الفصل الأول : ماهية نظرية اتخاذ القرار
المبحث الأول : ظروف نشأتها هي إحدى المحاولات في سبيل تطوير مقاربة صناعة القرار النظمية في دراسة السياسة الدولية كانت بداية الخمسينيات من طرف ريتشارد سنايدر وزميله آليسون ، وهذا راجع إلى الظروف الدولية السائدة آنذاك ، وهي مثلها مثل النظريات الأخرى والتي ظهرت لظرف ما ولتكريس سياسة ما حيث كانت الحرب الباردة مشتدة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وفي مرحلة الذروة وأقصى درجاتها وهذا ما أدى إلى ظهور أزمات خانقة في ما بين الدول ،والدول التي كانت تخلق فيها الأزمات ليست بالدول المركزية (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ) وإنما هذه الأخيرة كانت تخلق بؤر توتر في مناطق أخرى من أجل مصالحها سواء عسكرية أو اقتصادية أو استقطابية ، وهذا ما أدى إلى منظري العلاقات الدولية في تلك الفترة في إلى إيجاد نظرية تساير الواقع المعايش في تلك الفترة ، وبذلك أتت نظرية اتخاذ القرار من أجل تحديد من يصنع القرار ومن يتخذه وما هي الفواعل والأطر المؤثرة في هذه العلاقات بين الدول وكيفية إدارة الأزمات والتعامل معها ، ويرى ريتشارد سنايدر أن بؤرة بحث العلاقات الدولية يجب أن تكون حول المواقف وردود الأفعال والتفاعلات بين الدول ، وهذه النظرية تلتقي مع نظرية الواقعية نوعا ما في كون الدولة هي المحدد الرئيسي في العلاقات الدولية .
وتتناول هذه النظرية ظواهر العلاقات الدولية وموضوعات السياسة الخارجية ، من منظور صانع القرار وكل مدخلاته السيكولوجية والبيئة ، بمعنى أنها تبني تحليلاتها للعلاقات الدولية على افتراض أن العلاقات الدولية هي نتاج لفعل صانع القرار المعبر عن بلورة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعة التي يصنع في ظلها القرار في السياسة الخارجية ، حيث تدرس العلاقات الدولية ليس على أساس الدول بصورتها المجردة وإنما على أساس دراسة الدولة من خلال صناع قراراتها ، وكما قلنا سابقاً فإنها تتشابه نوعاً ما مع النظرية الواقعية في من يمثل الوحدة الأساسية في العلاقات الدولية وهي الدولة ولكن الواقعيون يركزون على الدولة كوحدة واحدة ولكن نظرية صناع القرار تعتبر الأفراد الذين يعملون في النظام السياسي هم الذين يعملون في صناعة القرار والدولة هي التي تتخذ القرار .
المبحث الثاني : مفهوم نظرية صناعة القرار
أولا : مفهوم اتخاذ القرار
هي الاختيار بين عدد من البدائل المتاحة التي تتسم بعدم اليقينية في نتائجها ، ولكن لا يجب أن يعني ذلك أن من يتخذ القرار توضع أمامه سلسلة من البدائل إذ أنه في السياسة الخارجية يكون عدد البدائل محدوداً . وبذلك فجوهر نظرية اتخاذ القرار هو " الاختيار بين عدد من الممكنات لا على أساس تجريدي ولكن على أساس عملي مرتبط بالظروف القائمة"
والخطوات التي تسير فيها عملية اتخاذ القرار هي :
1-تحديد المعيار الرئيسي
2-تحديد المتغيرات المرتبطة بالموضوع
3-قياس المتغيرات بالمعيار الرئيسي
4-اختار الهدف
5-رسم استراتيجية تحقيق الهدف
6-اتخاذ القرار بانتهاج سلوك معين
7انتهاج السلوك فعلاً
8-تقويم نتائج السلوك قياساً على المعيار الرئيسي .
