التشاؤم هو مادة من مقررات مدرسة الشيطان، وقد حذَّرنا الله تعالى من ذلك فقال «الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم» فإذا أوحت لك نفسك الأمَّارة بالسوء بأنك سوف تفشل وتخفق وتفتقر غداً، وبأنك في المستقبل سوف تُصاب بمصيبة وتقع في كارثة فهذا كلّه كذب وأراجيف، ومشكلتنا أننا إذا خلونا الى أنفسنا انتقلت بنا النفس إلى الخانة السوداوية فحدَّثتنا عن الآلام والمصائب، والأوجاع والنّكبات، ولكن للأسف لا تنقلنا إلى خانة التفاؤل، ولا تخبرنا بما عندنا من النِّعم وما حققناه من النجاح وما أحرزناه من التّفوق والانتصار، فتجد الكثير منا يفكر في المفقود ولا يشكر الله على الموجود، ويبقى عمره ينتحب على فقد ولد أو ولدين، ولكنه لا يفرح ببقاء العشرة من أبنائه، وتجد البعض يتحسَّر لأنه سوف يمرض غداً، ويتأسَّف لأنه سوف يفتقر بعد سنة، ويتحسَّر لأنه سوف يموت بعد ستين عاماً، وأنت إذا أنصفت نفسك وجدت أن الحياة أجمل مما تتصور، وأنها أروع مما تتخيّل، فمكاسبك فيها أكبر من خسائرك، ونِعَم الله عليك أعظم من المصائب التي حلَّت بك، الحياة جميلة متى ما نظرت إليها بتفاؤل ومتى ما أحسنت توظيف نِعَم الله عليك ومتى ما استقبلت المواهب الرّبانية بقبول حسن، لكنَّك لن تجد للحياة طعماً لذيذاً، ولن ترى لها صورة حسنة ما دمت تحمل بين جنبيك نفساً متشائمة ونظرة سوداوية، فلو سكنت قصراً مشيداً وحللت حديقة غنّاء وأشرفت على نهر مطّرد وملكت كنوز الدنيا فسوف تبقى كئيباً تعيساً منغَّصا؛ لأنك صدّقت الشيطان في أخباره السيئة ووعوده الكاذبة، ولو صدَّقت الرحمن وآمنت به لرضيت بقضائه وقدره ولقنعت برزقه، فتجدك متبسِّماً سعيداً وأنت تسكن كوخاً وتأكل خبزاً جافاً وتنام على الرمل، إن أكثر الشقاء الذي يعيشه كثير من الناس أوهام مزيّفة وأخبار مغلّفة بالكذب؛ لأنهم وضعوا على عيونهم نظارات سوداء من التشاؤم والنظر إلى الجانب السلبي المظلم من الحياة فأصبحوا لا يرون إلا سواداً في سواد، فهم لا يتمتَّعون ببهاء الشمس الساطعة وإنما يشكون حرارتها، ولا يتلذّذون بشرب الماء الزلال ولكنهم ينـزعجون من برودته، وإذا ناولت أحدهم وردة جميلة نظر إلى شوكها
فاخلع نظاراتك السوداء التشاؤمية ونظِّف ذاكرتك السوداوية من الأوهام والإحباط والخرافة واقبل على الحياة بإيمان ورضا وعزيمة، وسوف تجد الحياة تعطيك أكثر مما تطلب، وسوف تراها أبـهى وأبـهج مما تتوقع، وقد ذكروا في التاريخ المعاصر أن فرنسا في ثورتها العارمة سجنت شاعرين من شعرائها، متفائلاً ومتشائما، فأما المتفائل فأخرج رأسه من النافذة ونظر نظرة الى النجوم وضحك، وأما المتشائم فنظر إلى البائسين في الشارع المجاور فبكى، وقد قسَّم الوحي الناس في استقبالهم للقرآن العظيم إلى قسمين حسب نظراتهم في الحب والتفاؤل والكره والتشاؤم «وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون»، كم مرّة ظننا أنها النهاية فإذا هي البداية، كم من يوم اعتقدنا أنه الإخفاق والإحباط فإذا هو الانتصار والنّجاح، كم من مصيبة حسبنا أنها ساحقة ماحقة فإذا هي نعمة وهبة ربّانّية قوَّتنا وأيقظتنا، كم مرّة خِفنا ولكن لم يحدث ما نخاف، وكم مرّة تشاءمنا ولكن لم يحصل مكروه، فعلينا جميعاً أن نستقبل أيامنا بالتفاؤل والنفس الراضية والهمة العالية «ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين».