القراء الكرام......السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
....زارني أحد الأصدقاء القدامى ع/ عبد الرزاق رفقة الأخ م/ عبد الستار بمسكني الكائن بحي المستقبل بلدية العالية ، هذا الصديق هو صديق الطفولة بمدينة تقرت حيث كنا نقيم هناك في الستينيات من القرن الماضي وكانت له دراجة بيضاء كنا نركبها معا كنت أنا أقيم عند خالي أحمد حفظه الله بحي - لا سيليس - وكان هو يقيم مع والده الإمام بالمسجد الكبير والعتيق بمدينة تقرت في حي الإستقلال وكان ذلك منذ سنة 1964 الى غاية 1967 عندما غادرت مدينة تقرت وسافرت الى مدينة الأغواط حيث إلتحقت بدار المعلمين المساعدين .....ولم أعد أرى ذلك الصديق إلا في بعض المناسبات النادرة من أقراح نضرا لكونه هو أيضا تحول الى مدينة ورقلة ثم غرداية حيث يقيم والده تبعا لوظيفة المسجد ثم تزوج وتحول الى - زرالدة بالجزائر العاصمة - الى يومنا هذا .
قلت لقد زارني هو ورفيقه المذكور في بحر هذا الأسبوع فقط ليلا من الساعة 21:10 الى غاية 23:50 حيث صينية الشاي أمامنا وكان هو مدخنا - عفانا الله وإياكم - فمنعته من تعاطي سجارته داخل المنزل منعا باتا ونصحته بالعدول عن التدخين لكونه أصبح من المحرمات بفتوى إجماع علماء المسلمين مؤخرا نظرا للمضار الجسمانية والروحانية بصرف النظر عن الجانب المادي ، وبقينا نتجاذب أطراف الحديث ومن جملة ذلك سألني عن سبب خروجي المسبق من وظيفة التعليم فقلت له لما سمح القانون بذلك فلماذا أبقى ؟ قال : لقد تركت المجال وحرمت نفسك من الزيادات المادية مؤخرا والتي ظفر بها زملاؤك من بعدك ، فقلت له لم يبق هناك ما يشجع على البقاء في ميدان التعليم فقال لي ما السبب ؟ فقلت له : لم يعد المنهاج منهاجا هادفا ولم يعلد الولي وليا حقيقيا ولم يعد التلميد تلميذا حقيقيا فالكل في نظري لا طائل من ورائه يرجى....ألم تر يا صديق ما نحن فيه من تفكك وتشرذم وشيوعا للمخدرات والفسق والفجور والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق وتعاطي الرشوة والتعامل بالربا بصرف النظر عن الفساد الإداري والمالي.....أيعجبك أن رئيسنا يتداوى في الخارج وليس الخارج فقط بل عند أعداء الأمس وأعداء اليوم واعداء الغد.....لدينا من المال ما يكفي لبناء كل ما نحتاج إليه من مؤسسات صحية وغيرها...ولدينا من المؤهلات والإمكانات ما يغنينا عن العالم الأوروبي وغيرها ...لماذا نبقى دوما منبطحين وخاضعين وخانعين وتابعين للغرب ....أيعجبك هذا يا صديقي؟...فالمعلم اليوم مهان والأستاذ مهان .....فكل مانراه في بلدنا من غرائب وعجائب هو من نتاج البرامج التعليمية الفاسدة والمستوردة من مزبلة أوربا .
يقال أن التلميذ لا يضرب ولو بزهرة.....وما الى ذلك من الخزعبلات....وعلى ذكر هذا حكي لي صديقي حكاية عندما كان دراسا في ثانوية الأمير عبد القادر بمدينة تقرت والتي كان بها مراقبا عاما حفظه الله - درويش...... - حيث أن هذا الصديق يحكي ويقول : لما كنت تلميذا بهذه الثانوية وتغيبت من غير عذر ومن غير سبب فلم يسمح لي بمواصلة الدراسة وطلب مني المراقب العام المذكور إحضار والدي وترجيته كثيرا ولم يقبل وقلت في نفسي لا أحضر والدي ولا أقول له ...فإن أنا فعلت فسوف يعاقبني عقابا شديدا لا طاقة لي بتحمله، ففكرت مليا واتصلت بشيخ كبير طاعن في السن يعمل إسكافيا في سوق الخضر وعرضت عليه على أن يرافقني الى الثانويه على أنه والدي وترجوته وقلت له أنا يتيما لا أب لي ولا أم ولم يسمح لي المراقب بالدخول فالرجاء أن تلبي طلبي ولا تتركني مكسوفا في الشارع ، فاقتنع الإسكافي ورافقني الى المؤسسسة ، وما أن رآني المراقب حتى فاجأني قائلا : أأحضرت والدك ولي أمرك ؟ فقلت نعم سيدي ، هذا هو والدي ، فسكت المراقب ثم أدخل ذلك الشيخ الى المكتب وأغلق الباب وقال للشيخ ألا تستحي بانتحالك شخصية ولي أمر هذا التلميذ المحتال الذي إحتال عليك وجاء بك الى هنا ؟ فإني أعرف والد هذا المحتال وأصلي خلفه دوما في المسجد العتيق ، هيا أخرج من هنا سرعا وإلا أعلمت الشرطة بفعلتك الشنعاء لتلقى العقوبة المناسبة ، هيا أغرب عن وجهي .
