مما سبق من دراسات رأينا كيف يؤكد الباحثون أن معظم حالات الغضب تأتي بسبب عدم وجود البديل المناسب، أو عدم وجود حل للمشكلة، أو عدم وجود شيء يستحق التسامح، وقد فشل علماء النفس في إيجاد بديل مناسب للغضب، إلا في حالة واحدة أن يحذروا الشخص الغاضب من مساوئ الغضب الطبية مثل أمراض القلب وضعف المناعة والوزن الزائد. وعلى الرغم من ذلك لا يجدون استجابة من قبل المرضى لنداءاتهم، فما هو الحل؟
لقد أعطانا القرآن الحل وهو بالصبر، ولكن الصبر من أجل ماذا ولمن نصبر وما هي المكافأة التي سنحصل عليها، وهل تستحق منا أن نكبت الغضب والانفعالات؟ يقول تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى: 40]. فهل هناك أجمل من هذه العبارة: (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)! ماذا ستستفيد من غضبك... بالطبع لا شيء، ولكن البديل موجود وهو الأجر من الله تعالى هو سيعوضك عن كل شيء.
ولكن هل يكفي الصبر كعلاج ناجع؟ إذا ترافق الصبر مع المغفرة سيكون العلاج فعالاً جداً، ولذلك قال تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [الشورى: 43]، والرائع في هذه الآيات أن الله تعالى يصوّر لنا النتيجة التي سنحصل عليها مسبقاً، مثلاً يقول تعالى: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 12]، إن أجمل شيء أن الله سيكون معك عندما تصبر على من أساء إليك، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 153].
هذه الآيات تصور لنا النتائج الإيجابية للصبر، وهو ما يؤكده علماء النفس عندما يقولون إن أسرع طريقة لعلاج الغضب أن تتصور النتائج السلبية للغضب، وتتصور النتائج الإيجابية فيما لو لم تغضب وتتسامح. ولذلك قال تعالى: (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النساء: 25]. ويقول أيضاً: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 11].
وهكذا آيات كثيرة تؤكد على أهمية الصبر بل وتصور لنا نتائج الصبر الرائعة، فهل نأخذ بالنصيحة الإلهية، ونجعل من حياتنا كلها صبراً على الشهوات وصبراً على أذى الآخرين، وصبراً على من حولنا؟ عليكم يا أحبتي أن تتصوروا في اللحظة التي تأتيكم إساءة من أحد، أن الله تعالى يريد منك الصبر وسيكون معك ويرضى عنك، والله لو أننا تصورنا ذلك وشعرنا بمراقبة الله لنا في لحظة الغضب وشعرنا بمدى محبة الله للصابرين، لتذوقنا حلاوة الصبر ولم يكن شيء أحب إلى قلوبنا من أن نصبر على أذى الآخرين وأن نعالج أي انفعال أو غضب بالتسامح والابتسامة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام يعالج بها هذه الظاهرة.
يؤكد الباحثون في علم البرمجة اللغوية العصبية أن العلاج المثالي للغضب هو أن نأخذ ورقة وقلم ونتخيل ونسجل النتائج الخطيرة والمصائب التي ستحل بنا نتيجة الانفعالات السلبية والغضب، وبنفس الوقت نتخيل ونسجل النتائج الإيجابية التي سنحصل عليها عندما نصبر ونتقبل الواقع كما هو. القرآن الكريم جاء بهذه القاعدة قبل 14 قرناً، فإذا ما تأملنا آيات القرآن نلاحظ أن الله تعالى يصور لنا ما سنحصل عليه بنتيجة الصبر ثم يأمرنا بالصبر، يقول تعالى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 96]، فهذه الآية وغيرها من الآيات تبشرنا بأن عطاء الله لا ينتهي، بينما عطاء البشر محدود، وكأنه يقول لك يجب أن تبقى مع الله وتثق به، ثم يأمرنا بالصبر وأن الجزاء سيكون أكبر بكثير وأحسن مما نقدمه من عمل.