إن نظام حكومة الجمعية النيابية هو أحد الأنظمة السياسية وشكل من أشكال الأنظمة السياسية. ويقصد عموماً بنظام حكومة الجمعية النيابية ذلك النظام الذي تكون فيه تبعية السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية واندماجها فيها. ونلاحظ هنا انعدام التساوي أو المساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وإنما هناك تبعية لإحدى السلطتين الأخرى وخضوعها لأوامرها خضوعاً تاماً.
ويستند نظام حكومة الجمعية النيابية إلى مجموعة من الأسس والمتطلبات إضافة إلى تمتعه بمزايا وعيوب كباقي الأنظمة السياسية الأخرى، و سنتناول هذا النظام وفقاً لمحاور متعددة وكما يأتي:-
المطلب الأول:- نشوء وتطور نظام حكومة الجمعية النيابية تاريخاً.
في حقيقة الأمر عن هذا النظام لم يطبق كثيراً وقد طبق لأول مره في فرنسا عام1792 واستمر هذا الوضع حتى عام1795 ثم عادت إليه عقب ثورة عام1848 ولكنه لم يدم طويلاً، وقد عهدت الجمعية الوطنية في ذلك الحين بمهمة الوظيفة التنفيذية إلى خمسة أشخاص يتولون أدائها نيابة عن الجمعية ثم انتهى الأمر أخيراً بأن تولى الجنرال "كافيناك" أعمال السلطة التنفيذية وحده بناءاً على تفويض من الجمعية الوطنية، ورجعت فرنسا إلى تطبيق هذا الشكل من الأنظمة سنة1871 وذلك بعد سقوط الإمبراطور "نابليون الثالث" إذ استوحذت الجمعية الوطنية على السلطتين التشريعية والتنفيذية واختارت المسيو "ثيير" ليقوم بأعمال الوظيفة التنفيذية وقد جاء في قرار تعيينه أنه يظل خاضعاً للجمعية بحيث يكون لها حق عزله في أي وقت وفعلاً تم عزله سنة1873، وعينت مكانه المارشال "مكما هون"، (محمد كامل ليله،1968، 371).
ويبدو جلياً إن نظام حكومة الجمعية النيابية غالباً ما يظهر بعد الثورات والانقلابات وفي فترات عدم الاستقرار السياسي بيد أنه ينتهي سريعاً، أي أنه يمكن القول إنه خيار تكتيكي لا إستراتيجي وقد ظهر نظام حكومة الجمعية النيابية في عدد من الدساتير الحديثة التي صدرت بعد الحرب العالمية الأولى مثل دستور النمسا1920 ودستور بروسيا ودستور بافاريا الألمانيتين كما إن تركيا أخذت بنظام الحكم المجلسي في دستورها العام1924، ولعل أبرز مثال على ذلك- أي حكومة الجمعية النيابية- هو النظام السويسري الذي ما يزال قائماً لحد الآن. (عبد الغني بسيوني،1985، 201).
إن النظام السويسري ومذ عام1848 على أساس حكومة الجمعية النيابية ومن الثابت إن المجلس التنفيذي الاتحادي السويسري يحظى باستقرار يحسد عليه كما إنه يمارس اختصاصه في كثير من الحرية والاستقلال. (ثروت بدوي،1964، 301). وهذا لا ينطبق على الكثير من دول العالم التي اقتبست هذا النظام ولعل من المثال التركي أمام حكومة اتاتورك أوضح على ذلك إذ أدى إلى الاستبداد والديكتاتورية
.
المطلب الثاني:- الأسس والمتطلبات لنظام حكومة الجمعية النيابية.
يقوم نظام حكومة الجمعية النيابية على مجموعة من الأسس ويستلزم توافر بعض المتطلبات لنجاح تطبيق هذا النظام أو إمكانية تطبيقه. ويمكن إجمال تلك الأسس والمتطلبات بالآتي. (عبد الغني بسيوني،1985، 270-271).
1- تركيز السلطة بيد البرلمان.
2- تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان.
3- الدمج بين السلطة التشريعية والتنفيذية.
ويمكن تناول هذه الأسس والمتطلبات بشيء من التفصيل وكما يأتي:-
1- تركيز السلطة بيد البرلمان:
إذ يتمثل ذلك بأن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية متركزه بيد البرلمان، إذ تقوم حكومة الجمعية النيابية على أساس دمج السلطتين وليس الفصل بينهما- كما نرى لاحقاً- إذ إن البرلمان المنتخب من قبل الشعب هو الذي يقبض بيده على ناصية الأمور في البلاد ويقوم بكل السلطات سواء أكانت تلك السلطات والأعمال على صعيد تشريعي أم تنفيذي والوزراء يعينون من قبل البرلمان ويختار البرلمان رئيس الوزراء لإدارة الشؤون التنفيذية ويخضع رئيس الوزراء للبرلمان في تلك الإدارة.
2- تبعية السلطة التنفيذية للبرلمان.
من خلال الفقرة أعلاه نلاحظ إن السلطة التنفيذية ممثله بالوزراء ورئيس الوزراء ستكون خاضعة تماماً للبرلمان وتابعة تبعية كاملة له، إذ إن البرلمان يتولى توجيه الحكومة والإشراف على عملها، ويستطيع البرلمان تعديل قرارات السلطة التنفيذية وحتى إلغاؤها، والوزارة مسؤولة سياسياً أمام البرلمان ولذلك لا يوجد رئيس دولة غير مسؤول أمام البرلمان. (عبد الغني بسيوني،1985، 170-171) كما وجدنا في النظام الرئاسي وهنا في مسألة المسؤولية السياسية يقترب نظام حكومة الجمعية النيابية من النظام البرلماني.
3- الدمج بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
إذ يتطلب عمل نظام حكومة الجمعية النيابية على الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وليس أساس الفصل بينها كما ظهر لنا في النظام الرئاسي أو التعاون والمساواة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كما هو الحال في النظام البرلماني. ونرى هنا إن هاتين السلطتين تبدوا وكأنهما سلطه واحدة أي هناك دمج بين هاتين السلطتين وليست هناك اختصاصات محددة لكل منهما وإنما هناك خضوع تام من قبل السلطة التنفيذية لصالح السلطة التشريعية. (ثروت بدوي،1964، 275).
المطلب الثالث:- مزايا وعيوب نظام حكومة النيابية.
لنظام حكومة الجمعية النيابية جملة من المزايا والعيوب التي يتسم بها هذا النوع من الأنظمة ويمكن تناولها كم ا يأتي:-
أ- المزايا:-
1- إنه يمثل مرحلة انتقالية تستطيع الدول من خلالها تجاوز مرحلة حرجه من تاريخها، (ثروت بدوي1964، 301).
2- إنه ستكون هناك هيئة تنفيذية وليس مجرد شخص واحد مما يعطي- كما يرى مؤيدو هذا النظام- إمكانية تعدد الآراء وبالتالي تعدد الآراء والحلول وشمولية الرؤية. (عبد الغني بسيوني،1985، 271).
3- إن الهيئة التنفيذية مسؤوله مسؤولية سياسية أمام البرلمان مما يمنع استبداد السلطة التنفيذية.
4- إن الشعب من الناحية النظرية هو من يمارس السلطة الحقيقية وهي الديمقراطية الحقيقية بل يرى البعض إن النظام المجلسي هو أكثر النظم ديمقراطية. (محمد كامل ليله 1968، 557).
ب- العيوب:-
1- إن نظام حكومة الجمعية النيابية يمنع استبداد السلطة التنفيذية بيد أنه لا يحول دون إمكانية استبداد الهيئة التشريعية "البرلمان". (شمران حمادي،1966، 122).
2- من الناحية العملية هناك هيئة تابعه للسلطة التشريعية هي من تنفذ القوانين وليس الشعب أي إن السلطة الحقيقية هي لهولاء- الهيئة التشريعية- لا الشعب. (عبد الغني بسيوني،1985، 274-275).
3- إن إدماج السلطات كلها بيد سلطة واحده سيؤدي إلى الاستبداد والقضاء على الديمقراطية تدريجياً.
4- إن نجاح نظام حكومة الجمعية النيابية في سويسرا يعود للظروف الخاصة بسويسرا، بيد أنه فشل فشلاً ذريعاً في دول وقاد إلى الاستبداد والديكتاتورية كما حدث في فرنسا بعد الثورة الفرنسية لعام1789 وفي تركيا بعد سنة1924. (عبد الغني بسيوني،1985، 275).