الأمم المغلوبة تقلد الأمم الغالبة، هذا ما قرره رائد علم الاجتماع ابن خلدون، وهي نظرية معتبرة وقد تحققت في أمتنا الإسلامية في هذا العصر، وهي تعيش الغثائية والهامشية في كثير من نواحي الحياة، وليت بعض شبابنا الذين قلّدوا الغرب كانوا قلّدوهم في الصناعة والإنتاج والإبداع، ولكنهم للأسف قلّدوهم في بعض الصور الباهتة البائسة، كقصة الشعر عند مايكل جاكسون والعزف على الناي وفن أكل الهامبرجر والشّره في تناول البيتزا، وكما قلت في أرجوزة أمريكا:
* منهم أخذنا العود والسجاره ـ وما عرفنا نصنع السياره * استيقظوا بالجد يوم نـمنا ـ وبلغوا الفضاء يوم قمنـا.
وليت عدوى العمل والإنتاج والتقدم المادي انتقل إلينا، نحن معشر العرب، من الغرب ولكنه قفز إلى الشرق وتركنا في الوسط وذهب إلى الصين وسنغافورا وماليزيا وبقينا في الوسط العربي نحافظ على التراث الشعبـي، وكل منّا بيده هراوة يؤدي عرضة قبيلته ويُنشد بافتخار (القبيلة عزوتي يا عمى عين الحسود) وما أدري من هو هذا الحسود الغبي الأحمق الذي أصابنا بالعين، ولم يصب بعينه المشؤومة المعامل والمصانع والتكنولوجيا في الشرق والغرب، لكن الذي يعيش الوهم يبدع في الخيال الخصب ويتحدث عن إنجازاته الوهمية بإسهاب. إن بعض شبابنا أراد أن يثبت لنفسه التمدن الحضاري والتطور، فعلّق سلسلة على صدره وشدَّ الجنـز على خصره وجعل على رأسه قبعة تحتها قصة شعر وهي آخر موضة في (هوليوود)، ليت شبابنا أعفوا أنفسهم من هذه القشور وأراحوا عقولهم من هذه التفاهات واتجهوا إلى حياة الجد والعمل والمثابرة، إن الحياة قلب واعٍ وضمير حي ولسان صادق وقلم حكيم وريشة موحية وساعد مثابر، وليست الحياة خيالا هائما ولا شَعرا مائلا ولا تقليدا أجوف ولا تصرفات رعناء ولا محاكاة بلهاء، وعجبي لا ينتهي ممن يمطرنا صباح مساء بقصائد في مدح الغرب ومقامات الثناء على الحضارة المادية، ثم لا تجد في حياته من آثار هذا التقدم والحضارة إلا الأكل بالشوكة والملعقة وتناول الوجبة على موسيقى (بتهوفن)، لماذا الارتماء في أحضان الغير والاستخذاء للآخر ونحن أصحاب أعظم رسالة عرفها الكون، وأحفاد من أسس أروع حضارة شهد لها التاريخ، ومن كان في شك من ذلك فليسأل بطاح مكة ومنابر بغداد وميادين دمشق ومقاصير القاهرة ومتاحف الزيتونة والقيروان ومغاني الزهراء والحمراء:
* يومٌ من الدهر لم تصنع أشعّتَه ـ شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا