علي بن الجهم
عليُّ بنُ الجَهْم (188-249هـ، 803-863م). أبوالحسن علي بن الجهم، من شعراء القرن الثالث الهجري المقَدمين، ينتهي نسبه إلى بطن من قريش. نشأ في بغداد في أواخر القرن الثاني وصدر القرن الثالث الهجريين. كان عصره عصر المتكلمين من المعتزلة الذين جمعوا بين الثقافة العربية والفلسفة اليونانية. ولكن عليًّا بن الجهم انصرف إلى الثقافة العربية الصرفة، ومال عن مذهب أهل الجدل إلى مذهب أهل الحديث الذين يمثلون الفكر العربي في فهم الدين، وكان يختلف إلى الإمام أحمد بن حنبل. لقي أباتمام وانعقدت بينهما صداقة قوية. بدأ اسمه يلمع في سماء الشعر في عهد المأمون والمعتصم والواثق، ولكنه لم يمدح هؤلاء الخلفاء الثلاثة بقصائد مشهورة، وربما كان ذلك مرده إلى اعتزال هؤلاء الخلفاء وشدتهم على أهل الحديث. ولذا، لم تكثر أخباره إلا في أيام المتوكل (232 - 247هـ). وأكثر ما بقي من شعره قاله في المتوكل أو في زمنه، وكان المتوكل هو الذي أنهى سياسة الاعتزال واعتنق مذهب أهل السنة وأصحاب الحديث. ولهذا، اتصل به علي بن الجهم وأنشد في تنصيبه قصيدة هي أشبه بما يسمونه اليوم خِطَابَ العَرْش. قرَّبه المتوكل واتخذه جليسًا ونديمًا وجعله من خاصته. ولكن بقية شعراء البلاط، وفيهم البحتري والحسين ابن الضحاك، كادوا له وسعوا به لدى المتوكل حتى غضب عليه وأمر بحبسه وصادر أمواله ثم نفاه إلى خُراسان، وكتب إلى أميرها أن يصلبه يومًا إلى الليل عاريًا. وفي السجن نظم أجمل قصائده، و هي قصائد تدل على جَلَدِه وشهامته وتأصل روح البطولة فيه.
كان علي بن الجهم فارسًا وسيمًا شجاعًا، جمع بين الثقافة والفتوة وقول الشعر والعلم والأدب وشرف النسب والثروة والجاه. وهو شاعر مطبوع، أظهر خصائص شعره الطبع والجزالة وتأدية المعنى بأوضح السبل وأيسرها. يقل في شعره التقديم والتأخير والحذف والتقدير. مقتصد في تشبيهاته واستعاراته. وهو من أقل شعراء عصره في الصنعة اللفظية. وهو ، بهذا، قريب من مذهب عمود الشعر الذي يمثله البحتري، وبعيد عن مذهب الصنعة البديعية الذي يمثله أبو تمام.
عالج ديوانه مختلف أغراض الشعر من المدح والاستعطاف والرثاء والهجاء والغزل والفخر والحكمة. وقد جعلته نكبته يكثر من التأمل في الحياة والأحياء من حوله.
ومن مشهور قصائده قوله:
قالت حُبست فقلت ليس بضائري حبسي وأي مهند لايغمَدُ
أو مارأيت الليث يألف غيله كبرًا وأوباش السباع تَرَدَّدُ
والشمس لولا أنها محجوبةٌ عن ناظريك لما أضاء الفرقدُ
والبدر يدركه السِّرار فتنجلي أيامه وكأنه متجدّدُ
وعلي بن الجهم هو صاحب البيتين الشهيرين اللَّذين يستشهد بهما النقاد على أثر البيئة في طبع الشاعر وحسه، وهما:
عيون المها بَيْن الرصافة والجسْرِ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
أعدْن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ولكن زدتُ جمرًا إلى جمر