هيئة كبار العلماء
حكم تمثيل الصحابة رضي الله عنهم
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :
فقد أحيل إلى هيئة كبار العلماء في رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية - في دورتها الثالثة المنعقدة في شهر ربيع الآخر عام 1393هـ موضوع تصوير حياة ( بلال ) مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيلم سينمائي .
وفي تلك الدورة قدمت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بحثا في الموضوع هذا نصه :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، محمد وآله وصحبه ، وبعد :
فهذا بحث يتعلق بمسألة حكم تمثيل الصحابة في شكل رواية مسرحية أو فيلم سينمائي قامت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بإعداده تمهيدا لعرض المسألة على مجلس هيئة كبار العلماء في دورتها القادمة إنفاذا لأمر المقام السامي رقم 24/93 وتاريخ 1/1/1393هـ . والله الموفق .
حكم تمثيل الصحابة
في مسرحية أو فيلم سينمائي
يحسن بنا قبل تقديم ما تيسر الحصول عليه من أقوال أهل العلم في حكم تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم - أن نشير إلى اعتبارات تحسن ملاحظتها أثناء بحث المسألة :
الأول : ما لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المكانة العليا في الإسلام :
بحكم معاصرتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيامهم بواجب نصرته وموالاته ، والتفاني في سبيل الله ببذلهم أموالهم وأولادهم ونفوسهم ، فقد اتفق أهل العلم على أنهم صفوة هذه الأمة وخيارها ، وأن الله شرفهم وخصهم بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثنى عليهم في كتابه الكريم بقوله : سورة الفتح الآية 29 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ الآية ، وجاءت الأحاديث الصحيحة بتسجيل فضلهم ، وأن لهم قدم صدق عند الله ، ففي [ صحيح البخاري ] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري المناقب (3449),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2532),مسند أحمد بن حنبل (3/7). يأتي على الناس زمان ، فيغزو فئام من الناس فيقولون : فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون لهم : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان ، فيغزو فئام من
الناس ، فيقال : هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فيقولون : نعم ، فيفتح لهم ، ثم يأتي على الناس زمان ، فيغزو فئام من الناس فيقال : هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون : نعم ، فيفتح لهم .
وفي [ صحيح البخاري ] عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري المناقب (3450),صحيح مسلم فضائل الصحابة (2535),سنن الترمذي الفتن (2222),سنن النسائي الأيمان والنذور (3809),سنن أبو داود السنة (4657),مسند أحمد بن حنبل (4/427). خير أمتي قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، قال عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ، "ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن .
وفي [الصحيحين ] عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن بعض أصحابه رضوان الله عليهم : صحيح مسلم فضائل الصحابة (2540),سنن ابن ماجه المقدمة (161). لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه .
الثاني : النظرة العامة إلى مشاهدة التمثيل :
من أنه حال من أحوال اللهو والتسلية وشغل فراغ الوقت ، فمشاهده في الغالب لا يريد من المشاهدة ما فيه مجال للعظة والتأمل ، وإنما يقصد من ذلك إشباع غرائزه بما يشرح النفس ، وينسي الهموم ، وينقل المرء من حال الجد إلى حال العبث والهزل .
الثالث : حال محترفي التمثيل من المناحي المسلكية :
إن المتتبع لحياة الممثلين يخرج بنتيجة هي : أن غالبهم سقط من الناس ليس للصلاح والتقوى مكان في حياتهم العامة ، ولا للأخلاق الإسلامية والعربية محل في دائرة أخلاقهم ، ولا للقيم الإنسانية اعتبار عندهم ، فإذا
تقمص أحدهم شخصية صالح أو نبيل أو شهم أو عفيف أو جواد - فذلك لأجل ما سيتقاضاه ثمنا لذلك ، ثم يعود إلى سيرته الأولى ضاحكا لاهيا ساخرا معرضا عن الجوانب المشرقة في حياتهم .
الرابع : أغراض التمثيل :
قد لا يختلف اثنان في أن الهدف الأول لأرباب المسارح في إقامة التمثيل فيها المكاسب المادية ، ومكاسبهم المادية لا تحصل إلا بمداعبة غرائز المشاهدين وشهواتهم ، فإذا عرفنا أن غالب المشاهدين لا يقصدون من مشاهدتهم التمثيل إلا قضاء فراغ أوقاتهم بما فيه العبث واللهو والتسلية ، وفهمنا أن الهدف الأول والأخير من التمثيل الكسب المادي - أدركنا أن القائمين على التمثيل سيحرصون على إنماء رصيد مشاهدي مسرحياتهم بتحقيق رغبة المشاهد في إشباع غرائزه العاطفية ، وعرض ذلك على شاشات التمثيل وخشبات المسارح .
الخامس : اعتياد كثير من المؤرخين في مؤلفاتهم التاريخية على التساهل في تحقيق الوقائع التاريخية :
يضاف إلى أن مجموعة من ذوي الميول المنحرفة والأهواء المغرضة قد نفثوا سمومهم في التاريخ الإسلامي ما بين وقائع تاريخية كاذبة ، وتعليلات للجوانب التاريخية في الإسلام ترمي إلى التقليل من القيمة العليا لتضحية المسلمين في سبيل الله ، فإذا كانت مادة التمثيل من التاريخ وليس هناك مرجع غيره أمكن تصور وجود الكذب والافتراء على السلف الصالح ، لا سيما صفوة هذه الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قرار رابطة العالم الإسلامي
وقد صدر قرار من رابطة العالم الإسلامي بخصوص تمثيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيلم - استعرض حكم تمثيل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما نصه :
وكما يحرم ذلك كله في حق الرسول صلى الله عليه وسلم يحرم تمثيل الصحابة الأكرمين رضي الله عنهم أجمعين باتفاق أهل العلم ؛ لشرفهم بالصحبة العظيمة ، واختصاصهم بها دون من عداهم من الناس ، ولكرامتهم عند الله تعالى وثنائه عليهم في القرآن الكريم ، قال تعالى : سورة الفتح الآية 29 مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ الآية ، فهم أحقاء إجماعا بالتكريم والتعظيم والتوقير ؛ ولذلك أجمع أهل العلم على حرمة تصويرهم في الأفلام أو على المسارح ؛ لما فيه من المنافاة الصارخة لكل ذلك . اهـ .
كما صدر قرار من المنظمات الإسلامية العالمية المنعقدة في دورتها في مكة المكرمة في ذي الحجة سنة 1390هـ ، جاء فيه ما نصه : قرر المؤتمر استنكاره الشديد لمحاولة إخراج فيلم سينمائي يمثل فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأية صورة من الصور أو كيفية من الكيفيات ، كما يستنكر تمثيل الصحابة رضوان الله عليهم ، ويناشد المؤتمر كل الحكومات الإسلامية أن تقضي على هذه المحاولة في مهدها .
فتاوى الشيخ محمد رشيد رضا
كما صدر ثلاث فتاوى للشيخ محمد رشيد رضا في حكم التمثيل الأخلاقي .
الأولى : في حكم التمثيل الأخلاقي وهذا نصها مع سؤالها انظر [فتاوى رشيد رضا] (3/1090) ، و[المنار] (14)(1911) /827 - 830 . من صاحب الإمضاء الحرفي في ( دمشق الشام ) ع . . .
س : سيدي الأستاذ صاحب المنار الأغر : ما رأي الأستاذ حفظه الله في تمثيل الروايات الأخلاقية التي لا يشوبها ضروب الخلاعة ، أو من ظهور النساء حاسرات على المسارح ، والتي تحبب الحضور بالفضيلة ، وتنفرهم من الرذيلة ؟ يجوز لنا أن نعتبر التمثيل غيبة فنحرمه بدعوى أن الغيبة محرمة ؟ وهل ورد في النصوص الشرعية تصريحا أو تلميحا ما يدل على حرمة التمثيل الأخلاقي ، أو يشير إلى اجتنابه ، وعهدنا بهذا النوع من التمثيل أنه خير ما يغرس في النفوس حب الفضائل وكره الرذائل ؟
أرجو إجابتي على هذه الأسئلة حتى لا يبقى مجال لتغرير المسلمين باسم الشريعة ، ورميها بسهام غير سديدة ، هدانا الله بمناركم الوضاح إلى أقوم طريق .
الجواب : جاءنا مثل هذا السؤال أيضا من دمشقي آخر أشار إلى اسمه بحرفي (م . ن) ، وجاء في سؤاله : أن للسؤال واقعة حال في دمشق ،
وهي : أن تلاميذ المدرسة العثمانية بدمشق مثلوا قصة زهير الأندلسي التي تشرح كيفية انقراض المسلمين من الأندلس ، فقام بعض الحشوية من طلاب الشهرة ، وأصحاب الدعوى يشنعون على المدرسة ، ويكفرون تلاميذها ومعلميها ، ويزعمون أنهم حاولوا هدم الإسلام بتذكير المسلمين بأسباب انقراض المسلمين من مملكة إسلامية كانت زينة ممالك الأرض بالعلوم والفنون والآداب ، وخطبوا بذلك على المنابر في رمضان ، وصدق فيهم قول من قال : إن لمتعصبي دمشق في كل رمضان ثورة .
أشار السائل الذي نشرنا نص سؤاله إلى ما صرح به السائل الآخر من احتجاج محرمي التمثيل على تحريمه بأنه يتضمن الغيبة ، وقال هذا المصرح : إن بعضهم حرم قراءة الجرائد والمجلات بمثل هذا الدليل .
نقول : إن صح قولهم : أن تلك القصة أو الواقعة التي مثلت في دمشق ، كانت متضمنة لشيء من الغيبة - وهو ما يستبعد جدا - فالمحرم فيها هو الغيبة لا جميع القصة ، ولا القصص التي تمثل ولا التمثيل نفسه . وكان الأظهر أن يقولوا : أنها تتضمن الكذب في بعض جزئياتها ، وكأنهم فطنوا إلى كون الكذب غير مقصود فيها ، ولا يتحقق إلا بالنسبة إلى مجموع القصة إذا كان ما تقرره وتودعه في الأذهان من مغزاها المراد غير صحيح ، كأن تصور قصة زهير لقرائها ، وحاضري تمثيلها : أن الإسبانيين اضطهدوا المسلمين ، وفتنوهم عن دينهم ، وخيروهم بين الكفر والخروج من الوطن ، ويكون هذا الذي تصوره لم يقع أو وقع ضده .
هذه القصص التمثيلية من قبيل ما كتبه علماؤنا المتقدمون من المقامات التي تقرأ في المدارس الدينية وغير الدينية ؛ كمقامات البديع ، ومقامات الحريري ، وقد كان الحريري رحمه الله تعالى توقع أن يوجد في عصره أمثال أولئك المتنطعين الذين حرموا قصة زهير الأندلسي ، فرد عليهم بقولهم في فاتحة مقاماته :
على أني وإن أغمض لي الفطن المتغابي ، ونضح عني المحب المحابي ، لا أكاد أخلص من غمر جاهل ، أو ذي غمر (حقد) متجاهل ، يضع مني لهذا الوضع ، ويندد بأنه من مناهي الشرع ، ومن نقد الأشياء بعين المعقول ، وأنعم النظر في مباني الأصول ، نظم هذه المقامات ، في سلك الإفادات ، وسلكها مسلك الموضوعات ، عن العجماوات والجمادات ، ولم يسمع بمن نبا سمعه عن تلك الحكايات ، وأثم رواتها في وقت من الأوقات ، ثم إذا كانت الأعمال بالنيات ، وبها انعقاد العقود الدينيات ، فأي حرج على من أنشأ ملحا وردت في المنار (مقامات) . للتنبيه ، لا للتموين ، ونحا بها منحى التهذيب ، لا الأكاذيب ، وهل هو في ذلك إلا بمنزلة من انتدب لتعليم ، وهدي إلى صراط مستقيم [مقامات الحريري] تحقيق سلفستر دي ساسي . باريس - دار الطباعة الملكية 1822 صـ (11، 12) . .
فهو يقول : إنه لم يعرف عن أحد من علماء الأمة إلى زمنه أنه حرم أمثال تلك القصص التي وضعت عن الحيوانات ككتاب [كليلة ودمنة] وغيره ؛ لأن المراد بها الوعظ والفائدة ، وصورة الخير في جزئياتها غير مرادة ، وما سمعنا بعده أيضا أن أحدا من العلماء حرم قراءة مقاماته ، ولكن اجتهاد بعض المغرورين بالحظوة عند العوام ، يتجرءون على تحريم ما لم يحرمه الله ورسوله ، ولا حرم مثله أحد من علماء الملة ، وهم مع هذا يتبرءون بألسنتهم من دعوى الاجتهاد واسم الاجتهاد ، ويشنعون على من يقول : إنه يمكننا أن نعرف الأحكام بأدلتها الشرعية ، فهم يعترفون بأنهم ليسوا أهلا للاستدلال ، ولا لمعرفة حكم بدليله ، ويدعون أنهم مقلدون لبعض الأئمة المجتهدين رضوان الله عليهم ، فليأتونا بنص من أولئك الأئمة على تحريم ما حرموه إن كانوا صادقين .
ثم نقول من باب الدليل : قد فسر الحرام في بعض كتب الأصول بأنه : خطاب الله المقتضي للترك اقتضاء جازما ، فليأتونا بخطاب الله المقتضي بتحريم تمثيل الوقائع الوعظية والتهذيبية ، أما أصول المحرمات في الكتاب ، فقد بينها الله تعالى بالإجمال في قوله : سورة الأعراف الآية 33 قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ أفلا يخشى أولئك المتجرئون أن يكونوا من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون ، الذين قال فيهم أيضا : سورة النحل الآية 116 وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ وقال صلى الله عليه وسلم : صحيح البخاري الإيمان (52),صحيح مسلم المساقاة (1599),سنن الترمذي البيوع (1205),سنن ابن ماجه الفتن (3984),مسند أحمد بن حنبل (4/270),سنن الدارمي البيوع (2531). إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما مشتبهات ، لا يعلمهن كثير من الناس الحديث ، وهو في [الصحيحين] والسنن كلها من حديث خيار الآل والصحب علي وولده الحسين والعبادلة الثلاثة وعمار والنعمان بن بشير رضي الله عنهم . فإذا كان الحرام بينا ، فكيف يخفى منه مثل هذا الحكم
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 301)
على جميع المسلمين في هذه القرون الطويلة، ولا يهتدي إليه إلا أولئك المضيقون في هذا العام؟ !
إننا لا نرى وجها ما لهذا التحريم، ولو سلمنا أن في القصة الممثلة كلاما يصح أن يعد غيبة أو كذبا، فإنا نعلم أن في كثير من كتب الحديث والفقه والوعظ أحاديث موضوعة، ولم يقل أحد أن ذلك يقتضي تحريم تأليف تلك الكتب وقراءتها وطبعها، وفي كتب الحديث طعن في الرجال فهل نحرم علم أصول الحديث؟ ألا إنه ليحزننا أن يكون لأمثال هؤلاء المفتاتين المتنطعين كلمة تسمع في مدينة دمشق الفيحاء التي هي أجدر البلاد بأن تكون ينبوعا لحياة الدين والعلم والارتقاء في سورية وجزيرة العرب كلها، وما آفتها إلا نفر من المتنطعين قد جعلوا الدين عقبة في طريق الارتقاء العلمي والعملي، فنسأل الله تعالى أن يلهمهم الرشد، ويهديهم طريق القصد، وأن يبصر العامة كالخاصة في تلك المدينة الزاهرة بحقيقة أمرهم حتى لا تتبع كل ناعق منهم .
والثانية: في حكم تمثيل حياة بعض الصحابة، وهذا نصها مع سؤالها:
السؤال: هل يجوز تمثيل حياة بعض الصحابة على شكل رواية أدبية خلقية تظهر محاسن ذلك الصحابي الممثل؛ لأجل الاتعاظ بسيرته ومبادئه العالية مع التحفظ والتحري لضبط سيرته دون إخلال بها من أي وجهة كانت أم لا؟
الجواب: لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل الصحابة أو أعمالهم الشريفة بالصفة المذكورة في السؤال انظر [ فتاوى رشيد رضا ] (6/2348). .
والثالثة: في حكم التمثيل العربي وتمثيل قصص الأنبياء، وهذا نصها انظر [ فتاوى رشيد رضا ] (4/1418) . :
التمثيل العربي: اشتغال المرأة المسلمة به وتمثيل قصص الأنبياء [المنار] (20 (1917) / 310- 316). من صاحب الإمضاء بمصر محمد محمد سعفان طالب بمدرسة القضاء الشرعي.