ولما غادر ذلك الشيخ المكتب مسرعا مهرولا بعد أن نظر الي نظرة وعيد جاءني المراقب ولطمني عن وجهي لطمة كدت أفقد فيها صوابي وقال : يا محتال ويا صاحب سوء الفعال أتظن اني لا أعرف أباك إمام المسجد العتيق والذي أصلي خلفه جل صلاواتي ؟ أتعتقد بأن حيلك هذه تنجيك من سخطي عليك ....لقد أرسلت مع إبن عمك ع/ نور الدين الى والدك ليحضرهنا في المساء وسوف ترى ، ولن تغادر المؤسسسة وها أنا معك الى ان يحضر والدك....وفعلا بقيت بالمؤسسة دون غداء الى ان حضر والدي في المساء بعد صلاة العصر وأبلغه المراقب العام بكل ما جرى مني ، وما هي إلا دقائق معدودات حتى خرج من الكتب والدي ونظر الي نظرة فهمت منها أني مستهدف بعقوبة من طرفه ليس لها نظير...لكن تملكني الخوف وتبولت بولة مقدار لترين إكتسحت ساحة المكتب وجزء وفير من البهو....فقلت في نفسي لعل بولتي هذه تجعل المراقب يعطف علي ويسامحني ويتركني أغادر المؤسسة دون ضرب....لكنها لم تشفع وأخذت النصيب الأوفر من اللكمات والركلات حتى كادت عظامي تنصل من بعضها البعض ، ولما وصلت الى الدار وجدت والدتي وجهها مكفهر وعليه سحاب مركوم من شدة الغضب والشرر يتطاير من عينيها كاللهب ورمت الي بشيء قليل من الغداء باردا ولم تكلمني وهي علي غاضبة فتناولت ذلك الغداء وجاءني طعمه مر مرارة العلقم فضحكت من الحزن ومن شدة ما حل بي ، فقالت أمي أتضحك يا بارد الوجه...يا برهوش....الليلة ستنال جزاءك الأوفر من عند والدك فسوف يعجنك عجنا....فخير لك ألا تبيت هنا الليلة حتى يهدأ غضبه إنه كالبركان الهائج...فقلت يجب ان ابيت عند إبن عمي ع/ نور الدين فقالت المهم ألا أراك هنا ...إذهب حتى الى الجحيم . ..هذا ما كان من قصتي مع المراقب .
أما القصة الثانية فوقعت مع أحد إخوتي ع/ عبد العالي الذي تعرض - للفلاقة - من طرف مقريء القرءان حتى إنتفخت رجلاه وفي الصبيحة لم يقدر على المشي حتى يلتحق بالكتاب هذا بحسب رأي الأم ، فلقد أحضر الوالد الإمام نقالة كانت تستعمل لرمي الزبالة فحمل فيها الوالد التلميذ ع/ عبد العالي الى الكتاب ومن خلال الباب أفرغ الوالد الحمولة ورمى بها في الداخل تماما كما ترمى الزبالة وقال للمعلم زده واشبعه ضربا إن هو خرج عن المألوف.
العبرة عندنا من القصتين هو أن المعلم كان في المستوى والأستاذ في المستوى والتلميذ في المستوى والأب في المستوى ....والكل في الستوى المطلوب يلعب دوره كما ينبغي وللعلم قيمة.....أما اليوم فنرى عكس ذلك.....فلما البقاء يا سيدي في قطاع التعليم ؟
من إعداد المدون / تيجاني سليمان موهوبي
mouhoubi51blogspot .com