ولد رمضان حمود في سنة 1906 بمدينة غرداية في بيئة محافظة، وكان لجده ووالده فيما يبدو أكبر الأثر في تنشئته هذه النشأة الصالحة بما زرعوه في نفسه منذ الصغر من استقامة في الدين، وتمسكه بالأخلاق الكريمة وحب الوطن، ولما بلغ السادسة من عمره اصطحبه والده معه إلى – غليزان – حيث كانت تجارته، عندها التحق حمود بإحدى المدارس الفرنسية هناك وقد شهد له بالذكاء والنبوغ منذ الصغر، كان مثالا للنشاط في فصله والاعتناء التام بدروسه، فطوى باجتهاده ومواهبه في سنتين اثنتين ما يطويه غيره من التلاميذ في أربع سنوات، وهو ما جعل معلميه يخصونه بالمحبة والعطف ويضربون به المثل في حب التحصيل عندما يريدون تحفيز تلاميذهم، ولكنه اصطدم منذ مراحل التعليم الأولى بمأساة التعليم في الجزائر المستعمرة، حيث غدا التلميذ ممزقا في أغلب الأحيان بين تعليمين أحدهما فرنسي عصري المناهج والأساليب ولكنه يهدم الروحيات و مقومات الشخصية الجزائرية هدما، و ثانيهما عربي حر، والذي عرفته الكتاتيب والمساجد وبعض المدارس الخاصة ولكنه عقيم الأساليب ضعيف المناهج .ونتيجة لذلك قرر والده أن يبعث به إلى تونس، وكانت آنذاك قبلة كل شغوف بالمعرفة، فانظم حمود إلى أفراد البعثة التعليمية التي كان يرأسها الشيخ أبو اليقظان والشيخ أبو إسحاق أطفيش والشيخ محمد الثميني .فكونته المطالعة والأندية الأدبية وأبرز مواهبه الشعرية ورباه مشايخه في البعثة وزرعوا فيه حب الاستقامة خلقا ودينا وبثوا في نفسه حب التضحية و تقلب هناك في مدارس منها السلام، فالمدرسة القرآنية الأهلية ثم المدرسة الخلدونية ثم الجامع الأعظم، درس الخط العربي و برع فيه، كما درس مبادئ في الجغرافيا والتاريخ ثم النحو والصرف و التشريح و الهندسة، وفي القسم الثاني العلوم الطبيعية بأسرها، فكون مع بعض إخوانه الطلبة في البعثة ( جمعية أدبية وطنية )، حيث كان من أبرز عناصرها، ولكن مرض السل الخطير بدأ ينهش رئتيه وهو ما يزال طالبا في تونس لم تسلمه مخالبه إلا بعد أن مزقته، وأخيرا انطفأت شعلته .
ضرورة الاحتكاك بالآداب الغربية
إن الشعر الجزائري أبان في الثلاثينات أن أقل ما يقال عنه أنه شعر تقليدي محافظ ينتمي الى الكلاسيكية الجديدة عند شباب الحركة الإصلاحية، ويرتد إلى عصر الانحطاط عند غيرهم ونتيجة لذلك فإن الدعوة الجريئة والصريحة إلى الاتصال بالغرب إنما أتت من رمضان حمود الذي جهر بدعوته في وقت كان النقد والأدب في المغرب العربي عبارة عن اجترار للقديم، وفي هذا الوقت المبكر فهم حمود أن السبيل الوحيد هو تحرير الأدب من قيود الماضي وما يطلق عليه بالجمود والتقليد الأعمى، ويظهر ذلك من خلال قوله: " أنا لا أقصد بالترجمة الترجمة اللفظية و الاختلاس والمسخ وقتل الأدب بالسيوف العجمية شر قتلة ...بتحطيم الأوضاع والقواعد الأساسية والبلاغة العربية و الامتيازات والفروق التي بني عليها كل قوم... ولكن أقول وأكرر بكل حرية، وأتفوه بما أعتقد... إن الأدب العربي مريض ومشرف على الهلاك إن لم يتداركه أبناؤه في عصر خالف تمام الاختلاف عصوره المتقدمة فهو يحتاج إلى دواء ناجع يوافق علته ومزاج طبيعته المنغمسة في حالة الجو الحار، إن لكل زمان رجالا ولكل أدب مخصوصا به لا يزن أن يقلده الجيل الذي يليه. بيد أن دعوته لا تعني أن الأدب العربي ضيفا يحتاج إلى توسيع أو معوزا يفتقر إلى ثروة أو خامل الفكر لا بد له ممن يرفع صوته ليعرفه الناس، ولكن الأدب الجزائري في نظره أصيب بانتكاسة شديدة، فهو في حاجة ماسة إلى البحث عن علاج، وهذا لا يمكن إلا بالاحتكاك بالآداب الأجنبية، و إنما ركز هو وزملائه على قضية تطور كلّ أدب ،ثم تساءل عن العوامل النفسية لتشبث بعض الأدباء بالقديم، فيقول: " وهل قوة الإدراك في تقهقر مستمر، حتى أن المرء لا يفعل شيئا إلا ويسأل: هل فعله القدماء أم لا ؟، وهل هو مطابق لإرادتهم أم لا ؟، وهل القدماء رمز على العلم و الاختراع و المتأخرون على الجهل والإتباع ؟، وهل خلق الإنسان ليكون ذيل غيره وغيره هو الرأس ؟، وهل يدوم بناء بغير ترميم وتجدد مهما كانت صلابته و قوة مشيده؟.
[rtl]لم يهتم حمود في نقده برسالة الشعر ومضامينه وحدها، و إنما اهتم بشكل القصيدة أيضا ذلك لأنه لم يفصل قط بين الشكل والمضمون فهما عنده متكاملان متلاحمان في نسيج واحد، إذ يرى بأنه لا يمكن أن تكون هناك جدة أو تطور في أحدهما دون الآخر، ومن ثم كان لا بد من العناية ببعض القضايا الفنية المحضة، وأهم هذه القضايا كما يتجلى من خلال النصوص قضية الصدق الفني التي عرفت هي الأخرى نقاشا حادا بين القدامى والمحدثين في الشعر العربي، لهذا فإن رمضان حمود يريد أن يشير إلى أن العملية الشعرية هي الأساس في القصيدة الشعرية سواء كانت ذاتية الإنسان المتمدن أو المتوحش، وإن كل ذلك يظهر بالممارسة، وما دام أن الشعر مصدره النفس الإنسانية، فإن المثقف والعامي فيه سيان، فكلاهما يرسل كلامه من نفس متقدة وروح ملتهبة وقلب مملوء إحساسا وشعورا فتقبله أسواق الأفئدة والصدور. إذن، مصدر الشعر النفس والروح والقلب ومادته الإحساس والشعور، وهذا لا يتأتى إلا بالاحتكاك والممارسة، ومن هنا فإنه في نظره أيضا أن الشعر سطر بريشة الشعور على صحائف لغات الأمم الخاصة بها..[/rtl]
[rtl]الإلهام والموهبة
[/rtl]
ويترتب عن التحديد السابق للأدب بعامة والشعر بخاصة، إن نقاد الاتجاه التأثري في المغرب العربي نظروا إلى الشعر على أنه إلهام، أي أنه موهبة منحها الإنسان لتصوير ما يضطرب في نفسه من مشاعر وعواطف، لهذا فإن رمضان حمود نظر في هذه القضية معتمدا على الناقد الفرنسي المشهور شابيلين، فقال: " إن الشعر هو النطق بالحقيقة، تلك الحقيقة العميقة الشاعر بها القلب، والشاعر الصادق قريب جدا من الوحي"، فالشعور في نظر هذا الناقد الجزائري ليس عملا يمكن أن يقوم به من شاء من الناس بل هو إلهام تولده الطبيعة في نفس الشاعر. لهذا فإن حمود تجنب استخدام كلمة وحي حتى لا يؤدي به إلى مجابهة رجال الإصلاح ،خاصة وأنه يشاركهم في كثير من مواقفهم، قال ذلك حتى يتجنب الشاعر التصنع، وأن يصور ما في نفسه من شعور صادق أو ما يسميه: " وحي الضمير وإلهام الوجود "، والحق أن نظرته هذه تكتمل مع شخصيته تمام الاكتمال فقد عرف عنه كره شديد للنفاق والدجل ومقت قوي للتقليد والجمود .