى من الخُلة، والخلة ثابتة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ، المحبة تكون حتى لعامة المؤمنين ولعامة التوابين ولعامة المتطهرين يعني ليست خاصة بالأنبياء فضلا عن أولي العزم، والخلة لا نعلم أنها كانت إلا لهذين الرسولين الكريمين، فالذي نجده في بعض الأدعية، أو في بعض خطب الوعظ ، أو ما أشبه ذلك :{ إبراهيم الخليل ومحمد الحبيب } نقول هذا خطأ، هذا نقص في حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- .
فإذا قال: أنا أريد محمد الحبيب لي؟! قلنا هذا أيضا خطأ ، كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول "حدثني خليلي ، أوصاني خليلي" اتخاذ النبي -صلى الله عليه وسلم- خليلا أشد من أن تتخذه حبيباً ، هل تتخذ صديقك خليلا؟ جاء في الحديث " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" والممنوع أن يَتخذَ الرسولُ خليلا ، وأما نحن فلسنا بممنوعين أن نتخذ الرسولَ خليلا ، أو من يستحق المحبة والخلة خليلا]. انتهى كلامه – رحمه الله تعالى- .
وفي شرح رياض الصالحين له رحمه الله تعلى باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم
قال النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين ( باب حث القاضي والسلطان وغيرهما من ولاة الأمور على اتخاذ وزير صالح والتحذير من قرناء السوء ) ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى الأخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ الأخلاء جمع خليل والخليل هو الذي أحبك وتحبه حبا عظيما حتى يتخلل حبه جميع البدن وفي ذلك يقول الشاعر
قد تخللت مسلك الروح مني ...
وبذا سمى الخليل خليلا
فإذا صدق الود واشتد فإن أعلى أنواع المحبة هي الخلة ولهذا اتخذ الله إبراهيم خليلا واتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم خليلا ولا نعلم أنه اتخذ خليلا من خلقه إلا هذين النبيين إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم ولهذا نقول من قال إن إبراهيم خليل الله وموسى كليم الله ومحمدا حبيب الله فقد هضم محمدا صلى الله عليه وسلم حقه لأنه إذا جعله حبيب الله فقط فقد نزل رتبته بل هو عليه الصلاة والسلام أعلى من الحبيب فالله تعالى يحب المؤمنين ويحب المقسطين ويحب المتقين فمحبته أوسع لكن الخلة لا تحصل لكل واحد فهؤلاء المساكين الجهال يقولون محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله سبحان الله يقولون ذلك مع أنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا } وقال عليه الصلاة والسلام: لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر ومع هذا سئل أي الرجال أحب إليك قال: أبو بكر ففرق بين الخلة والمحبة الخلة أعظم من المحبة.....اهـــ
وفي نفس المصدر باب اليقين والتوكل
الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضا قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل رواه البخاري وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل
الشَّرْحُ
إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام هما خليلان لله عز وجل قال الله واتخذ الله إبراهيم خليلا وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا والخليل معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية ولا نعلم أن أحدا وصف بهذا الوصف إلا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم فهما الخليلان وإنك تسمع أحيانا يقول بعض الناس: إبراهيم خليل الله ومحمد حبيب الله وموسى كليم الله والذي يقول: إن محمدا حبيب الله في كلامه نظر لأن الخلة أبلغ من المحبة فإذا قال محمد حبيب الله فهذا فيه نوع نقص من حق الرسول عليه الصلاة والسلام لأن أحباب الله كثيرون فالمؤمنون يحبهم الله والمحسنون والمقسطون يحبهم الله والأحباب كثيرون لكن الخلة لا نعلم أنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم وعلى هذا فنقول: الصواب أن يقال: إبراهيم خليل الله ومحمد خليل الله وموسى كليم الله....انهـــ المقصود
وسُئِلَ - رحمهُ اللهُ تعالىٰ - : عن وصف النَّبِيّ ،
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
بـِ « حبيب الله » ؟
فأجابَ بقوله :
النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
حبيب الله لا شك فهو حاب لله ومحبوب لله ،
ولـٰكن هناك وصف أعلىٰ من ذٰلك وهو خليل لله ، فالرَّسول ، عليه الصَّلاة والسَّلام ،
خليل الله كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« إنَّ الله اِتَّخذني خليلاً كما اِتَّخذ إبراهيم خليلاً » .
