أزمة انتخاب "الأميار" تفضح مكر السلطة وغباء المعارضة
وضعت أزمة انتخاب رؤساء المجالس الشعبية البلدية المنبثقة عن الانتخابات المحلية الأخيرة، مصداقية الكثير من مؤسسات الدولة، على المحك، بسبب التضارب الحاصل بين القانون العضوي المتعلق بالانتخابات وقانون البلدية.
ويعيش أزيد من ألف مجلس بلدي على وقع انسداد، بسبب اختلاف وجهات النظر في تفسير المواد القانونية المحددة لآليات انتخاب "الأميار " الجدد، ولا سيما المادة 80 من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات، والمادة 65 من قانون البلدية .
ولحد الساعة، وعلى الرغم من مرور أسبوع كامل، على إجراء الانتخابات المحلية، لايزال الجدل يصنع الحدث، ومعه تتعاظم الشكوك في إمكانية تنصيب المجالس البلدية الجديدة، في غضون الـ15 يوما التي تلي موعد الانتخاب، على حد ما ينص عليه القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.
ولمواجهة هذا الوضع، لم تجد وزارة الداخلية والجماعات المحلية، من حل لهذه المعضلة، سوى استعدادها لإصدار مذكرة لشرح كيفية انتخاب رؤساء المجالس الشعبية البلدية، في محاولة منها لإنهاء الجدل، ووضع النقاط على الحروف، وبالمقابل قطع الطريق على الجهات التي تسعى للاستثمار في هذه القضية سياسيا.
واللافت في الأمر، هو أن اختلاف وجهات النظر في فهم النصوص القانونية، لم يكن وليد الانتخابات المحلية الأخيرة، بل سبق للبلاد أن عاشت على وقع قضايا من هذا القبيل، على غرار ما حصل في الانتخابات التشريعية الأخيرة، في الجانب المتعلق بنسبة تمثيل المرأة، ومع ذلك لم تسارع إلى شرح القضية للأحزاب، ربحا للوقت، وتفاديا لتعطيل مصالح المواطنين.
ويذهب سياسيون ومنهم النائب لخضر بن خلاف، إلى القول بأن أزمة "الأميار" الجدد سببها وجود تضارب بين القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات وقانون البلدية، باعتبارهما القانونين اللذين ينظمان عملية انتخاب رؤساء المجالس البلدية والولائية، علما أن من خصوصية القوانين العضوية كما هو الشأن بالنسبة للقانونين المذكورين، حتمية عرضها على المجلس الدستوري لإصدار فتوى تؤكد خلوهما من الثغرات القانونية.
غير أنه وعلى الرغم من مرور أزيد من عام على صدور قانون البلدية (جويلية 2011) وما يقارب العام على صدور على صدور القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات (جانفي (2012)، إلا أن كافة المؤسسات المعنية، لم تتفطن للتضارب الحاصل بين بعض نصوص القانونين السالفي الذكر، إلا بعد أن اصطدمت الأحزاب والمنتخبون بالأمر الواقع.
وينحى بن خلاف باللائمة على المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، باعتبارهما الحاضنة الثانية للقوانين، بعد حاضنة الحكومة، ويعبر عن استغرابه من عدم تفطن النواب لهذه الثغرات، مشيرا إلى أن الأحزاب التي كانت تسيطر على الأغلبية في الغرفة السفلى، ممثلة في حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، يتحمّلان النسبة الأكبر من المسؤولية، على اعتبار أنه لا يمكن أن يمر أي قانون دون موافقتهما.
ويرى متابعون للشأن السياسي أن الأنظمة الأقل ديمقراطية هي التي عادة ما تتعمد فرض الغموض في تشريعاتها ونصوصها القانونية، ثم تعمد بعد ذلك إلى تأويل مكامن الغموض في هذه النصوص وفرضها بما يتناسب ومصلحتها، عندما يحدث خلاف في فهمها، ولعل تأخير تفسير الإبهام إلى ما بعد إعلان النتائج، مؤشر على مدى مكر صنـّاع القوانين.