بسم الله الرحمن الرحيم: إلى فضيلة مولانا وراشدنا السيد رشيد رضا . جمعتني النوادي بطائفة من المتعلمين الذين قلما يخلو مجلسهم من البحث، وبأية مناسبة - دار بيننا ذكر التمثيل العربي، وبسطنا على بساط بحثنا [المنار] (20(1917) /310 - 316) المرأة المسلمة والتمثيل ؛ تمثيل روايات الأنبياء عليهم السلام عموما، وخاتمهم خصوصا، فقر رأى فريق منا على جواز ذلك كله؛ إذ لا تتم أدوار التمثيل وفصوله إلا بالمرأة، فإذا جوزنا التمثيل جوزنا ظهور المرأة المسلمة على مسارح التمثيل، وأي مانع يمنع تمثيل روايات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، عموما وخاتمهم خصوصا، وهو لم يخرج عن كونه درس وعظ على طريقة التأثير النافع الذي ينشده مشاهير الوعاظ، وقل ممن يصادفه أو يجد له أثرا، ومنع فريق آخر ذلك وعده نوعا من التقليد الإفرنجي الذي يستحوذ على بعض البسطاء فيعدونه مفتاح تمدن الأمة، في حين أنه شر عليها وعلى أخلاقها الذاتية.
فهذا ما كان من الفريقين ، أما أنا كاتب هذه السطور فقد أعلنت الحيدة حتى أسترشد برشدكم أو أستنير بفتيا مناركم، والسلام.
الجواب: قلت: هدانا الله وإياك بحجة الصواب في الحكم، وعصمنا أن نقفو ما ليس لنا به علم:
إن بعض الأندية جمعك بطائفة من المتعلمين البحاثين، وأنهم ذكروا (التمثيل العربي) فاختلفوا في جواز اشتغال المرأة المسلمة به، وفي جواز تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عامة وخاتمهم خاصة، فقالت طائفة منهم: بجواز الأمرين، وعللوا الأول: بأن أدوار التمثيل وفصوله لا تتم إلا بالمرأة، فإذا جوزنا التمثيل جوزنا ظهور المرأة المسلمة على مسارح التمثيل، وعللوا الثاني: بأنه درس وعظ على طريقة التأثير النافع الذي ينشده مشاهير الوعاظ، وقل من يصادفه أو يجد له أثرا، وقالت طائفة أخرى بمنع الأمرين، وعدوه من التقليد الإفرنجي الضار، الذي يغتر به الأغرار، وقلت: إنك وقفت حتى تستفتي المنار، فهاك ما أفهمه في المسألتين بالاختصار.
لم يأت فريق المجيزين بشيء من العلم، يدل على ما جزموا به من الحكم، فإن سلمنا لهم أن التمثيل لا يتم إلا بالمرأة لا نسلم لهم أن جوازه يستلزم جواز اشتغال المرأة المسلمة به، بل نسألهم ماذا يعنون بهذا التمام؟ وهل يعتد به شرعا؟ ولماذا لا يستغنى فيه بالمرأة غير المسلمة التي تستبيح من أعماله ما لا يباح للمسلمة؟ وبأي حجة جعلوا القول بجواز التمثيل الذي ينقصه وجود المرأة المسلمة أصلا بنوا عليه القول بجواز اشتغالها بالتمثيل، وهل يعدو التمثيل المطلق أن يكون مباحا أو مستحبا بشرط خلوه من فعل الحرام وذرائع الفساد، واشتماله على الوعظ النافع والإرشاد؟ أو ليس الصواب أن يقال - والأمر كذلك-: إن التمثيل الذي يتوقف على قيام المرأة المسلمة ببعض أعماله على الوجه المعروف في دور التمثيل بمصر غير جائز؛ لأن ما توقف على غير الجائز فهو غير جائز، أو لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؟
اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل
إن اشتغال المرأة المسلمة بالتمثيل المعروف يشتمل على منكرات محرمة، منها:
ظهورها على أعين الرجال متبرجة كاشفة ما لا يحل كشفه لهم من أعضائها؛ كالرأس والنحر وأعالي الصدر والذراعين والعضدين، وتحريم هذا مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة، فلا حاجة إلى ذكر النصوص فيه.
ومنها: الاشتراك مع الرجال الممثلين في أعمال تكثر في التمثيل، وإن لم تكن من لوازمه في كل قصة؛ كالمعانقة، والمخاصرة، والملامسة، بغير حائل.