ولهٰذا من وصفه بالمحبَّة فقط فإنَّه نزله عن مرتبته ،
فالخلَّة أعظم من المحبَّة وأعلىٰ ، فكل المؤمنين
أحباء الله ، ولـٰكن الرَّسول ، عليه الصَّلاة والسَّلام ، في مقام أعلىٰ مِنْ ذٰلك وهي الخلَّة فقد اِتَّخذه الله خليلا ً
كما اِتَّخذ إبراهيم خليلاً ،
لذٰلك نقول :
إنَّ محمَّدًا رسول الله ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خليل الله ،
وهٰذا أعلىٰ مِنْ قولنا :
حبيب الله لأنَّه متضمِّن للمُحبَّة ،
وزيادة لأنَّهُ غاية المحبَّة .اهـ.
([ « مجموع فتاوىٰ ورسائل »
فضيلة الشَّيخ العلاَّمة مُحمَّد بن صالح العثيمين - رحمه اللهُ تعالىٰ - /
( 1 / 319 )
الفتوىٰ رقم : 129 / الطَّبعة الأولىٰ 1430هـ / دار الثريا للنشر ])
وقال العلامة الألباني رحمه الله في شرح الطحاوية معلقاً على كلام الطحاوي (وحبيب رب العالمين): بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً) ولذلك لم يثبت في حديث أنه صلى الله عليه وسلم حبيب الله.
قال الشيخ الفوزان حفظه الله تعالى
في التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية :
و " حبيب رب العالمين " هذه العبارة فيها مؤاخذة؛ لأنه لا يكفي قوله : حبيب ، بل هو خليل رب العالمين؛ والخلة أفضل من مطلق المحبة؛ فالمحبة درجات ، أعلاها الخلة ، وهي خالص المحبة ، ولم تحصل هذه المرتبة إلا لاثنين من الخلق إبراهيم عليه الصلاة والسلام وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، ونبينا عليه الصلاة والسلام ، فقد أخبر بذلك فقال : إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا . فلا يقال : حبيب الله؛ لأن هذا يصلح لكل مؤمن ، فلا يكون للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا ميزة ، أما الخلة فلا أحد يلحقه فيها .اهـ
إتماماً للفائد ننقل شرح الشيخ عبد العزيز الراجحي لكلام الإمام الطحاوي: " وحبيب رب العالمين ":
يعني نبينا -صلى الله عليه وسلم- حبيب رب العالمين، بل خليل رب العالمين، لو قال الشيخ الطحاوي: "وخليل رب العالمين" لكان أولى؛ لأن الخلة أكمل من المحبة، ثبت له -عليه الصلاة والسلام- الخلة كما ثبتت لإبراهيم.
قال -عليه الصلاة والسلام-: إني أبرأ من الله أن يكون لي منكم خليل، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وبالحديث الآخر: لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكرا خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن يعني نفسه.
فإذن الخلة ثابتة لنبينا -صلى الله عليه وسلم-، والخلة أعلى مقامات المحبة، أعلى مقامات المحبة، والمحبة ثابتة لغير الخليل قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .
هذه المحبة ثابتة لهم، لكن الخلة فوق ذلك، والخلة لم تكن إلا لاثنين: لإبراهيم ومحمد -عليهم السلام-، فهما الخليلان.
وأما ما يقوله بعض الناس ويزعمه من أن الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد، ويقول: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله. هذا باطل، بل محمد أيضا خليل الله.
ويروى في ذلك حديث رواه الترمذي: إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر هذا حديث ضعيف، لا يصح، رواه الترمذي: إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر هذا حديث ضعيف، في سنده ضعيفان: زمعة بن صالح، وسلمة بن وهران، وهما ضعيفان؛ فلا يصح الحديث.
والصواب أن محمدا خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله، فقول الشيخ: "هو حبيب الرحمن" يوهم أنه لا يثبت الخلة لمحمد، لو قال: "وخليل الرحمن" "وخليل رب العالمين" كان أحسن، لو قال الطحاوي بدل "وحبيب رب العالمين": "وخليل رب العالمين" لكان أحسن؛ حتى يثبت الخلة، فالخلة ثابتة لاثنين: لإبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والخلة هي نهاية المحبة -نهايتها-؛ وذلك لأن المحبة مراتب، المحبة لها مراتب، ولها درجات ومراتب:
أول مراتب المحبة : العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحب، ثمة علاقة تعلق القلب بالمحب.
المرتبة الثانية: إرادة، وهي إرادة المحبوب وطلبه له، إرادة المحب للمحبوب وطلبه له.
المرتبة الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إلى المحب، بحيث لا يملكه كانصباب الماء إلى الحجور.
الرابع: الغرام، وهو الحب الملازم للقلب، سمي غراما لملازته له، ومنه الغريم، سمي غريما لملازمته لغريمة صاحب الدَّين إذا لقي المدين لزمه، ومنه قوله تعالى في جهنم: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا يعني ملازما.
المرتبة الخامسة: المودة والود، وهو صفو المحبة وخالصها ولبها، ومنه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا .
المرتبة السادسة: الشغف، وهو الحب الذي وصل إلى شغاف القلب، وهو غلافه، وهي الجلدة التي دون الحجاب.
المرتبة السابعة: العشق، وهو الحب المفرط الذي يخشى على صاحبه، وهذا لا يوصف به الرب، هذه المرتبة لا يوصف بها الرب، ولا يوصف العبد بها في محبته لربه؛ لأنه لم يرد، ولعل الحكمة في ذلك أنها محبة مع شهوة.
الثامن: التتيم، وهو التعبد، ومنه تيم الله أي عبد الله، يقال: تيمة الحب. أي عبّده وذللـه.
التاسع: التعبد، وهو غاية الذل مع غاية المحبة، يقال: طريق معبد إذا وطئته الأقدام، غاية الذل مع غاية المحبة، ومحبة العبودية خاصة بالله، ولا تكون إلا لله، وهي غاية الذل مع غاية الحب، فإذا صرفت لغير الله كانت شركا.
العاشر: الخلة، وهي سميت خلة لأنها لتخللها القلب والروح، تتخلل القلب والروح حتى تصل إلى سويدائك، كما قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني
ولـذا سـمي الخليل خليلا
والخلة هي نهاية المحبة وكمالها، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، القلب يمتلئ ما يتسع لأكثر من خليل واحد؛ ولهذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-. يعني لو كان في قلبي متسع لكان لأبي بكر، ولكن قلبي امتلأ بخلة الله، فليس فيه متسع، لو كان فيه متسع لكان لأبي بكر، لكن القلب لا يتسع لأكثر من خليل، امتلأ قلبه -عليه الصلاة والسلام- بخلة الله، فلا يتسع لأكثر من واحد.
أما المحبة فيتسع قلبه لكثير يحب عائشة ويحب أبا بكر، وأسامة حِبُّه، وزيد أبوه، أسامة حِبُّه وابن حِبِّه فيتسع القلب لأكثر من واحد هذا بالنسبة للمخلوق للنبي -صلى الله عليه وسلم- أما الله -سبحانه وتعالى- أما الخلة بالنسبة لله فهي صفة لجلال وعظمة الله. والله -تعالى- يوصف من هذه المراتب بالإرادة والمحبة والمودة والخلة هذه الأربع يوصف بها الله أما بقية المراتب فلا، فلم يرد، والخلة هي نهايتها وكمالها وهى أنه تتخلل القلب وتصل إلى سويدائه ويمتلئ بها القلب، ولا يتسع لأكثر من واحد فالخلة لإبراهيم ومحمد -صلى الله عليه وسلم- هذا بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- امتلأ قلبه بخلة الله، أما الله فاتصافه بالخلة كسائر صفاته يليق بجلاله وعظمته لا تشبه صفاته صفات المخلوقين. انتهى كلامه حفظه الله.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما