فقدان الثقة يحار المراء فى أولئك البائسين المتشائمين الذيـن فقـدوا الثقة فى الغيـر ، فأصبحوا لا يأتمنون أحدا على سر ولا يحسنون الظن بما يقولون وما يفعلون .. فمـا عـلة ذلك ياتـرى ؟ هــــــل يمكن ان تكون الطبيعة البشرية قد تدهورت وساءت أخلاق الناس وهبطت مقايسهم ، فاصبح لزاما على كــل فــــرد ان يكون على حذر من الجميع .. القريب منهم والبعيد ، والعدو والصديق ؟ او العكس هو الصحيح ، وان الدنيا لا تـزال بخير ، وأن صفات الامانة ، والنخوة ، والشهامة ، ومراعاة مشاعر الغير لا تزال القاعدة ، وأن ما يصدرمن بعض الافراد من مجافاة هذه الصفات ، استثناء لا يعول عليه ؟
يدل الاختبار ، وتؤيده فى ذلك الابحاث العلمية الحديثة ، أن علة أولئك الذين يسيئون الظن فى الغير ، فى نفوسهم لا فى نفوس سواهم من خلق الله .. أن الرجل الذى فقد الثقة فى أهله وأقاربه وأصدقائه وجبرانه وزملائه فى العمل وفى العالم بأسره ، قد فقد الثقة فى ذاته قبل كل شيء .
وكيف ننتظــر مـن انسان ان يثـق بسـواه مـن بنـى البشـر ، وقــد كان ابـوه منذ نعومة أظفاره يحقد عليه ، ويكيد لـه ، ويـؤثر اخوته عليـه .. لا لسبب يبـرر ذلك ؟ وكيـف ننتظـر منه ذلك وقد كانت أمه تكذب عليه ، وتعده ولا تفى وتزجره وتعاقبه لاوهى الاسباب ؟ وكيف ننتظر منه أن يثق بنفسه ، حتى يثق بالغير .
الواقع ان الانسان الذى يخيل اليه ان كل من يضحك امامه ، انما يضحك عليه .. وأن مـن يهمس فى أذن صاحبه ، أنما يعرض بـه .. وأن كـل من يتـــودد اليه ، أنما يتخذهـذا التـــودد وسيلة لايـذائـه أوابتــــزاز أمواله .. الواقع أن مثل هذا الانسان بائس مريض فى شديد الحاجة الى علاجه .
ومما يـــــدعـو لشــدة الاسف اننا نجـد فـى بعض مصالحنا الحكومية - والخاصة علـى السـواء عــددا لا يستهان به من الموظفين ، كبارهم وصغارهم ، الذين نشأوا فى جو مفعم بسوء الظن وعدم الثقة بالغير ، والنتيجة أن الجمهور أو الناس يصادف منهم معاملة غاية فى القسوة والشدة .