هذا كلامه - صلى الله عليه وسلم - وليس كلامي؛ ومَن ينظر إلى اهتمام الإسلام بالمرأة ثم يعرف طبيعة المرأة من الضعف والمسكنة وكثرة ما تتعرّض له من الظلم والجور يعرف لماذا اهتم الدين الحنيف بالمرأة؛ فهي الضعيفة المسكينة مهما كان وضعها الاجتماعي والأسري والمالي؛ وهي التي لا ترد إذا زاد الظلم عليها وطفح الكيل إلا بالدموع.
وقد ظُلمت المرأة في مجتمعنا أماً وأختاً وبنتاً وزوجة, فأمٌ يهدّدها ابنها ويتوعّدها؛ بل يطردها من بيته، وزوجة تُطرَد من بيت زوجها ويرفض أبوها استقبالها ويضربها إخوتها المنحرفون دينياً فتلجأ إلى الجيران، وامرأة يكسر زوجها يدها بعد الضرب المبرّح فتبيت في الشارع إلى الصباح، ومنهم مَن حرم المرأة حقها في الميراث لعادات قبلية جاهلية، وأبٌ منع بناته من التعلّم حتى في تحفيظ القرآن، ورجلٌ طلّق زوجته اليتيمة من أبويها ورفض أن ينفق عليها وعلى أطفالها، وبلغت القسوة ببعضهم إلى أن أنكر حقوق المرأة وادّعى أن المرأة ينبغي أن تُعامل بصرامة وحزم وقوّة، ويحذّر من إكرام المرأة؛ لأن هذا ضعف ويؤدي إلى استبدادها وخروجها عن الطاعة، وأين نصوص الوحي كتاباً وسنّة، كقوله تعالى: (َعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "النساء شقائق الرجال"، وقوله: "استوصوا بالنساء خيراً"، وقوله: "الله الله في النساء فإنهن عوانٍ عندكم"، أي أسيرات، وقوله: "رفقاً بالقوارير"، وقالت العرب: لا يكرمهن إلا كريم ولا يُهينهن إلا لئيم، وكيف نقول للعالم: نحن المجتمع المسلم وأهل الشريعة وأرضنا مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ثم نتعامل مع المرأة هذا التعامل الشرس القاسي الذي ينافي الدين والأخلاق.
الآن كثير من النساء في مجتمعنا لا تطلب مستحيلاً إنما تطلب أبسط حقوقها من الرحمة بها والعطف عليها ورعايتها إذا كانت مطلّقة أو فقيرة، أما وُجد في مجتمعنا أبٌ رفض أن يزوّج بناته من أجل الاستيلاء على رواتبهن؟ وإذا زوّج الواحدة منهن غالى في مهرها وباعها بيعاً ثم نسي صلتها ومواصلتها بعد ذلك، وأخٌ تنكّر لأخته واستولى على حقها في الميراث وعضلها عن الزواج بحججٍ اجتماعية جاهليّة، وابن عقّ أمه؛ بل منهم مَن ضربها، كما نشرت ذلك بعض الصحف، إما لجهله وفجوره وإما لوقوعه في المخدرات وفقدانه عقله، وزوج اضطهد زوجته وجعلها رهينة تحت قهره وظلمه فنكّد عليها حياتها ودمّر مستقبلها وأفقدها السعادة وجرّعها غصص الشقاء والعذاب الواصب، ألا يُحاسب هؤلاء أمام القضاء ويؤخذ على أيديهم؟ ثم أين النصوص الشرعية التي نحفظها ونسمعها صباح مساء؟ وأين ادّعاؤنا بأننا مجتمع مسلم يحرّم الظلم؟ ألا نقرأ سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورحمته بالمرأة أماً وبنتاً وزوجةً وأختاً؟
نحن نعيش بصراحة ظاهرة ظلم المرأة في مجتمعنا نريد حقوق المرأة التي أقرّتها الشريعة الإسلامية فحسب، لا نريد الحقوق المدّعاة التي يطلقها البعض ويطالب بها للمرأة من السفور والاختلاط والتّبرج بحجة تحريرها وتنويرها، وهذا ليس تحريراً ولا تنويراً إنما هو تأخيرٌٌ وتدميرٌ. إن حق المرأة أن تعيش بكرامةٍ واحترامٍ وإعطاء حقوق لها فرضتها الشريعة لا أن نسعى في ابتداع حقوق تخالف الإسلام. إن المرأة الغربية الخارجة على الدين والقيم لا تعيش السعادة ولا الكرامة؛ لأنها صارت في بعض صورها سلعةً مبتذلة؛ بل تحوّلت في بعض المشاهد إلى جندية في الجيش وجندية مرور وعارضة أزياء وورقة دعاية في الشركات العالمية والإعلانية؛ فضاعت الأسرة والبيت والمعتقد والكرامة (أفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ).