وزارة التعليـــــم العالــــــي والبحـــث العلــمــــــــــي
جامعـــة قـــاصـــــــــدي مربــاح – ورقلــة
كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية
قسم علم الاجتماع
التخصص : علم النفس عمل وتنظيم
بحـــث حـــــول :
من إعــداد : تحت إشراف الأستاذ :
سعداوي عبد الكريم كـــــــــادي الحاج
زناتــــي عبد الكريم
بلمهـــــــدي مبروك
السنة الدراسيّــــة : 2012/2013
مقدمـــة:
حين تكافح المنظمات من أجل تحقيق الازدهار في البيئات المضطربة و التنافسية أو المحافظة عليه فإن الإبداع و الابتكار يصبحان أمرين في غاية الأهمية ،فالمنظمات تعيش في اقتصاديات غير ملموسة ،اقتصاديات المعلوماتية التي تعتمد على السرعة والخيال والمرونة والابتكار والإبداع.
فلا تقتصر قيمة المشاركة الإبداعية على المنظمة وحدها بل إن القدرة على الوصول إلى أفكار وحلول فريدة ملائمة في الوقت نفسه يمكن أن تعود بفائدة كبرى على الأفراد أيضا فالإبداع يدعم قوة أي منظمة في تميزها عن المنظمات الأخرى ،كما أن الإدارة التقليدية أصبحت غير ممكنة في الوقت الحالي لما لها من عواقب وخيمة ،فهي تحوَل الأفراد العاملين إلى بيروقراطيين و تسلبهم قدرتهم على الإبداع و التفكير.
الإبـــــــــــــــداع
1- مفهوم الإبداع
* لغة:هو الاختراع و الابتكار ، و بصورة أوضح هو إنتاج شيء جديد لم يكن موجودا من قبل . و هو تعبير فلسفي يعنى إيحاء الشيء من عدم و المبدع هو المحدث أو المنشئ).
أما اصطلاحا : هو عملية تؤدي إلى ابتكار أفكار جديدة و مفيدة و مقبولة اجتماعيا
أما جيرارد : فيعرف الإبداع على انه فن ينطبق على أية محاولة إبداعية و على عملية تجسيد هذه المحاولة في الواقع و على المحصلة المادية لهذه العملية و على تقدير هذه المحصلة. ( أيمن المعاني،1996)
و مصطلح \"الإبداع\" يعد من بين أكثر المصطلحات شيوعاً في الوقت الراهن في أدبيات الإدارة . وقد اجتهد الكتاب في تقديم تعريف شامل له فمنهم من استند إلى السمات الشخصية للمبدع ومنهم من استند إلى مراحل العملية الإبداعية والناتج الإبداعي لها كأساس لمفهوم \"الإبداع\" إلا أننا سنتبنى التعريف التالي للإبداع: بأنه عبارة عن مجموعة العمليات التي يستخدمها الإنسان بما هو متوفر لديه من قدرات عقلية وفكرية وما يحيط به من مؤثرات بيئية في أن يتوصل إلى فكرة أو أسلوب أو نظرية... بحيث يحقق النفع للمجتمع أو المنظمة التي يعمل فيها
(سعود النمر،1992،ص60)
وقد تعددت المصطلحات المتداولة لتعريف الإبداع ومنها على سبيل المثال:
1. أن ترى ما لا يراه الآخرون.
2. أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة.
3. القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة.
4. تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة.
5. الأفكار أو الوسائل أو الطرق أو الأشياء المادية الجديدة بالنسبة إلى الأفراد التي تتبنى ذلك، وقد يكون الابتكار منتجاً جديداً، أو مرحلة عملية إنتاج جديدة أو تطبيقاً جديداً لمجموعة وسائل أو أساليب في العمل.
6. السلوك الإنساني الذي يؤدي إلى تغيير في ناتج المواد المستخدمة، ويتصف التغيير بالجدية والأصالة والقيمة والفائدة الاجتماعية. ( المؤتمر الدولي لتطوير الأداء، 2009م.
2- خصائص الإبداع
إن الأعمال المبدعة هي التي تعد بمثابة البصمة التي تميز عملاً دون آخر، وفي هذا السياق سنحاول توضيح الخصائص التي تميز الإبداع عن غيره من المفاهيم الأخرى وأهم ما يمكن الإشارة إليه ما يلي:
الإبداع ظاهرة فردية وجماعية:
فالإبداع ليس حكراً على الأفراد، وليس عملية فردية بالضرورة، حيث قد تتم ممارسته عن طريق الجماعات والمنظمات بمعنى أن الإبداع قد يظهر على مستوى الفرد أو الجماعة أو المنظمة، فالإبداع على مستوى الفرد: هو الذي يتم التوصل إليه من قبل أحد الأفراد \"المبدعين\" والذي يتميز بقدرات إبداعية من أهمها
(عبد المعطي عساف،1995م).
- الخصائص العقلية: متمثلة في: الحساسية في تلمس المشكلات، الطلاقة (سهولة التعبير عن الأفكار بعد إنتاجها وصياغتها في قالب مفهوم)، المرونة (قادر على توجيه أفكاره ، وإعادة توجيهها لتوليد أفكار جديدة)، الأصالة (القدرة على إنتاج أفكار جديدة ومفيدة) (مصري حنورة، يونيو، 2000م).
- الخصائص النفسية: متمثلة في: الثقة بالنفس، القدرة العالية على تحمل المسؤولية، القدرة على نقد الذات والتعرف على عيوبها ( عبد الله البريدي، 1420هـ).
أما الإبداع على مستوى الجماعة: فهو الذي يتم تقديمه أو التوصل إليه من قبل الجماعة، وإبداع الجماعة أكبر من المجموع الفردي لإبداع أفرادها.
أما الإبداع على مستوى المنظمة: فهو الذي يتم التوصل إليه عن طريق الجهد التعاوني لجميع أعضاء المنظمة فالفكرة الإبداعية تبدأ في ذهن الفرد، إلا أن نجاح هذه الفكرة يتطلب مشاركة كل فرد في المنظمة من أصغر موظف إلى الإدارة العليا بعمل الإبداعات اللازمة لتطبيق هذه الفكرة (أميمة الدهان،1992م) - ظاهرة إنسانية عامة وليست ظاهرة خاصة بأحد فالإبداع ليس حكراً على الخبراء والعلماء والأخصائيين. (مصري حنورة، يونيو، 2000م).
فالظاهرة الإبداعية هي واقع موجود في الحياة وبين الناس بل إنه يمكن القول أن مفهوم الإبداع من وجهة نظر البعض مساوٍ لمفهوم الحياة من حيث التجدد
( عبد الله البريدي، 1420هـ).
حيث إن الإبداع يعتبر مهارة يومية وأساسية يستخدمها الإنسان سواء على المستوى الشخصي لتحقيق الشهرة والمكانة أو على مستوى عمله لتحقيق التميز في الأداء، إلا أن إهمال المنظمات لـه أدى إلى إحباط الكثير من العاملين وتحويل مجهودهم من فكري إلى عضلي حتى أصبح الإبداع مقصوراً على أصحاب الذكاء الخارق، والمستويات العليا في العديد من المنظمات (طارق السويدان ،مارس 2003م).).
- ظاهرة موروثة ومتعلمة :إن الإبداع عملية ليست مبرمجة فهو ليس بعملية نمطية بل يعتمد على التفكير المتحرر والمتجدد، فالتشابه والتكرار هما نقائض الإبداع (جيمس جي مارش، 2001م).
وبما أن التفكير مهارة مثل غيره من المهارات يتم تنميته عند الفرد فعن طريق تنمية التفكير الإبداعي وكيفية تكوين الأفكار سيصل إلى أفكار إبداعية جديدة ومفيدة فبالتالي يتعلم الإبداع.
إلا أن هذا لا يعني نفي العوامل الوراثية، لتأثيرها على تنمية الاستعدادات الإبداعية والتي تعطي الإبداع نوعية مميزة فإن لب مسألة الإبداع يكمن في كيفية نشوء هذه الأفكار الجديدة وما هو أصلها (عبد المعطي عساف،1995م)..
3- مراحل الإبداع : تمر عملية الإبداع الإداري بمراحل حتى تكتمل و تظهر بصورة كاملة معبرة عن الموضوعية و النضوج الذهني ، و تتضمن هذه العملية النضوج العقلي للأفكار و موضوعية الأحكام التي يقدمها المبدع ، و حتى يكون الإبداع قائما على الحقيقة ، فلا بد إن تتم الترجمة إلى واقع عملي يمكن للآخرين الاستفادة منه بقدر المستطاع ، و هناك العديد من النماذج التي اقترحها الكتاب و الباحثون بشان مراحل و خطوات عملية الإبداع و يقترح كل من كرايتنرو كينيكي أن الإبداع يتضمن5 مراحل و هي:
ا-الإعداد:و تتضمن المدة التي يقضيها الفرد في التعلم و القراءة و التدريب في العمل،و حضور مؤتمرات و ندوات و ذلك ليتمكن الفرد من الإحاطة بكافة إبعاد المشكلة و الإحساس بها.
ب- التركيز: و فيها يركز الفرد اهتمامه و جهوده و تفكيره على المشكلة
ت - الاحتضان: و هنا ينخرط في أعماله اليومية بينما يجول ذهنه في البحث عن المعلومات.أي هي مرحلة تفاعل المعلومات و البيانات في العقل الباطني للمبدع.ونتيجة لهذا التفاعل تظهر الإبداعات.
ث- الشروق الإلهام: حيث انه بينما يبحث الفرد عن المعلومات فانه يعمل أيضا على ربطها و إيجاد العلاقات فيما بين الأشياء ، حيث يظهر الفكر الجديد على شكل إنارة ذات لمعان تنبه الفرد ليحرك حالة اليقظة و الانتباه عند الفرد المبدع كي يستطيع تقديم شيء بعد مرحلة النضوج.
ج- الإثبات التحقق: و تعني إعادة العملية بكاملها من اجل إثبات الفكرة أو تعديلها أو تجربتها ، أي الشيء الإبداعي المقدم من الفرد و المتضمن فكر ، سلوك ، استجابة يخضع للاختبار بهدف التأكد من صحته و صلاحيته للتطبيق كفكر جديد.
و في ذات السباق ، يرى آخرون أن الإبداع ليس بالشيء العفوي و إنما هو نتيجة لأربعة مراحل أساسية و هي:
1- مرحلة التشبع : و هي التعرف على المشكلة بصورة مفصلة من جميع أبعادها و الظروف المحيطة بها ، و الأسباب التي دعت إلى ضرورتها
2- مرحلة التفكير المعمق:
و هو التفكير المركز على المشكلة و تحليلها و تفحص جميع جوانبها ودراسة الأفكار و الافتراضات المتعلقة بها و تنظيم هذه الأفكار و العلاقات القائمة بينها بأشكال مختلفة
3- مرحلة التأمل و يمثل اختمار المشكلة في العقل الباطن حتى تتفاعل المعلومات مع بعضها البعض.
4- التحقق: و هنا يتم توضيح الفكرة الناتجة عن مرحلة الإلهام و تفحص ملائمتها لخصائص المشكلة و تكيفها بصورة تلائم تلك الخصائص و عرضها بصورة نهائية على الأخصائيين لأخذ رأيهم فيها قبل وضع الفكرة موضع التنفيذ.
(سليم بطرس جلده، زيد منير عبوي،2006)
4- مستويات الإبداع
يظهر الإبداع في العديد من المستويات ومنها (الفياض،1995،ص ص54-55(
1. الإبداع على المستوى الفردي: بحيث يكون لدى العاملين إبداعية خلاقة لتطوير العمل وذلك من خلال خصائص فطرية يتمتعون بها كالذكاء و الموهبة أو من خلال خصائص مكتسبة كحل المشاكل مثلا ،وهذه الخصائص يمكن التدرب عليها وتنميتها ويساعد في ذلك ذكاء الفرد وموهبته.
2. الإبداع على مستوى الجماعات: بحيث تكون هناك جماعات محددة في العمل تتعاون فيما بينها لتطبيق الأفكار التي يحملونها و تغيير الشيء نحو الأفضل كجماعة فنية في قسم الإنتاج مثلا.
3. الإبداع على مستوى المنظمات: فهناك منظمات متميزة في مستوى أداءها وعملها وغالبا ما يكون عمل هذه المنظمات نموذجي ومثالي للمنظمات الأخرى ،وحتى تصل المنظمات إلى الإبداع لابد من وجود إبداع فردي و جماعي.
وإن هناك العديد من الباحثين الذين ميزوا بين نوعين رئيسيين من الإبداع على مستوى المنظمات وهما:
1. الإبداع الفني: بحيث يتعلق بالمنتج سواء السلع أو الخدمات ،ويتعلق بتكنولوجيا الإنتاج أي بنشاطات المنظمة الأساسية التي ينتج عنها السلع أو الخدمات.
2. الإبداع الإداري: ويتعلق بشكل مباشر بالهيكل التنظيمي والعملية الإدارية في المنظمة ،وبشكل غير مباشر بنشاطات المنظمة الأساسية.
وقد قام (تايلور) بتقسيم الإبداع إلى مستويات مختلفة هي (الزهري،2002،ص58)
1. الإبداع التعبيري: وتكون فيه الأصالة والكفاءة على قدر قليل من الأهمية.
2. الإبداع الإنتاجي: وهو الذي يرتبط بتطوير آلة أو منتج أو خدمة.
3. الإبداع ألاختراعي: ويتعلق بتقديم أساليب جديدة.
4. الإبداع الإبتكاري: يشير إلى التطوير المستمر للأفكار وينجم عنه اكتساب مهارات جديدة.
5. إبداع الانبثاق: هو نادر الحدوث لما يتطلبه من وضع أفكار و إفتراضات جديدة كل الجدة
5- أبعاد الإبداع :
بصفة عامة فإن تعريف الإبداع يختلف باختلاف الجوانب والمداخل التي يهتمون بها والأهداف التي يريدون تحقيقها، وتنقسم هذه الجوانب إلى أربعة أنواع رئيسية وهي:
1 آلية الإبداع
التركيز على العملية الإبداعية نفسها ):أي المراحل التي تمر بها عملية الإبداع وفي هذا المجال بأنه "عملية ينتج عنها عمل جديد يرضي الجماعة وتقبله أنه مفيد".
2 الإنتاج الإبداعي
التركيز على الناتج الإبداعي) أي مقدار الإنتاجية التي تحققها –أو تنتج عن عملية الإبداع- وفي هذا المجال يعرف بأنه "يسعى لتحقيق إنتاج يتميز بالجدة والملائمة وإمكانية التطوير" وبالتالي يركز على: الإنتاج الإبداعي وحل المشكلات وتبني التغيير.
3. الصفات الشخصية للمبدعين: كالفضول والبحث ووضوح الرؤيا والقدرة على تفهم المشكلات ونجد صفات الإبداع بالخصائص النفسية المتمثلة بالمخاطرة والاستقلالية والمثابرة والانفتاح على الخبرة الداخلية والخارجية.
4. القيم الإبداعية): الإمكانيات الإبداعية عند الأفراد )كالاستقلال والصدق والبحث عن الحقيقة، والحاجة إلى الإنجاز. ونجد أيضاً من يركز على الإمكانية الإبداعية والاستعدادات النفسية الكامنة للإبداع كما تكشف عنها الاختبارات النفسية، ويعرف الإبداع على أساسها على أنه الاستعداد الكامن للتفوق أو التميز كما يراها.(
(الزعبي والجريري، 2007م، 5)
و يمكن القول إن أبرز الأبعاد المكونة للإبداع في مجال الإدارة تتمثل بأربعة عوامل أساسية هي: العملية الإبداعية ذاتها، الفرد أو المجموعة المبدعة، البيئة التنظيمية ذات المواصفات الخاصة على مستوى إتاحة فرص بروز الأفكار الجديدة وتهيئة الأجواء المناسبة لتطبيقها، والنتائج الملموسة ذات القيمة والقادرة على إحداث نقلة نوعية سواء على مستوى المنظمة ككل أو بعض أجزائها. الفضلي.
6-خصائص وسمات الشخصيات المبدعة
1. يبحثون عن الطرق والحلول البديلة ولا يكتفون بحل أو طريقة واحدة، ويميلون إلى الفضول والبحث وعدم الرضا عن الوضع الوظيفي.
2. لديهم تصميم وإرادة قوية، يتميزون بالذكاء والثقة بالنفس. 3. لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها. 4. يتجاهلون تعليقات الآخرين السلبية. 5. لا يخشون الفشل
. 6. لا يحبون الروتين. 7. يبدؤون بالمبادرة. 8. إيجابيون ومتفائلون.
9. الثبات على الرأي والجرأة والإقدام والمجازفة والمخاطرة، فمرحلة الاختبار تحتاج إلى شجاعة عند تقديم أفكار لم يتم طرحها من قبل.
10.لديهم علاقات اجتماعية واسعة. 11.لديهم قدرة على استنباط الأمور، فلا يرون الظواهر على علاقتها بل يقومون بتحليلها بشكل مستمر . (المعيلي)
لذا ينبغي على المدراء المبدعين، على اختلاف أدوارهم ومهامهم،أن يكونوا على إحدى ثلاث حالات هي:
•الأولى: أن يكونوا مبدعين ومبتكرين في أفكارهم وأساليبهم.
•الثانية: أن تكون لديهم سماحة إدارية تحفيزية يستطيع العاملون معهم القيام بعملية الإبداع.
•الثالثة: السعي المتواصل لجذب العناصر المبدعة وتعبئة المؤسسة بها (الصرن،: 3)
7-طرق الإبداع:
1. ضرورة تجنب النقد للمرؤوسين، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الرئيس.
2. إطلاق حرية التفكير والترحيب بالأفكار التي تحقق الهدف المنشود للمنشأة مهما كان نوعها أو مستواها.
3. البناء على أفكار الآخرين وتطويرها. 4. الفصل ما بين استنباط الأفكار وبين تقويمها.
5. تشجيع المشرفين، حيث أن معظم المديرين مشغولون دائماً، وتحت ضغط النتائج يفوتهم تشجيع المجهودات المبدعة الناجحة وغير الناجحة. ومن ثم فلابد من تحفيز الدافع الذاتي حتى يتبنى الموظف المهمة ويحرص عليها ويبدع فيها (المعيلي)
الإبـــــــــداع التنظيمـــــي
1- مفهوم الإبداع التنظيمي:
في مجال الإدارة لم يتفق العلماء والباحثون كذلك على تعريف محدد لمصطلح الإبداع التنظيمي، حيث أدى عدم اتفاق العلماء حول تفسير مفهوم الإبداع بصفة عامة إلى تعدد التعاريف التي استخدمت لتحديد المقصود بالإبداع الإداري
فقد عرّف الفضلي الإبداع التنظيمي : بأنه عملية تسعى إلى إحداث نقلة مميزة على مستوى التنظيم من خلال توليد مجموعة من الأفكار الخلاقة وتنفيذها من قبل أفراد وجماعات العمل.
بينما يرى القحطاني أن الإبداع التنظيمي: يعني استخدام الموظف لمهاراته الشخصية الإبداعية في استنباط أساليب إدارية جديدة، أو توصله إلى حلول ابتكاريه لمشكلة إدارية تواجه مصلحة التنظيم أو تصورات جديدة لمعالجة تلك المشكلة بالاعتماد على التحليل الهادف والجهد الإبداعي المنظم الذي يتصل بالإدراك الحسي القائم على التحليل المنطقي والاختبار والتجريب والتقويم
(مصري حنورة، يونيو، 2000م). .
ومن الاستعراض السابق للمفاهيم المختلفة للإبداع التنظيمي يمكن القول أن الإبداع التنظيمي هو: فكرة تتسم بالحداثة والتجديد تنشأ نتيجة الخبرة والإلمام الإداري المدرك لواقع المنظمة والمستند إلى المعلومات الشاملة لأجزاء التنظيم المختلفة وتحليلها مما يتطلب توافر قدرات إبداعية للوصول إلى ما هو جديد ومفيد
وينطلق مفهوم الإبداع التنظيمي من المفاهيم العامة للإبداع ذاتها، فالإبداع في الإدارة متعلق بالأفكار الجديدة في مجال الإدارة وتطوير المنتجات وقيادة فرق العمل وتحسين الخدمات للعملاء، وكل وظائف الإدارة المعروفة.
فالإبداع التنظيمي هو:"كل فكرة أو إجراء أو منتج يقدمه الموظفون صغارهم وكبارهم يتسم بالتجديد والإضافة، ويعود بمنافع إدارية أو اقتصادية أو اجتماعية على المؤسسة أو الأفراد أو المجتمع".
وقد عرف بعض العلماء الإبداع التنظيمي بتعريفات خاصة منها:
"عمليـة تسعى إلى إحداث نقلة مميزة على مستوى التنظيم من خلال توليد مجموعة من الأفكار الخلاقة و الإبتكارية وتنفيذها من قِبل أفراد وجماعات العمل"
(الفضلي، 2003م، 345)
"عملية فكرية منفردة تجمع بين المعرفة المتألقة والعمل الخلاق، تمس شتى مجالات الحياة، وتتعامل مع الواقع وتسعى نحو الأفضل، فضلاً عن أنّ الإبداع ناتج تفاعل متغيرات ذاتية أو موضوعية أو شخصية أو بيئية أو سلوكية، يقودها أشخاص متميزون".
"عملية تسعى إلى إحداث نقلة متميزة على مستوى التنظيم، من خلال توليد مجموعة من الأفكار الابتكاريه وتنفيذها من قبل أفراد العمل ومجموعاته".
وبذلك نرى أن تعريف الإبداع الإداري ينطلق من تعريفات الإبداع العامة التي تركز على دور الفرد في عملية الإبداع والقدرة على ابتكار الأفكار الجديدة والخلاقة، سواء أكان ذلك الإبداع فردياً أو جماعياً.
2- مبادئ الإبداع في المنظمات
لقد وضع الكثير من مدراء الشركات والمنظمات العالمية مجموعة من الآراء الرائدة في مجال الابتكار والإبداع، وحتى تكون المنظمات نامية، وأساليبها مبدعة وخلاّقة، ينبغي مراعاة بعض المبادئ الأساسية فيها سواء كانوا مدراء أو أصحاب قرار، وهذه المبادئ عبارة عن النقاط التالية (الصفار،2001)
- . إفساح المجال لأيّة فكرة أن تولد وتنمو وتكبر ما دامت في الاتجاه الصحيح ،وما دام لم يتم القطع بعد بخطئها أو فشلها ،فكثير من المحتملات تبدّلت إلى حقائق .
لذلك يجب أن يعطى الأفراد حرية كبيرة ليبدعوا، ولكن يجب أن تتركز هذه الحرّية في المجالات الرئيسيّة للعمل وتصبّ في الأهداف الأهم.
-. إن الأفراد مصدر قوة المنظمة ،والاعتناء بتنميتهم ورعايتهم يجعلها الأكبر والأفضل والأكثر ابتكارا وربحاً ،ولتكن المكافأة على أساس الجدارة واللياقة.
- احترام الأفراد وتشجّيعهم وتنمّيتهم لإتاحة الفرص لهم للمشاركة في القرار وتحقيق النجاحات للمنظمة ،وذلك كفيل بأن يبذلوا قصارى جهدهم لفعل الأشياء على الوجه الأكمل.
- التخلّي عن الروتين واللامركزيّة في التعامل ينمي القدرة الإبداعية، وهي تساوي ثبات القدم في سبيل التقدم والنجاح.
- تحويل العمل إلى شيء ممتع لا وظيفة فحسب ، ويكون كذلك إذا حوّلنا النشاط إلى مسؤولية ،والمسؤولية إلى طموح وهم.
- التجديد المستمر للنفس والفكر والطموحات ،وهذا لا يتحقّق إلاّ إذا شعر الفرد بأنّه يتكامل في عمله ،فالعمل ليس وظيفة للفرد فقط بل يستطيع من خلاله أن يبني نفسه وشخصيّته أيضاً ،وإن هذا الشعور الحقيقي يدفعه لتفجير الطاقة الإبداعيّة الكامنة بداخله وتوظيفها في خدمة الأهداف ،فكل فرد هو مبدع بالقوة في ذاته وعلى المدير أن يكتشف مفاتيح التحفيز والتحريك لكي يصنع أفراد مبدعين بالفعل ومن منظمته كتلة خلاّقة.
- التطلّع إلى الأعلى دائماً من شأنه أن يحرّك حوافز الأفراد إلى العمل وبذل المزيد لأن شعور الرضا بالموجود يعود معكوساً على الجميع ويرجع بالمؤسسة إلى الوقوف على ما أنجز وهو بذاته تراجع وخسارة وبمرور الزمن فشل.
- ليس الإبداع أن نكون نسخة ثانية أو مكررة في البلد ، بل الإبداع أن تكون النسخة الرائدة والفريدة ،لذلك ينبغي ملاحظة تجارب الآخرين وتقويمها أيضاً وأخذ الجيّد وترك الرديء لتكون أعمالنا مجموعة من الإيجابيّات ،فالمنظمات وفق الإستراتيجية الابتكارية إمّا أن تكون قائدة أو تابعة أو نسخة مكررة، والقيادة مهمة صعبة وعسيرة ينبغي بذل المستحيل من أجل الوصول إليها، وإلاّ سنكون من التابعين أو المكررين وليس هذا بالشيء الكثير.
- لا ينبغي ترك الفكرة الجيدة التي تفتقد إلى آليات التنفيذ ،بل نضعها في البال ،وبين آونة وأخرى نعرضها للمناقشة، فكثير من الأفكار الجديدة تتولد مع مرور الزمن، والمناقشة المتكررة ربّما تعطينا مقدرة على تنفيذها، فربّما لم تصل المناقشة الأولى والثانية إلى تمام نضجها فتكتمل في المحاولات الأخرى.
- يجب إعطاء التعلّم عن طريق العمل أهميّة بالغة لأنها الطريق الأفضل لتطوير الكفاءات وتوسيع النشاطات ودمج الأفراد بالمهام والوظائف.
إنّ الميل والنزعة الطبيعية في الأفراد وخصوصاً أصحاب القرار، هو الجنوح إلى البقاء على ما كان، لأنّ العديد منهم يرتاح لأكثر العادات والأعمال الروتينية التي جرت عليها الأعمال وصارت مألوفة لأن التغيير بحاجة إلى همّة عالية ونَفَس جديد خصوصاً وأنّ الجديد مخيف لأنّه مجهول المصير ،والابتكار بطبيعته حذِر وفيه الكثير من التحدّي والشجاعة لذلك فمن المهم جداً أن يعتقد الأفراد أن أعمالهم الإبداعيّة ستعود بمنافع أكثر لهم وللمنظمة ،كما أنّها ستجعلهم في محطّ الرعاية الأكثر والاحترام الأكبر
3 - أسباب تبني الإبداع في المنظمات
يمكن إيجاز هذه الأسباب بما يلي (الفياض،1995،ص58):
1. الظروف المتغيرة التي تعيشها المنظمات اليوم ،سواء أكانت ظروف سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو اقتصادية والتي تحتم على المنظمات الاستجابة لهذه المتغيرات بأسلوب إبداعي يضمن بقاء المنظمة واستمرارها.
2. يحتم الإبداع الفني و التكنولوجي في مجال السلع و الخدمات و طرق إنتاجها وقصر دورة حياتها على المنظمات أن يستجيبوا لهذه الثورة التكنولوجية وما يستلزمه ذلك من تغييرات في هيكل المنظمة وأسلوب إدارتها بطرق إبداعية أيضا ،مما يمكنها من زيادة أرباحها وزيادة قدرتها على المنافسة و الاستمرار في السوق من خلال ضمانها لحصتها السوقية بين المنظمات المنافسة.
4- أهمية الإبداع التنظيمي:
تواجه المنظمات العديد من التحديات، نظراً للتقدم الهائل في العلوم والتكنولوجيا وما نتج منه من تغيير اقتصادي واجتماعي وثقافي، مما يتطلب منها إما التكيف مع هذه التحديات، أو الفشل والاندثار.
فالتغيير أصبح حقيقة في حياة المجتمعات والمنظمات فقد أشار ريتشارد بيكهارد – أحد علماء التطوير التنظيمي – إلى أن محيط المنظمات الإدارية أصبح يتسم بالحركة والديناميكية، لذا فالمنظمات الجامدة يجب أن تجد الوسائل والأساليب التي تمكنها من تجديد نشاطها والاستفادة من قدراتها
فهذه إشارة ضمنية إلى أهمية الإبداع الإداري كأحد وسائل التجديد والتغيير
كما تظهر أهمية الإبداع والحاجة إليه عندما يدرك متخذو القرار في المنظمة أن هناك تفاوتاً بين أداء المنظمة الفعلي والأداء المرغوب، مما يحثها على دراسة تبني طرق وأساليب جديدة.
أي أن على المنظمة تبنى الأفكار الإبداعية، واستخدامها كأداة للتغيير والتطوير وحل المشاكل التي قد يعاني منها التنظيم، لتحسين أداء المنظمة وتحقيق أهدافها .
5 - خصائص المنظمة المبدعة: إذا علمنا أن أكثر المنظمات إثارة تكون الإدارة المبدعة في المقدمة، وفرص الإبداع موجودة في كل وقت، وأن أي منظمة تسعى إلى قمع الإبداع فإنها تقمع في النهاية مزيداً من النجاح (أميمة الدهان، 1992م)
وأن الإبداع يتم من قبل الأفراد والجماعات التي تعمل داخل بيئة معينة، ولهذه البيئة تأثيرها على سلوكهم الإبداعي بما توفره لهم من دعم وإمكانيات وقدوة ونماذج للسلوك الإبداعي (أميمة الدهان، 1992م).
من ذلك يتسنى لنا تعريف المنظمة المبدعة: بأنها كيان تنظيمي صُممت بيئته الداخلية لتساهم بتبني الأفكار الخلاقة ومصادرها، وما ينتج عنها من إنجازات مختلفة. أي أن الإبداع ما هو إلا ناتج تفاعل بين الفرد والبيئة التي يعمل بها والذي يتطلب جهد تعاوني بين أعضاء التنظيم كافة. فقد ذكر ديسلر (جاري ديسلر،1992م). أن تعيين أشخاص مبدعين لا يعني أن الإبداع سوف يظهر، لأن بعض المنظمات تقضي على الإبداع (تقتله).
لذلك فقد سعت الدراسات إلى معرفة القيم والسمات التي تميز بيئة المنظمات لإيجاد المناخ الإبداعي داخل المنظمة فقد ذكر (محمود العميان، 2002م). بعض هذه السمات وهي:
- الاتجاه الميداني والميل نحو الممارسة والتجريب المستمرين رغم الفشل -
- وجود أنصار ومؤيدين للإبداع يقومون بتشجيع المبدعين وتوجيههم.فقد ذكر توفيق(عبد الله البريدي، 1420هـ). أنه لابد من الاهتمام بتعيين الخبرات الشابة والتي لديها القدرة على الإبداع.
- الإنتاجية من خلال مشاركة العاملين في تقديم مقترحات وبدائل للعمل
- تطوير مبادئ وقيم وأخلاقيات للعمل يعرفها الجميع ويعملون على احترامها وتطبيقها.
- البساطة وعدم التعقيد في الهيكل التنظيمي من حيث عدد المستويات والوحدات الإدارية
- تشجيع العاملين على طرح الأفكار والنقاش الحر والعمل على الاهتمام بآراء الآخرين .فقد ذكر توفيق أن الإبداع وثيق الصلة بمنح الاستقلالية والثقة في الآخرين ،كما أن مناقشة الأفكار الإبداعية مع الأطراف ذات العلاقة بتطبيقها يزيد حتماً من فاعلية وإمكانية التنفيذ (عبد الله البريدي، 1420هـ).
تشجيع التنافس بين العاملين لدفعهم نحو التوصل إلى أفكار إبداعية جديدة - تقديم الدعم المادي والمعنوي للمبدعين ومشاريعهم الإبداعية -
- تصميم وحدات تنظيمية ذات بيئة تشغيلية ملائمة للمراحل المختلفة من العملية الإبداعية، مثل إنشاء وحدات البحث أو التطوير أو جماعات التخطيط للترويج للإبداع.
من استعراضنا لسمات هذه المنظمات نجدها تعمل على تصميم وتهيئة بيئات إبداعية كهدف من أهدافها مستندة إلى العوامل المؤثرة على الإبداع الإداري و الحد من المعوقات التي تواجهه انطلاقاً من وعيها بأهمية الإبداع الإداري لها – والتي تناولنا بعضها سابقاً – فتسعى لاكتشافه ومن ثم تطويره وتنميته.
6 - التحديات الدافعة للإدارة العامة للإبداع
تواجه الإدارة العامة في جميع أرجاء العالم العديد من التحديات التي تفرضها البيئتين الداخلية والخارجية. فعلى صعيد البيئة الداخلية، تواجه الإدارة العامة عدداً من التحديات والمشاكل العويصة والشديدة التعقيد والناتجة عن المطالب المتزايدة للمواطنين بضرورة حل عدداً من المسائل الاجتماعية والاقتصادية التي تخص حياتهم، ومن أهم هذه القضايا القضاء على الفقر والبطالة، وضعف النظم التعليمية، وانتشار الأوبئة في المجال الصحي، وتدهور البيئة. أما على الصعيد الخارجي، فتواجه الإدارة العامة عدداً من التحديات التي تفرضها العولمة وثورة المعلومات وعملية الاندماج بصورة فاعله في الاقتصاد العالمي، الأمر الذي يقتضي تكييف السياسات الحكومية، وإعادة تأهيل الأجهزة الحكومية والعاملين فيها لأجل التعامل بفعالية تامة ومرونة كافية مع كل التحديات المتجددة على الدوام.
وعليه يمكن القول أن الإدارة العامة في جميع الدول تواجه ثلاث تحديات داخلية رئيسيه وهامة، وهي: تقديم الخدمات العامة بجودة عاليه، وخضوع أجهزة الإدارة العامة للمسائلة، والاستجابة لمطالب المواطنين، وفيما يلي شرح مختصر لهذه التحديات وكالتالي:
1. التحدي الأول: تقديم الخدمات العامة بجودة عالية: تواجه أجهزة الإدارة العامة في جميع أنحاء العالم تحدي الاستجابة للعديد من ضغوط المواطنين في أنجاة تقديم الخدمات العامة بصورة كافية وعادلة وبجودة عالية، بالاعتماد على موارد قليلة وقدرات تنفيذية محدودة. وإذا دققنا لوجدنا أن أحد أهم الاتجاهات العالمية فيما يتعلق بتمويل البرامج العامة يميل إلى تقليص الموارد المالية التي توضع تحت تصرف الإدارة العامة، الأمر الذي يدفعها إلى أن تعزز قدراتها وتسخر مواردها بقدر أكبر من الفعالية وباتجاه أكبر نحو الابتكار، ويتم ذلك مثلاً من خلال حشد الدعم من القطاع الخاص والمجتمع المدني في مجال تقديم الخدمات كتمويل برامج التعليم والصحة.
2. التحدي الثاني: خضوع أجهزة الإدارة العامة للمسائلة: تواجه الإدارة العامة في جميع أنحاء العالم تحدي ضغوط داخلية (المواطنين) وخارجية (المانحين أفراد كانوا أم دول) في اتجاه ضرورة خضوعها للمسائلة وجعلها أكثر استجابة وفعالية، وذلك بأن تكون أكثر اهتماماً بالمواطنين ضمن ما يسمى بمنظومة الكم الرشيد أو الصالح. وهذا يجعل من التجديد والابتكار مسألة حيوية وهامة لمواجهة تحدي المسائلة وما تفرضه من تغيرات جوهرية في طريقة عمل الإدارة العامة وكذلك في مفاهيم وسلوكيات العاملين فيها.
3. التحدي الثالث: الاستجابة لمطالب المواطنين: تواجه الإدارة العامة في أنحاء العالم العديد من التحديات فيما يتعلق بالاستجابة لمطالب وتوقعات وطموحات ورغبات وميول المواطنين، وذلك من خلال الإفساح لمزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرارات التي تهم حياة وتمس معيشة المواطنين أنفسهم. فالمواطنين في جميع أنحاء العالم وبمساعدة ثورة الاتصالات صاروا يطالبون لأن يكون لهم صوتاً مسموعاً ومؤثراً على القرارات الحكومية، بل يرون أن بإمكانهم المشاركة الفعالة في مناقشة وحل القضايا التي تهم حياتهم وكذلك القرارات المترتبة على ذلك. وهذا يعني أن الإدارة العامة لم تعد حكراً للحكومات، بل صار للمجتمع المدني والقطاع الخاص دوراً هاماً يضطلعان به، ومع ذلك تظل للحكومة أهمية محوريه بالنسبة للمجتمع. هذا ويضاف إلى ما سبق أن عملية ترسيخ الديمقراطية من أجل توفير الفرص لتمثيل أفضل، فضلاً عن أن المشاركة والانخراط تتطلب نشاطاً اكبر في إدارة وتدبير الشئون العامة، وضرورة وجود آليات مؤسسية و عملياتية وسياسية أكثر تجديداً وابتكاراً.
من أجل هذا كله، تسعى العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم إلى تنشيط إداراتها العامة وجعلها أكثر كفاءة وخضوعاً للمسائلة، وبوجه خاص، أكثر تركيزاً على توفير الخدمات العامة بالكفاءة والفعالية والجودة التي يتطلبها المواطنين.(بتصريف من الأكوع،، 12-14)
7- معوقات الإبداع الإداري:
بعد تحديد العوامل الرئيسية التي تؤثر على الإبداع في المنظمات سلباً أو إيجاباً، فهنا سنتناول مجموعة من العوامل أو المعوقات التي تحد من الإنجاز الإبداعي وتحول دون تنميته وتمنع استفادة المنظمات المختلفة منه، ويمكن تصنيف هذه المعوقات في مجموعتين كالتالي:
المعوقات الشخصية:
تتعدد المعوقات الشخصية التي تحد من ظهور القدرات الإبداعية وذكر أهم هذه المعوقات والمتمثلة في كلٍ من:
* معوقات إدراكية: وتتمثل بعدم إدراك الأفراد العاملين لجوانب المشكلة بالشكل الصحيح، بسبب عزلها عن سياقها، أو تضييق نطاقها، أو صعوبة إدراك العلاقات الغير مباشرة فيها، بالإضافة إلى التفكير الغير متعمق، بحيث تعامل الأفكار دون تعمق وينظر لها على أنها مسلمات غير خاضعة للبحث والنقاش، مما يشكل حاجزاً كبيراً في وجه الإبداع.
*معوقات وجدانية: تتمثل في الخوف من المبادرة والخوف من الوقوع في الخطأ، والرغبة في تحقيق النجاح السريع ،( محمود العميان، 2002م).
وقد ذكر( نبيل عبد الفتاح، 1995م). أنها تتمثل في تجنب طرح الأفكار أو الحلول الإبداعية لمواجهة مشكلة ما، بمعنى أن الفرد سيحتفظ بها، مما يعيق الإبداع ويبدد الأمل في الابتكار، بالإضافة إلى ما ذكره (عبد الرحمن هيجان، 1999م). عن غياب الدوافع الداخلية للإبداع وهي الدوافع المرتبطة بالشخص ذاته التي تدفعه إلى العمل الإبداعي كالإثارة والتحدي والرغبة في تحقيق الذات، مما يؤدي إلى إخفاقه في الوصول إلى الحلول الإبداعية.
معوقات ثقافية أو اجتماعية: وتعود إلى الضغوط الاجتماعية المختلفة التي تتدخل في تشكيل حياة الأفراد وتصرفاتهم وتؤدي بهم إلى تبني اتجاهات المجاراة لما هو شائع
- المعوقات التنظيمية \
وتشمل العوامل التي تحد من الإبداع الإداري في المنظمات الناتجة من البيئة التنظيمية الداخلية – المناخ التنظيمي بأبعاده المختلفة – وأهم هذه المعوقات:
* الالتزام بحرفية القوانين والتعليمات والتشدد في التركيز على الشكليات دون المضمون.
* الخوف من التغيير ومقاومة المنظمات لـه، وتفضيل حالة الاستقرار وقبول الوضع الراهن.
* مركزية الإدارة وعدم الإيمان بتفويض الأعمال الروتينية البسيطة إلى العاملين.
* ضعف الولاء التنظيمي وانتماء الفرد للمنظمة التي يعمل فيها إلى الاكتفاء بإنجاز الحد الأدنى من المهمات الموكولة إليه، وبالتالي عدم توقع الإبداع منه.
* الفواصل الرئاسية، أو عدم سهولة الاتصال بين العاملين والمسؤولين في الإدارة العليا حتى يوصلون أفكارهم ومقترحاتهم ويناقشونها معهم.
* قلة الحوافز المادية والمعنوية المطلوبة والملائمة لتشجيع العاملين على التفكير الإبداعي.
* هيمنة المديرين الإداريين المفتقرين للمعرفة والمهارة الإدارية اللازمة على معظم المنظمات المعاصرة في مجتمعاتنا (عبد المعطي عساف، 1995م).
* عدم وجود البرامج التدريبية التي تساعد على تنمية المهارات الإبداعية وعدم الاهتمام بالبرامج التي من شأنها التأثير على عقول وأذهان الأفراد، واقتصار البرامج الموجودة على مواضيع نمطية مكررة ليس فيها تجديد ولا تطوير
(عبد المعطي عساف، 1995م).
ارتفاع تكاليف العملية الإبداعية، وعدم توفر مقاييس واضحة للإبداع *
* عدم مساندة العمل الجماعي من قبل المنظمة فكما ذكرنا سابقاً أن الإبداع من الممكن أن يكون جماعياً، فعدم مساندة الجماعات في المنظمات قد يؤدي إلى تكاسلها وتدني حماسهم أو اتجاهاتهم عكس أهداف التنظيم، مما يضر المنظمة ويعيق الإبداع.
فلا يشترط أن تظهر كل هذه المعوقات فظهور أحدها كافي للحد من مستوى الإبداع في المنظمة، فقد أكدت بعض الدراسات على وجود الإبداع الفردي بين بعض المدراء في الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية في دولة الكويت مقابل غياب النمط أو التوجه الواضح نحو الإبداع والتطوير على مستوى علاقات العمل بين المدراء في تلك المنظمات (غياب الدور المؤسسي للمدير القيادي المبدع) (مصري حنورة، يونيو، 2000م).
وهذا يدل على وجود القدرات الإبداعية لديهم ولكن هناك ما يحول دون ظهورها لوجود معوقات تنظيمية في تلك المنظمات فأصبح لزاماً عليها الحد من هذه المعوقات قدر الإمكان حتى القضاء عليها تماماً.
الخاتمة:
من العرض السابق تأكد لنا أهمية الإبداع للمنظمات ، وضرورة الاهتمام بتهيئة المناخ التنظيمي الملائم لإحداث عملية الإبداع بين العاملين وهذا يستدعي وجود قادة يتميزون بعدة صفات منها :
تشجيع مرؤوسيهم على التفكير الإبداعي ، ومن ثم تبني الأفكار المبدعة •
يميلون إلى تفويض السلطة لمرؤوسيهم •
لديهم الثقة بقدرات مرؤوسيهم •
كما نوصي المنظمة بالتالي:•
- استحداث إدارة للإبداع ، تُعنى بالمبدعين ولدراسة كيفية الاستفادة منهم والعمل على مساعدتهم في تطبيق أفكارهم الإبداعية
- العمل على بناء قصور قوية لنقل الأفكار الإبداعية من المبدعين إلى الإدارة العليا - العمل على تدريب الأفراد على حل المشكلات بطرق إبداعية
- محاولة معرفة العوامل التي تعوق الإبداع وتلك التي تنميه ، والاستفادة منها كتغذية عكسية للمنظمة عن مناخها التنظيمي لتوجيهه باتجاه الإبداع دائماً وجعله كثقافة عامة لها وليس كسياسة لمواجهة المشاكل فقط.
كما نوصي الفرد بالتالي:•
- اسأل نفسك دائماً \"ماذا لو\" فإنه يمكنك من التحليق في عالم الأفكار التي قد تبدو لك أو لغيرك في الوهلة الأولى أنها غير ممكنه وتذكر دائماً أن الإبداع هو فن الممكن.
- تذكر أن إقناع الآخرين بفكرة جديدة ليس بالأمر السهل فقد تواجه نوعاً من المقاومة ، فعليك أن تتوقع ذلك وتخطط لكيفية مواجهتها
قائمة المراجع:
1- سعود النمر، يناير،. الإبداع الإداري (دراسة سلوكية). مجلة المدير العربي، ع(117) ( 1992م)،
2- محمود الفياض ، “اثر النمط القيادي على الإبداع الإداري للشركات الصناعية المساهمة العامة الأردنية” ، رسالة ماجستير في الجامعة الأردنية، (1995) .
3- أيمن المعاني ؛الولاء التنظيمي: سلوك منضبط وإنجاز مبدع. عمّان: مركز أحمد ياسين الفني،(1996م).
4- عبد المعطي عساف،مقومات الإبداع الإداري في المنظمات المعاصرة. مجلة الإداري، مسقط، ع(62) ( 1995م).
5- أميمه الدهان،نظريات منظمات الأعمال. مطبعة الصفدي عمّان: (ط1) (1992م).
6- مصري حنورة، التربية والإبداع: بوصلة الرؤية. التقدم العلمي، ع(30) (يونيو 2000م).
7- عبد الله البريدي،الإبداع يخنق الأزمات. مطبعة النرجس الرياض: ( 1420هـ).
8- طارق السويدان، إهمال الإبداع وراء إحباط العامل العربي. مجلة إبداع، ع(2) (مارس، 2003م).
9- جيمس جي مارش، المنظمات. (ترجمة :عبد الرحمن هيجان). الرياض: مطابع معهد الإدارة العامة(2001م).
10- سليم بطرس جلده، زيد منير عبوي، إدارة الإبداع و الابتكار.دار كنوز المعرفة للنشر و التوزيع.2006.
11. رندة الزهري ، “الإبداع الإداري في ظل البيروقراطية” ، عالم الفكر ، المجلد 30 ، العدد 3 (2002) .
12- محمود العميان. السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال؛ دار وائل للنشر عمّان. (ط1). (2002م)
13- جاري ديسلر. أساسيات الإدارة: المبادئ والتطبيقات الحديثة. ت: عبدالقادر محمد دار المريخ للنشر الرياض: (1992م).
14- فضل الفضلي، العوامل المؤثرة على دور المدير كوكيل إبداع: دراسة تحليلية ميدانية في دولة الكويت. مجلة جامعة الملك سعود/ العلوم الإدارية، مج (15)، ع (2)، ( 2003م).
15- نبيل عبد الفتاح،مهارات التفكير الإبداعي وعلاقتها بعملية اتخاذ القرارات. مجلة الإداري، مسقط، ع(60) (1995م).
16- عبد الرحمن هيجان،معوقات الإبداع في المنظمات السعودية. مجلة الإدارة العامة، ع(1) ، ( 1999م).
17-د خالد محسن الأكوع -الإدارة العامة المعاصرة، صنعاء.
18- المؤتمر الدولي لتطوير الأداء – نحو أداء متميز في القطاع الحكومي، الدور المستقبلي لمؤسسات التنمية الإدارية في تطوير الأداء، الرياض، 2009م.
19- جاري ديسلر،أساسيات الإدارة: مبادئ والتطبيقات الحديثة،ت: عبد القادر محمد، دار المريخ للنشر،الرياض 1992
مقدمـــــة
1 الإبـــــــــــــــداع: - تعريــــــــــــــــــــــــــــــــف الإبـــــداع
- خصائــــــــــــــــــــــــــــص الإبــــداع
- مراحــــــــــــــــــــــــــــــــل الإبــــداع
- مستويـــــــــــــــــــــــــــــات الإبـــداع
- أبعــــــــــــــــــــــــــــــــــاد الإبــــداع
- خصائص وسمات الشخصية المبدعة
- طـــــــــــــــــــــــــــــــــــرق الإبــــداع
- 2-الإبداع التنظيمي:
- - تعريف الإبداع التنظيمـــــــــــــــــــــي
- مبادئ الإبداع في المنظمـــــــــــــــــات
- أسباب تبني الإبداع في المنظمــــــــــات
- أهمية الإبداع التنظيمــــــــــــــــــــــــــي
- خصائص المنظمة المبدعــــــــــــــــــــة
- التحديات الدافعة للإدارة العامة للإبداع
- معوقات الإبداع التنظيمــــــــــــــــــــــــي
الخاتمـــــــــــة