الحرية إلى أين ؟! الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى تركها على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. أما بعد فيا معاشر المؤمنين، ويلٌ للمجرمين المستهزئين بالمؤمنين ورسولهم وربهم ودينهم باسم الحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر وحرية التعبير، قال الله جل وعلا: ((إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ*وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ*وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَوَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ*وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَفَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ*عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ*هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) بلى قد رأوا جزاءهم وعقابهم. وأما من يدافع ويبرر ويعتذر لمن انتهك حرمة الدين، فلا يقال فيهم إلا ما قاله ربنا جل وعلا: ((هَاأَنتُمْ هَـؤُلاء جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً)) ولكن الأمر كما قال المولى جل وعلا: ((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ))، ((وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)). إذا كان سبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدي على الذات الإلهية يُمرَّر باسم الحرية –حرية التعبير-، فإنه لا بد لنا نحن معاشر المؤمنين، أن نقف عند هذا المصطلح، وهذه الثقافة الوافدة إلى بلاد المسلمين. الحرية : قد جاء الله تبارك وتعالى بهذا الدين العظيم، هو دين الحرية، من عبادة كل ما سواه، هو دين التكريم للإنسان، ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)) هو دين التكريم للمرأة، كما سمعنا في الآيات التي نزلت في كتاب الله عز وجل في شأن أمهات المؤمنين وغيرهن من نساء المؤمنين، ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ)) إلى غير ذلك مما ورد في كتاب الله جل وعلا. كان الصحابة يقولون: "إن الله تبارك وتعالى ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد" فما الحرية التي يُراد تصديرها إلى بلاد الإسلام، باسم الديمقراطية؟ قد مررت هذه الحرية باسم الديمقراطية، الديمقراطية كلمة صار لها لمعان ورواج في هذه الأيام، بل إن بعض من ينتسبون إلى الدعوة والعلم ينادون بها ويزعمون أنها الإسلام، وقد يسمونها ديمقراطية الإسلام، ما المراد بالإسلام؟ وما المراد بالديمقراطية؟ حتى نعلم التوافق بينهما، هل الإسلام هو الديمقراطية؟ أم أن الديمقراطية شيء آخر. الإسلام هو الذي جاء الله تبارك وتعالى به على يد رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أكمله الله تبارك وتعالى ورضيه لنا دينًا، دين كامل بحمد الله عز وجل، بنص كتاب الله، ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) فهل نحن بحاجة إلى نظام في الحكم أو في الدولة أو في التشريع غير كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ ((وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)). هذا هو الإسلام الذي نشأنا عليه، وعاش عليه المسلمون، وسعدوا مئات السنين ولله الحمد والمنة . أما الديمقراطية، فشيء آخر غير الإسلام، أين نشأت؟ نشأت في بلاد الكفر في أوروبا، وكانت ردة فعل للظلم والطغيان الذي كان يمارسه الكفرة من القسس والرهبان، يمارسونه باسم الدين، دين باطل وزعماؤهم أهل باطل وظلم وبغي وعدوان، كما أخبر الله عز وجل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ)) فقهروا الناس وظلموهم وأذلوهم باسم دينهم الباطل، حتى إن المجالس كانت تعقد ليناقشوا هل المرأة روح أم جسد، أم أنها جسد بدون روح أم ماذا، في حين أن الله تبارك وتعالى أثنى على النساء، بل سميت سورة في كتاب الله عز وجل باسم النساء، فثار الناس على ذلك الظلم والطغيان، وأنشؤوا بمفكريهم المعروفين هذه النظريات في الحكم وسموها الديمقراطية، رغبة في حرية مفقودة عندهم ليست في دينهم، فنبذوا الدين كلية وأنشؤوا العلمانية، وأنشؤوا مع ذلك الديمقراطية التي تعني في ترجمتها الحرفية: حكم الشعب بالشعب، أي أن الذي يحكم في أمور قد نزل فيها كتاب الله، وجاءت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشعب، فيُصوت على أي نظام وأي قانون في تلك الدول الديمقراطية، إن رضي النواب والبرلمان وغيرهم ممن ينتخبون ووافقوا على ذلك النظام الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه يُقر ويُعمل به في بلاد الإسلام، وإذا رفضوا فإنه يُرد، ((وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)) جل وعلا، فهم يجعلون أنفسهم معقبين، وحاكمين على ربهم جل وعلا، هذه هي الديمقراطية، حكم الشعب للشعب، هل تتوافق مع دين الإسلام الذي جاء بالأحكام، وجاء بالهدى وجاء بالنور؟ جاء الإسلام بالحرية الحقة، وجاء الإسلام بالهدي الصحيح، وجاءت الديمقراطية بالحرية التي لا ضوابط لها، لا يضبطها دين، ولا يضبطها عقل إذا نظرت في أفعالهم فيما يتعلق بممارسات الشهوة عندهم، التي وصل الشذوذ فيها إلى مراحل لا يصدقها عقل، هم لا تضبطهم في ديمقراطيتهم وحريتهم لا يضبطهم دين ولا عقل ولا عادات حسنة أقرها شرع الله، في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . هذه هي الديمقراطية، التي ينادي بها بعض الناس، ويزعمون أنها ستأتي لنا بالحرية، إذا كان هناك ظلم في بلد من البلاد الإسلامية من حاكم غشوم ظلوم، فليس هذا مبررًّا إلى نسف الإسلام وتنحيته، وإحلال الديمقراطية التي هي حكم الشعب للشعب بديلاً عن دين الله عز وجل، وبالله عليكم ما الذي جاءت به الديمقراطية من العدل ليس موجودًا في دين الإسلام؟ أي عدل عندهم لم يأت في دين الإسلام؟ أما التصرفات الفردية، التي تحصل من بعض الحكام الظلمة، فليس هذا طعنًا في دين الله، إنما هو طعن في ذلك الظالم، وأما التصرفات التي تصدر من بعض الجماعات الإرهابية، التي تفجر وتكفر وتخرب، فذلك الظلم والعدوان منسوب إليها، ودين الله بريء من ذلك، وليس هذا مبررًّا إلى نسف الإسلام كله، وإحلال هذه الحرية بدلاً عن دين الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . الديمقراطية أو الحرية عند الديمقراطيين تعني الحرية في المعتقد، فلك أن تعتقد ما شئت، حتى لو ارتد عن دين الإسلام فعندهم أن النظام الديمقراطي إذا حُكم به في بلد فإنه يعطيه هذا الحق، وليس لأحد الحق في أن يحاسبه على ذلك لو ارتد عن دين الله عز وجل، تعطي أيضًا الحرية الشخصية التي لا ضوابط لها، حتى وصل الحال إلى التزاوج بين الرجال وبين النساء، الرجال والرجال والنساء والنساء، نسأل الله السلامة والعافية في بلاد الديمقراطية، باسم الحرية التي يراد تصديرها إلى بلاد الإسلام، إلى عباد الله المصلين الموحدين، كذلك الحرية في التعبير والنقد، فإذا تكلم أحد لا يضبطه ضابط، يصل الحال به إذا تكلم في انفعالاته إلى سب الله وسب رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا لا يمكن يُصدِّق، ولا يمكن أن يُقبل في دين الله عز وجل، في كتاب الله وفي سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. للأسف أن هذه الديمقراطية أصبحت تعرض على الناس أنها هي الحل والبديل لإنقاذ الشعوب من الظلم، الشعوب التي تعاني من القهر، ليس هذا بديلاً عن دين الله عز وجل، إنما الحل في الرجوع إلى دين الإسلام، نظام كامل في الحكم وفي إدارة البلاد، وما عندهم من تنظيمات تنفع بلاد الإسلام ولا تعارض كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن أهل الإسلام يأخذون بكل ما فيه نفع وتقدم في البلد. نسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر لنا ويرحمنا ويهدينا الى سواء السبيل . الشيخ سلطان العيد