ثانياً: تعريف نظرية صناعة القرار
هناك من يعرفها بأنها :" الدراسة المتفحصة والشاملة لمختلف العناصر التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند تحليل سياسة معينة سواء بشكل عام أو في لحظة معينة ، أي أن النظرية تعمل بين هذه المتغيرات ، ولكن لا تضع بالضرورة فرضيات تطلب من صانع القرار أن يعمل على أساساها ، وربما يكون من الأنسب اعتبار نظرية اتخاذ القرار من بين النظريات الجزئية بدلاً من اعتبارها نظرية كلية ، فهي تركز على جانب جزئي من النظام السياسي ككل وبالتحديد على وحدات معينة خاصة باتخاذ القرار ".
ويرى ريتشارد سنادير على أن هدف تحليل الذي أتت به نظرية صناعة القرار هو صياغة العالم كما يراه صناع القرار في الواقع من أجل تفسير السلوك .
وهذه النظرية تتناول ظوهر العلاقات الدولية وموضوعات السياسة الخارجية من منظور صانع القرار وكل مدخلاته السيكولوجية والبيئية والمعرفية ، بمعنى أنها تبني تحليلها للعلاقات الدولية على افتراض أن العلاقات الدولية هي نتاج لفعل صانع القرار المعبر عن بلورة لمجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية التي يصنع ف ظلها القرار في السياسة الخارجية ، فهي تدرس العلاقات الدولية ليس على أساس الدول بصورتها المجردة وإنما على أساس دراسة الدولة من خلال صناع قراراتها ، إذ يتم تحديد الدولة بصناع قراراتها الرسميين وغير الرسميين (الفواعل الحكوميين وغير الحكوميين ) ، وهي تختلف هنا عن النظرية الواقعية في أن اللاعب هنا ليس الدولة وإنما الأفراد الذي يعملون في مستويات مختلفة من نظام صناعة القرار في الدولة ، بالإضافة إلى لاعبين آخرين منافسين للدولة ، وفي بعض الأحيان يتجاوزن أطرها التقليدية.
وفي هذا الإطار يرى ريتشارد سنايدر بأن الذين يدرسون في السياسة الدولية يهتمون بالدرجة الأساسية بالأفعال وردود الأفعال والتفاعلات بين الوحدات السياسية التي يطلق عليها بالدول القومية.
الفصل الثاني : مبادئ ورواد نظرية اتخاذ القرار
المبحث الأول : سنايدر وآليسون
-غراهام آليسون : من مواليد 23 مارس 1940 وهو باحث سياسي أمريكي ، واشتهر في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات لدراسته البيروقراطية وصناعة القرار خصوصاً أوقات الأزمات ، وهو منذ السبعينات رائد من رواد تحليل السياسية الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية ، مع اهتمام خاص بالأسلحة النووية والإرهاب .
ومن أهم مؤلفاته مجد :
1- نماذج مفاهيمية وأزمة الصواريخ الكوبية ، 1969
2- شرح أزمة الصواريخ .1971.
3-البيروقراطية السياسية :نموذج وبعض الآثار المترتبة على السياسيات ،1972.
ريتشارد سنايدر:
أستاذ العلوم السياسية بجامعة براون ، وهو مؤلف كتاب السياسة النيوليبرالية ، ومثله مثل زميله آليسون اهتم بصناعة القرار ونماذجه وكذلك القرارات أثناء الأزمات .
