تربينا على أن لكل شئ حدٌ فاصل، فهناك حد للعب وحدٌ للجد، حدٌ للكلام وحدٌ للصمت !
ثم لمّا أصبحنا فتية، رأينا أن بعض الحدود تنهار لأتفه وأهون الأسباب، فليس هناك حد حقيقي للعب
ولا حدٌ حقيقي للجد، وبالقطع ليس هناك حدٌ للكلام و"البربرة"
فهذا يقول ما يشاء حينما يشاء، وذاك يهرف بما يشاء حينما يشاء..!!
وذاك يمزح في غير وقت المزاح..
أذكر أن كان هناك اجتماع عائلي على نطاق ضيق، وجاء العشاء واعتذر أحد الأقارب
لأنه لا يشعر بالجوع فما كان مني وبكل صفاقة وجه إلا أن قلت له تعشى وإذا
ما تعشيت لا ترجع تقول لنا أنا جوعان..!!
فما رأيت إلا قبضة أقرب شخص مني تسقط على وجهي..
ذاك القريب غضب وتلوّن وجهه، بالتأكيد ليس لما سقَط على وجهي
بل لما سقط على وجهه من تعبيري الطفولي الغبي..!!
لم أكن أعرف ما هو الحد الفاصل حينها، حتى بعد "المخمس" إحمرّت عيناي
وتركت المكان راكضاً "كما في الافلام" لأن الحد الفاصل بين كرامتي
ودموعي كان في حالة استنفار قصوى..
كانت الحدود وهمية وهلامية ليس هناك قاعدة ثابتة
بل يجب أن تكون ذكياً مهما كنت طفلاً لتكتشف ما هي الحدود المفترضة..
الأن مازالت "بعض" الحدود وهمية كما كانت، فيجب أن تُـقدّر المكان
والزمان والحالة حتى تستطيع أن تقرر ماهية الحدود الأنية..
بعدما مرت أزمان، عرفنا أن الحدود يُفترض بها أن تكون نهاية الأشياء..
فسمعنا الحكمة القائلة أن حدود حريتك تنتهي عند حدود حرية الأخرين..
وأن لكل شئ حد كما أسلفت في البداية، ترسخت قاعدة أن الحدود هي
نهاية الأشياء..
نهاية حدود الدولة..
نهاية حدود الهزل..
نهاية حدود الكلام..
إذا انتهى العمر قيل هذا حد عمره..!
لماذا اختزلت الحدود بالنهايات، لماذا لم تكن الحدود بداية أشياء أخرى..!
حدود حرية الأخرين تبدأ عن أقصى حدود حريتك..
بداية حدود الدولة الأخرى تبدأ بعد أقصى حدود دولتك..
بداية حدود الجد عند أقصى حدود الهزل..
وهكذا..
ربط الحدود بالقيود والنهايات يجعلها رمزاً للضيق، للإختناق، للقيد..
صح؟؟