ومنها: غير ذلك من المنكرات التي تشتمل عليها بعض القصص دون بعض؛ كالتشبه بالرجال، وتمثيل وقائع العشق والغرام المحرم، بما فيه من الأعمال المحرمة لذاتها، أو لكونها ذريعة إلى المحرم لذاته.
ولا أنكر أنه يمكن للكاتب العالم بأحكام الشرع وآدابه أن يكتب قصة تمثيلية يودع بعض فصولها أعمالا شريفة، وأقوالا نافعة، إذا مثلتها امرأة مسلمة تبرز في دار التمثيل غير متبرجة بزينة، ولا مبدية لشيء مما حرم الله إبداءه من بدنها، ولا آتية بشيء من أعمال الفساد ولا من ذرائعه - فإن تمثيلها يكون بهذه الشروط مباحا أو مستحبا.
مثال ذلك: أن تؤلف قصة في الترغيب في الحروب للدفاع عن الحقيقة وحماية البلاد عند وجوبها باعتداء الأعداء عليها، ويذكر فيها ما روي عن الخنساء رضي الله عنها في حث أبنائها على القتال بالنظم والنثر، فمن ذا الذي يتجرأ على القول بتحريم ظهور امرأة تمثل الخنساء في مثل تلك الحال، التي هي مثال الفضيلة والكمال؟! ولكن إمكان وضع مثل هذه القصة وهو من الممكنات التي لم تقع لا يبنى عليه القول بإطلاق جواز ما هو واقع من التمثيل المشتمل على ما ذكرنا وما لم نذكر من المنكرات المحرمة والمكروهة شرعا.
وأما تمثيل قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد عللوه بأنه درس وعظ مؤثر، يعنون أن كل ما كان كذلك فهو جائز، وهذه الكلية المطوية ممنوعة، وتلك المقدمة الصريحة غير متعينة، فإن هذه القصص قد توضع وضعا منفرا، فلا تكون وعظا مؤثرا، وإن من الوعظ المؤثر في النفوس ما يكون كله أو بعضه باطلا، وكذبا وبدعا، أو مشتملا على مفسدة أو ذريعة إليها، ويشترط في جواز الوعظ أن يكون حقا لا مفسدة فيه، ولا ذريعة إلى مفسدة.
وبناء على هذا الأصل ننظر في هذه المسألة من وجوه :
أحدها: أن العرف الإسلامي العام يعد تمثيل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إهانة لهم أو مزريا بقدرهم، ومما أعهد من الوقائع في ذلك أن بعض النصارى كانوا أرادوا أن يمثلوا قصة يوسف عليه السلام في بعض المدن السورية فهاج المسلمون لذلك، وحاولوا منعهم بالقوة، ورفع الأمر إلى الآستانة، فصدرت إرادة السلطان عبد الحميد بمنع تمثيل القصة وأمثالها.
فإن قيل: إن بعض مسلمي مصر كأولئك المتعلمين القائلين بالجواز لا يعدون ذلك إهانة ولا إزراء، إذ لا يخفى على مسلم أن إهانة الأنبياء أو الإزراء بهم أقل ما يقال فيه: إنه من كبائر المعاصي، وقد يكون كفرا صريحا وردة عن الإسلام.
نقول: إنما العبرة في العرف بالجمهور الذي تربى على آداب الإسلام وأحكامه، لا بالأفراد القلائل، ومن غلبت عليهم التقاليد الإفرنجية، حتى صاروا يفضلونها على الآداب الإسلامية، كذلك القاضي الأهلي الذي حكم ببراءة أستاذ مدرسة أميرية غازل امرأة محصنة وتصباها، وكاشفها بافتتانه بجمالها، حتى هجره الرقاد، وواصله السهاد، فشكت المحصنة هذه الوقاحة إلى زوجها فرفع الزوج الأمر إلى قاضي العقوبات طالبا تعزير ذلك العادي المفتات، فكان رأي القاضي أن مغازلة المحصنات الحسان وتصبيهن، يحتمل ذلك الكلام الذي يفسدهن على أزواجهن، لا يقتضي سجنا ولا غرامة، ولا تأنيبا، ولا ملامة؛ لأنه إظهار لحب الحسن والجمال، وهو من ترقي الذوق وآيات الكمال، ولكن ما رآه هذا القاضي المتفرنج حسنا وكمالا، رآه السواد الأعظم من المسلمين نقصا قبيحا، وأنكره عليه في الجرائد، حتى منعتها مراقبة المطبوعات من التمادي في الإنكار، واستأنف الزوج الحكم فنقضه الاستئناف، وحكم بأن كلام ذلك الأستاذ جريمة منافية للآداب. ولو حاول بعض أجواق التمثيل تمثيل قصة أحد الرسل الكرام- عليهم الصلاة والسلام- لرأوا من إنكار العلماء والجرائد ما لا يخطر ببال أولئك الأفراد الذين يرون جوازه، ولو وقع مثل ذلك في بلد لم تذلل أهله سيطرة الحكام لما كان إلا مثارا للفتنة، ولتصدي الناس لصد الممثلين بالقوة، بل يغلب على ظني أن أكثر الناس يعدون تمثيل الأمراء والسلاطين، وكبار رجال العلم والدين، مما يزري بمقامهم، ويضع من قدرهم، وأن أحدا من هؤلاء الكبراء لا يرضى لنفسه ذلك.
الوجه الثاني: أن أكثر الممثلين لهذه القصص من سواد العامة، وأرقاهم في الصناعة- لا يرتقي إلى مقام الخاصة، فإن فرضنا أن جمهور أهل العرف لا يرون تمثيل الأنبياء إزراء بهم على إطلاقه، أفلا يعدون من الإزراء والإخلال بما يجب لهم من التعظيم: أن يسمى: (السي فلان) أو (الخواجة فلان) إبراهيم خليل الله، أو موسى كليم الله، أو عيسى روح الله، أو محمدا خاتم رسل الله؟ فيقال له في دار التمثيل: يا رسول الله، ما قولك في كذا . . . فيقول كذا . . . ولا يبعد بعد ذلك أن يخاطبه بعض الخلعاء بهذا اللقب في غير وقت التمثيل على سبيل الحكاية، أو من باب التهكم والزراية، كأن يراه بعضهم يرتكب إثما، فيقول له: مدد يا رسول الله! ألا إن إباحة تمثيل هؤلاء الناس للأنبياء قد تؤدي إلى مثل هذا، وكفى به مانعا لو لم يكن ثم غيره.
الوجه الثالث: تمثيل الرسول في حالة أو هيئة تزري بمقامه ولو في أنفس العوام، وذلك محظور، وإن كان تمثيلا لشيء وقع.
مثل ذلك: أن يمثل بعض هؤلاء الممثلين المعروفين يوسف الصديق عليه السلام بهيئة بدوي مملوك تراوده سيدته عن نفسه وتقد قميصه من دبره، ثم يمثله مسجونا مع المجرمين، ويتجلى النظر في هذا الوجه ببيان مسألة من أعظم المسائل يغفل عنها أمثال أولئك الباحثين الذين ذكرهم المستفتي، وهي: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام بشر، ميزهم الله تعالى بما خصهم به من الوحي، وهداية الخلق إلى الحق، وقد كانت بشريتهم حجابا على أعين الكافرين حال دون إدراك خصوصيتهم، فأنكروا أن يكون الرسول بشرا مثلهم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
وروي عن المسيح عليه السلام: أن النبي لا يهان إلا في وطنه وقومه، وقال بعض العلماء في المعنى: أزهد الناس في الولي أهله وجيرانه، أي: لأنهم قلما يرون منه إلا ما هو مشارك لهم فيه من الصفات والعادات، وأما ما يمتاز به من دقائق الورع والتقوى والمعرفة بالله تعالى فمنه ما هو سلبي لا يفطنون له، ومنه ما هو خفي لا يدركونه؛ ولذلك احتيج في إيمان أكثر الناس بالرسل قبل الارتقاء العقلي إلى الآيات الكونية، وبعده إلى الآيات العلمية، (كالقرآن الحكيم من الأمي)، والذين يؤمنون بالرسل من بعدهم يسمعون من أخبار آياتهم وخصائصهم وفضائلهم أكثر مما يسمعون من أخبار عاداتهم وصفاتهم البشرية، وبذلك يكون تعظيمهم وإجلالهم لهم غير مشوب بما يضعف الإيمان بهم من تصور شئونهم البشرية، على أن الواجب أن يعرفوا منها ما يحول دون الغلو في التعظيم والإطراء الذي يدفع به الغلاة الأنبياء إلى مقام الربوبية والإلهية، والتفريط في ذلك كالإفراط.
فتمثيل أحوال الأنبياء وشئونهم البشرية بصفة تعد زراية عليهم، وازدراء بهم، أو مفضية إلى ضعف الإيمان والإخلال بالتعظيم المشروع - مفسدة من المفاسد التي يحظرها الشرع، فكسف إذا أضيف إليها كون التمثيل في
حد ذاته يعد في العرف العام تنقيصا أو إخلالا ما بما يجب من التكريم - وكون الممثلين من عوام الناس، وقد علمت ما في هذا وذاك.
الوجه الرابع: أن من خصائص القصص التمثيلية: الكذب، وأن الكذب على الأنبياء ليس كالكذب على غيرهم، فإذا جاز أن يسند إلى أسماء لا مسميات لها كلام تقصد به العظة والفائدة، كما يحكون مثل ذلك عن ألسنة الطير والوحش، وهو ما احتج به الحريري في فاتحة مقاماته على جواز وضعه لها، وإذا صح أن يقاس على ذلك إسناد مثل ذلك الكلام إلى أناس معروفين من الملوك وغيرهم فيما لا ضرر فيه، ولا إفساد في التاريخ ولا غيره من الحقائق - إذا جاز ما ذكر وصح القياس فلا يظهر جواز مثله في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، على أن في المسألة نصا خاصا لا محل للقياس مع مورده، فقد قال صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري الجنائز (1229),صحيح مسلم مقدمة (4),مسند أحمد بن حنبل (4/252). إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار رواه الشيخان في الصحيحين وغيرهما من حديث سعيد بن زيد، وروي عجزه - وهو: "من كذب علي" إلخ متواترا ، وروى أحمد من حديث عمر مرفوعا : مسند أحمد بن حنبل (1/47). من كذب علي فهو في النار وهو مطلق لم يقيد بالتعمد، وإسناده صحيح، وقياس الكذب على غيره من إخوانه الرسل عليه الصلاة والسلام - جلي، فهو أقرب من قياس الكذب على الرسل على الكذب على العجماوات الذي احتج به الحريري، وأشار إلى اتفاق العلماء على جوازه، والكذب عليهم يشمل ما يحكى عنهم من أقوال لم يقولوها، وما يسند إليهم من أعمال لم يعملوها.
فإن قيل: إنه يمكن وضع قصة لبعض الرسل يلتزم فيها الصدق في كل ما يحكى عنه أو يسند إليه.
قلنا: إن النقل الذي يعتد به عند المسلمين هو نقل الكتاب والسنة، ولا يوجد قصة من قصص الأنبياء في القرآن يمكن فيها ذلك إلا قصة يوسف، وكذا قصة موسى، وقصة سليمان مع ملكة سبأ، إذا جعل التطويل فيهن في غير الحكاية عنهم، والأولى هي التي يرغب فيها الممثلون، ويرجى أن يقبل على حضور تمثيلها الكثيرون، وفيها من النظر الخاص ما بيناه في الوجه الثالث، وأما السنة فليس في أخبارها المرفوعة ولا الموقوفة ما يبلغ أن يكون قصة تصلح للتمثيل إلا وقائع السيرة المحمدية الشريفة، والعلماء بها لا يكاد أحد منهم يقدم على جمع طائفة منها وجعلها قصة تمثيلية، وإذا فتح هذا الباب ووجد منهم من يدخله على سبيل الندرة، لا يلبث أن يسبقه إليه كثير من الجاهلين بالسنة، المتقنين لوضع هذه القصص بالأسلوب الذي يرغب فيه الجمهور، فيضعون من قصص الأنبياء المشتملة على الكذب ما يكون أروج عند طلاب الكسب بالتمثيل، فيكون وضع الصحيح ذريعة إلى هذه المفسدة.
فعلم من هذه الوجوه: أن جواز تمثيل قصة رسول من رسل الله عليهم السلام - يتوقف على اجتناب جميع ما ذكر من المفاسد وذرائعها؛ بحيث يرى من يعتد بمعرفتهم وعرفهم من المسلمين أنه لا يعد إزراء بهم، ولا منافيا لما يجب من تعظيم قدرهم، صلوات الله وسلامه عليهم وعلى من اهتدى بهم .