المبحث الثاني نماذج دراسة صناعة القرار:
أ-نموذج سنا يدر : يبني ريتشارد سنايدر نموذجه الخاص بعملية صناعة القرار على مسلمة أولية مفادها ، أن أفضل وسيلة لاستيعاب السياسة الدولية وعوامل التأثير في سلوكية الدولة تكمن في التحليل على مستوى الدولة ، وبالتالي فإن الإطار النظري للنموذج يركز على فكرة دراسة مسار التفاعل الذي يبدأ من الفعل الصادر عن الدولة ويقابله رد فعل من المحيط الخارجي الذي يأخذ الأشكال ذاتها التي يأخذها الفعل الأول فيشكل بذلك تفاعلاً ، وعندئدٍ تكرار مثل هذه العملية سيؤدي إلى تكون أنماط معينة من التفاعل التي عليها اسم نموذج صناعة القرار ، ويصيغ ريتشارد سنايدر نموذجه من خلال وحدات التحليل التالية :
1- المحيط الخارجي : ويشمل كل العوامل الخارجية المؤثرة في عملية صناعة القرار ، والتي يمكن تحديدها في المحيط المادي الجغرافي ، من الدول والمجتمعات والثقافات.
2- المحيط الداخلي : ويشمل كل العوامل والعناصر المكونة للبيئة الداخلية والتي تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في عملية صناعة القرار ، والتي يمكن تحديدها في (السياسات الداخلية ، الرأي العام ، الموقع الجغرافي للدول ، طريقة تنظيم المجتمع وأدائه لوظائفه ، جماعات الضغط)
3- البنية الاجتماعية والسلوكية : وتشمل هذه الوحدة نظام القيم السائد في المجتمع ، والسمات السيكولوجية والسوسيولوجية التي يتميز بها المجتمع ، ونمط التفكير لدى أفراد المجتمع ، والقضايا ذات الأبعاد الحساسة والمرتبطة بالجوانب الدينية أو العادات.
4- صناع القرار وعملية صنع القرار : وتتمثل في : ( مجال الصلاحيات ، الاتصالات والمعلومات ، نظام الحوافز الشخصية ، دوافع وخصائص صانع القرار وقد حدد ريتشارد شكلين من الدوافع وهي " من أجل " و" بسبب كذا"، الفعل ).
ب-نموذج الفعل العقلاني : يفسر هذا النموذج عملية صناعة القرار من خلال تحليل عقلاني لأهداف السياسة الخارجية لدولة ما ، على اعتبار أن أي دولة تقوم بالتدقيق في وضع أهدافها وحساب تكاليفها والأرباح التي تجنيها من كل قرار تتخذه بشأن قضية معينة أو تحقيق هدف ما ، فالوحدة الأساسية في التحليل في هذا النموذج هو عقلانية سلوك الدولة في العلاقات الدولية ، ويقوم هذا النموذج على العناصر التالية :
1- القضية التي يفترض معالجتها غنما هي نتاج سلوك الدول .
2- سلوك الدولة هو اختيار يتم مرة وحدة وليس عدة اختيارات متسلسلة .
3- السلوك هو اختيار عقلاني وذلك للاعتبارات التالية ( ترتيب في الأهداف ، وجود خيارات ، المخرجات ، الاختيار).
ج- نموذج العملية التنظيمية :وفقاً لهذا النموذج ، عملية صناعة القرار هي نتاج من أطر نظمية مختلفة ، أي أنه هناك تفاعل بين مختلف مستويات البيروقراطية في صناعة القرار ، كالتنافس بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع حول قضية معينة في العلاقات الدولية. وبذلك فإن اللاعب الأساسي في هذا النموذج ليس هو الدولة وإنما هو شبكة الدوائر والإدارات المترابطة وعلى رأسها القيادة العليا في النظام السياسي .
المبحث الثالث :الأزمة وصناعة القرار
تعرف الأزمة بأنها الوضع الذي يتسم بالعناصر التالية ( تهديد الأهداف الرئيسية لصناع القرار ، الوقت المحدود الممكن صناعة القرار قبل أن يحدث تغيير في الوضع ، مفاجأة صناع القرار بالحدث " ويضيف هرمن تشارلز أن الأزمة تخلق ثلاثة 03 أوضاع هي (الوضع الخلاق ، وضع الجمود ، وضع ظرفي )
نماذج تحليل الأزمة :
1-نموذج الاستجابة المنظمية :يتمثل هذا النموذج في جماعات صناعة القرار والمنظمات البيروقراطية التي يمكن أن تشكل وتقيد خيارات السياسة في الأزمة ويمكن لمستوى جماعة صناعة القرار أن يكون قرارها له نتائج ايجابية وسلبية ، وكذلك الوقت المحدد يمكن أن يخفض نوع القرار .
2- نموذج التفاعل العدائي :يختبر هذا النموذج سوابق وآثار التفاعلات بين الدول في الأزمات ، مع انتباه خاص لدور الإدراكات في مفاقمة أو تلطيف نموذج العلاقات بين الأطراف ، وهذا المفهوم للأزمة يؤلف العمليات بواسطة توليد العداء أكثر من العداء السابق .
3- نموذج كلفة الحساب :يؤكد هذا النموذج على الخيارات الإستراتيجية والتكتيكية المرافقة لأرباح الحد الأقصى والحد الأدنى من الخسائر في إدارة الأزمة ، ولذلك يجب على القيادة أن تلجأ إلى الاستراتيجيات الأعلى تكتيكاً .
4- نموذج الضغط الفردي : يؤكد هذا النموذج على تأثير إغراء الأزمة الضاغط على مظاهر معينة من الأداء المعرف الذي هو حاسم في صناعة القرار ، فنظريات البحث في المستوى الفردي عموماً تؤكد على الآثار السلبية لبنية الأزمات الطويلة على عمليات القرار والنتائج .
الفصل الثالث : الانتقادات الموجهة لنظرية صناعة القرار
المبحث الأول : أهم الانتقادات
1-إن النظرية التي جاء بها سنايدر تتطلب عدداً كبيراً من الباحثين لجمع المعلومات وعدد كبير من المنظرين لتقويم المعلومات ، وإذا لم تكن هذه متوفرة فإن النتائج ستكون غير واقعية
2-إن هذا النموذج لا يمكن تطبيقه على جميع الدول ، ويعمل على تحويل الدول إلى مفهوم أحادي للنظام السياسي .
3-يدل هذا المنهج على أن علم السياسة مؤلف من خطوات وخيارات واعية بدرجة عالية يمكن تحليلها في إطار تصنيفات محددة إلا أن التطورات في العلاقات الدولية لا تحذق بهذا النمط .
4-تهمل المتغيرات المؤثرة ضمن سياسات القوى وقواعد السلوك الدولي مثل توازن القوى والقانون الدولي.
5-عجزها عن حصر القوى التي تؤثر في مسار مشكلة من مشاكل السياسة.
6-وعجزها تحديد البيئة الداخلية والخارجية التي تؤثر في صانع القرار وتوجهاته من قائد أو أحزاب أو رأي عام أو جماعات ضغط .
المبحث الثاني : الاقتراحات الجديد لنظرية صنع القرار
وكانت هذه الانتقادات الموجهة لنظرية صناعة القرار هي التي دعت سنادر إلى اقتراحات جديدة من أجل تلافي نقاط الضعف المذكورة ومن بينها :
1- عمل تقسيم أو تصنيف للأهداف السياسية ثم إقامة سلسلة من الافتراضات النظرية التي تربط النماذج الإجرائية المختلفة في اتخاذ القرارات وبين كل نوع من هذه الأهداف السياسية .
2- عمل تصنيف لوحدات اتخاذ القرارات الخارجية مع ربط كل وحدة بنموذج محدد من نماذج اتخاذ القرارات.
3- إجراء تحديدات عملية للكيفية التي يتم بها تحليل أثر الخصائص الشخصية لواضعي القرارات الخارجية على أحكامهم وتقديراتهم.
4- تطبيق هذا النموذج بأبعاده السالفة الذكر على عدد من حالات اتخاذ القرارات الخارجية تحت ظروف مختلفة من تأثيرات البيئة الدولية .