كتب على أبناء البرمة الحدودية الجارة مع تونس التابعة لولاية ورڤلة أن يحرموا من مواصلة تعليمهم فمستواهم حدد مسبقا والسنة الرابعة متوسط مقياس مخصص وهو ما أصبح يعرف بالإعدام الدراسي، وسعيد الحظ من ينجو من الجنسين وتمكن من مواصلة تعليمه الثانوي فما أسباب الظاهرة؟ والتسمية الجديدة وأين يكمن الخلل؟ وما مصير ومستقبل الجيل الجديد بالمنطقة؟
تبعد البلدية المذكورة عن عاصمة الولاية بـ 430 كلم مما جعلها تتخلف عن بقية البلديات في المجال التنموي ولعل أهم هذه المجالات التربية والتعليم فهي المستقبل للجيل الجديد ومكسب لأبناء المنطقة المحرومة وانطلاقا من أهمية الموضوع ارتأت "الشروق" تسليط الضوء على ظاهرة لطالما عانت منها الجهة ومصير مجهول وغامض ينتظر أبناءها إذا لم تتدخل السلطات كل في اختصاصه لفرملة هذه المشكلة وهي "التسرب المدرسي"، حقائق وأرقام مخيفة تبين عمق المعضلة وتغلغلها وسط المجتمع وبصفة خاصة لدى الإناث. وقصد التشخيص الدقيق اعتمدنا على نتائج 10 سنوات بداية من الموسم الدراسي 2004 حيث بلغ عدد الذين غادروا مقاعد الدراسة في الطورين الابتدائي والمتوسط 33 تلميذا في حين سجل في الموسم الموالي 2005 انقطاع 27 تلميذا عن مواصلة دراستهم، كما سجل نفس العدد في موسم 2006. ليتراجع إلى 15 تلميذا في سنة 2007 وينخفض إلى أقل من 9 تلاميذ في الموسم الذي يليه ويرتفع بقوة عدد المتسربين إلى 34 تلميذا في الموسم الدراسي 2009.
سجل العام الموالي 26 تلميذ تركوا مقاعدهم الدراسية أما الموسم الدراسي 2010 فبلغ عدد التلاميذ المتوقفين عن الدراسة 21 تلميذا وفي الموسم الماضي 2012 سجلت 18 حالة تسرب مدرسي.
المحير والغريب أن الموسم الدراسي الحالي لم ينته وانقطع 14 تلميذا عن الدراسة لأسباب مختلفة ولعل مكمن الخلل في الجهل والأمية لدى الأولياء والتفريط في الدراسة فالعمل في الشركات بالنسبة للشباب مفضل على مزاولة التعليم لمن بلغ 18 عاما، كما أن للفقر والعوز دورا كبيرا في تنشيط هذه الظاهرة التي تتحرك كالسرطان بين التلاميذ والأحوال الاجتماعية السيئة لأغلب العائلات لها دور في البحث عن مصادر الدخل ولو على حساب الطفولة وحقوقها.
ومن بين الدواعي الأخرى المعقدة عزلة المنطقة بافتقادها للكثير من المرافق المساعدة على الاستقرار فالأساتذة والمعلمون يغادرون المنطقة بمجرد الاستفادة من الترسيم في المناصب، حيث يعتبر المعينون حديثا في الجهة أنفسهم معاقبين وهي عبارة منتشرة في جميع القطاعات الأخرى ولمديرية التربية بالولاية النصيب الأكبر من المسؤولية فالمنطقة لم يزرها أي مدير منذ عقود والزيارة الأخيرة في بداية الموسم لمدير التربية الحالي كانت لامتصاص غضب الأولياء الذين منعوا أبناءهم من الدراسة وضاقوا ذرعا من الوعود العالقة- حسبهم - بفتح قسم ثانوي بالبلدية ووانعدامه قضى على أحلام الكثير من الراغبين في إكمال مشوارهم الدراسي، خاصة الإناث اللاتي حكم على مستقبلهن بالمكوث في البيت أو الزواج المبكر المنتشر بالجهة فعلى سبيل المثال قالت إحدى التلميذات النجيبات لنا: "ما الفائدة من الاجتهاد في الدراسة والتحصيل الجيد فالبيت نهايتي مع انتهاء الموسم الدراسي أحلامي ضاعت و أهدافي تشتتت وهو إعدام دراسي". كلمات بريئة وقاسية ومثيلاتها كثيرات ممن يتقاسمن نفس الهم اللائي دفعن فاتورة اختيارهن الاستقرار بالمنطقة والدليل الأكبر لم يتخرج من الجامعة منذ فتح الابتدائية في البرمة سنة 1984 أقل من 10 تلاميذ.
ويبقى لأهل الاختصاص آراء مختلفة حول الظاهرة المقيتة ويحمل الأولياء المسؤولية بقدر كبير وجزء تتحمله السلطات المحلية فالبلدية من أغنى مناطق الولاية ويمكنها المساهمة في تحسين حياة الأساتذة والمعلمين لتحقيق استقرار الطاقم التربوي والإداري، هنالك من يضع الكرة في مرمى مصالح التريية التي تجاهلت المنطقة لسنوات طويلة ولم تكلف نفسها عناء التنقل للجهة والوقوف على صحة التعليم ونتائجه.
ويبقى أبناء الجهة الحدودية يصارعون لوحدهم التيار. يتطلب من جميع السلطات في الولاية تحمل المسؤولية لرفع الغبن ونفض الغبار عن المنطقة فالعزلة والتهميش والحقرة- استنادا إلى اقوالهم- أرهقت كاهلهم وأثنت عزيمة جيل بالكامل فهل ينعم البقية بحياة كريمة يا ترى في منطقة تعد واجهة البلاد من الناحية السياسية والاقتصادي؟
عن الشروق اليومية