قِصَّة رضاعهِ صلى الله عليه وسلم
والمُلخَّصُ منْ حديثِ الرّضاعِ الفَرْدِ أنَّ القَحْطَ لمَّا عَمَّ بَني سعْدٍ فَصارَ حَظُّهُمْ بمَزيدِ القَحْطِ ناقصًا وضَرْعُهُمْ بمَزيدِ الجَدْبِ قَالِصًا، وجَليلُهُم حَقيرًا وغَنيُّهُم فقيرًا، فارْتَحَلَ بعضُهُم إلى مكَّةَ لِبضاعَةِ الرَّضاعة، ومعَهُم حَلِيمةُ معَ زوجِها الحَارثِ بنِ رِفاعَة، وكانتْ على أتاَنٍ مُقصّرَةٍ مِنَ الجَهْدِ مَرَّة، ومعها شَاةٌ مَا تبِضُّ منَ الحليبِ بقَطرَةٍ، وصَبيٌّ لَها مِنْ حليبِ أمّهِ عَديمٌ، وهُوَ رضيعٌ ولكنَّهُ من العُدْمِ فَطيمٌ، لا يجِدانِ شيئًا لغِذائِهِ، ولاَ ينامانِ الليلَ لبُكائِهِ، فلمَّا تفرَّقوا في مكَّةَ حينَ دخلوا إليها لم تبْقَ امرأةٌ إلاَّ وعُرِضَ صلى اللهُ عليه وسلم عليها لكنْ لعَدمِ سَعْدِها تأباهُ، إذا قيلَ لها توفَّى اللهُ أبَاه. ولمَّا عُرِضَ على حليمَةَ بهرَتْها أنوارُهُ العَظيمةُ وشغلتْها طلعتُهُ البارِعة في الجمالِ وملَكَها حُسْنُهُ المُطلقُ في الحالِ، لكِنْ لمَّا ذُكِرَ لهَا يُتْمُهُ خَطَرَ لهَا ما تصْنَعُ لنَا أمُّهُ، فأعرَضَتْ عنهُ ونفرَتْ وتولَّتْ، وإليهِ نظرَتْ، فانصرفَتْ عنهُ مُحيَّرَةً، وفي الأخذِ وعدمِهِ مُفكّرَةً، ثُمَّ دارَتْ على غيرِهِ فلمْ ترَ من تضمُّهُ إليها فقوِيَ أسعَدُ الخَاطرينَ عليها، وفاجأَها الخَاطرُ الأسْعَدُ، أن تملَّى لجِمالِ الحَبيبِ أحمد،