اخي الحبيب اختى الفاضلة
العين سبب كل محنة، ومجلبة لكل
بلية، فلا تدع الشيطان يوردك
موارد الهلكة بسببها، واجعل
نصب عينيك قول الحق سبحانه وتعالى
"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم – إن
الله خبير بما يصنعون"
(سورة النور آية 30)
اختي الغالية
وليس الأمر موجهاً للرجال وخاصاً
بهم فقط، وإنما موجه إلى النساء أيضاً.
قال تعالى: "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن" (سورة النور آية 31)
إن المجتمع الإسلامي ليس كغيره من
المجتمعات، وإنما هو مجتمع متميز،
يعتمد في نشأته على الطهر والنظافة، والعفة والفضيلة،
ولذلك أمرنا الله سبحانه بغض البصر.
وقد كتب ابن القيم رحمه الله
تعالى رسالة نفيسة مؤثرة ذكر فيها
عشر فوائد لغض البصر
عنونها باسم "الفوائد العشره لمن غض بصره"
وهذه الفوائد هي :
الأولى :
امتثال لأمر الله الذي هو غاية
سعادة العبد في معاشه ومعاده
وليس للعبد في
دنياه وآخرته أنفع من امتثال
أوامر ربه تبارك وتعالى ، وما سعد
من سعد
في الدنيا والآخرة إلا بامتثال
أوامره ،
وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة
إلا بتضييع أوامره
.
الثانية :
يمنع من وصول أثر السهم المسموم
الذي
لعل
فيه هلاكه إلى قلبه
الثالثة :
أنه
يورث القلب أنسا بالله ويجمعه
على الله
فإن إطلاق البصر يفرق القلب
ويشتته ، ويبعده من الله ، وليس
على العبد شيء أضر من
إطلاق البصر فإنه يوقع الوحشة بين
العبد وبين ربه .
الرابعة :
يقوي القلب ويفرحه ، كما أن
إطلاق البصر يضعفه ويحزنه
الخامسة :
أنه يكسب القلب نورا كما أن
إطلاقه يكسبه ظلمة
ولهذا ذكر الله
آية النور عقيب الأمر بغض البصر.
فقال عز وجل : (
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم
ويحفظوا فروجهم
)
ثم قال اثر ذلك : (
الله نور السماوات والأرض ، مثل
نوره كمشكاة فيها مصباح
)
أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن
الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه
، وإذا استنار القلب
أقبلت وفود الخيرات إليه من كل
جانب ، كما أنه إذا أظلم أقبلت
سحائب البلاء والشر عليه
من كل مكان ، فما شئت من بدعة
وضلالة واتباع هوى ، واجتناب هدى
، وإعراض عن
أسباب السعادة واشتغال بأسباب
الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه له
النور الذي في القلب ، فإذا
فقد ذلك النور بقي صاحبه كالأعمى
الذي يجوس في حنادس الظلام
.
السادسة :
أنه يورث الفراسة الصادقة التي
يميز بها بين المحق والمبطل ،
والصادق والكاذب
وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول
من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه
بدوام المراقبة وغض بصره عن
المحارم ، وكف نفسه
عن الشهوات ، واعتاد أكل الحلال
لم تخطئ له فراسة
وكان شجاع
هذا لا تخطئ له فراسة
السابعة :
أنه يورث القلب ثباتا وشجاعة وقوة
ويجمع الله له بين سلطان البصيرة
والحجة
وسلطان القدرة والقوة
وقد ورد في الأثر
: " الذي
يخالف هواه يفر الشيطان من ظله
"
وضد هذا تجده في المتبع هواه من
ذل النفس ووضاعتها ومهانتها
وخستها وحقارتها
كما قال الحسن
:
"
إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت
بهم البراذين ، فإن ذل المعصية لا
يفارق رقابهم ،
أبى الله إلا أن يذل من عصاه
"
وقد جعل الله سبحانه العز قرين
طاعته والذل قرين معصيته ، فقال
تعالى :
( ولله
العزة ولرسوله وللمؤمنين
)
وقال تعالى : (
ولا تهنوا
ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين )
فمن كان يريد العزة فليطلبها
بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب
والعمل الصالح ، ومن أطاع الله
فقد والاه فيما أطاعه، وله من
العز بحسب
طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما
عصاه فيه ،
وعليه من الذل بحسب معصيته .
الثامنة :
أنه يسد على الشيطان مدخله من
القلب
فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها
إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في
المكان الخالي ، فيمثل
له صورة المنظور إليه ويزينها ،
ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ،
ثم يعده ويمنيه ويوقد
على القلب نار الشهوة ، ويلقي
عليه حطب المعاصي التي لم يكن
يتوصل إليها بدون تلك
الصورة .
فيصير القلب في اللهب ، فمن ذلك
تلد الأنفاس التي يجد فيها وهج
النار ، وتلك الزفرات
والحرقات ، فإن القلب قد أحاطت به
النيران من كل جانب ، فهو وسطها
كالشاة في وسط التنور
التاسعة :
أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه
والاشتغال بها
وإطلاق البصر يشتت عليه ذلك ويحول
بينه وبينها فتنفرط عليه أموره
ويقع في اتباع هواه
وفي الغفلة عن ذكر ربه ، قال
تعالى :
( ولا تطع
من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع
هواه وكان أمره فرطا ) ،
وإطلاق النظر يوجب
هذه الأمور الثلاثة بحسبه
العاشرة :
أن بين العين والقلب منفذا أو
طريقا يوجب اشتغال أحدهما بما
يشغل به الآخر
يصلح بصلاحه ويفسد
بفساده ، فإذا فسد القلب فسد
النظر ، وإذا فسد النظر فسد القلب
،
وكذلك في جانب الصلاح ، فإذا خربت
العين وفسدت خرب القلب وفسد ،
وصار كالمزبلة
التي هي محل النجاسات والقاذورات
والأوساخ ، فلا يصلح لسكنى معرفة
الله ومحبته والإنابة
إليه ، والأنس به ، والسرور بقربه
، وإنما يسكن فيه أضداد ذلك