أو لم يقل عن مذهبه الفني:" و لست من الذين يكتبون للتسلية والترويح عن النفس، ولا الذين يتذللون بالعبارات المنمقة الرقيقة، ولكن أكتب لأفيد وأستفيد لا ليقال إنه كتب، بل ليقول لي ضميري أنك قمت بواجبك و أديت ما عليك فكن مطمئنا". والصدق عنده أساس نجاح التجربة الفنية بصفة عامة، لذلك فإن الشاعر من هذه الوجهة لا يختلف عن الرسام في شيء، فكما أن الرسام لا ينجح إلا إذا تزود بطاقة حية من الشعور، وكان المنظر الذي يريد رسمه حاضرا في ذهنه و أمام عينيه، كذلك الشاعر لا طاقة له على امتلاك العقول والأخذ بأزمة النفوس إلا إذا أجاد تصوير العواطف الهائلة التي تقوم في ميدان صدره الرحب عندما يريد أن يعرب للسّامع عن خواطره الخاصة أو العامة لا مجرد تنسيق و تزويق وتكلف مشين وكذب فادح، لأن هذا مما ينقص من قيمة الشعر والشعراء في الأمة النبيهة.
[rtl]الموقف من لغة الشعر
وكل ما كان يهم رمضان حمود وزملاؤه أن تكون اللغة بسيطة، وأن يكون الأسلوب غير معقد أو بعبارة أخرى عدم تكلف الشاعر في التعبير عما في نفسه من أحاسيس لهذا يخاطب من يصفهم بالأحداث قائلا : "فيا أيّها الأدباء الأحداث انبذوا عنكم التكلف و التنطع في اللغة، و أفرغوا المعنى الجميل في اللفظ الجميل"، فحمود لا يريد أكثر من الصدق في التعبير، و هو الصدق الذي إن أخذ به الشاعر جنبه التكلف و التنطع في اللغة، و جعله يعبر عن نفسه بدل أن يبقى ظلا لغيره من الأدباء، فاللغة التي يفضلها هي التي تتماشى و روح العصر المتطورة معه المستجيبة لمتطلباته، لغة سهلة التناول من طرف المتلقين بسيطة تصل إلى النفس الإنسانية بدون جهد أو تكلف، فهي لا تتعالى بكلمات غريبة معقدة كما لا تنزل إلى عامية شوهاء مبتذلة، إنها اللغة الوسطى كما يعبر عنها اليوم، حيث يرى رمضان حمود بأنه: "لا يسمى الشاعر شاعرا عندي إلا إذا خاطب الناس باللغة التي يفهمونها بحيث تنزل على قلوبهم نزول ندى الصباح على الزهرة الباسمة، لسنا في حاجة لأن يكلمنا الشاعر في القرن العشرين بلغة امرئ القيس و طرفه و المهلهل الجاهليين الغابرين ". و من الواضح أنه لم يدع إلى لغة دارجة أو عامية كما دعا إلى ذلك بعض النقاد في المشرق العربي في تلك الفترة بالذات لأن الحفاظ على اللغة عنده هو حفاظه على القومية و الأصالة و الشخصية، و يتجلى ذلك في هده الدعوة التي وجهها إلى الأدباء و الشعراء قائلا:" أجهدوا أنفسكم في درس لغتكم، في فهم أسرارها، في تدقيق معانيها، في إتقانها غاية الإتقان فإذا تم لكم المراد و استحوذتم على جانب وافر منها، أنبذوا عنكم كل صلة بينكم و بين ماضيها اجعلوها وسيلة إلى نيل مآربكم لا غاية تتجاوزونها، غيروا، فننوا و اسعوا، أصلحوا فإنكم بذلك تكونون عصرا: أنت ما يحلو لك".
التصوير و التعبير في الشّعر
لقد التفت النقاد التأثريون في المغرب العربي إلى جوانب أخرى في الشعر، فبالإضافة إلى النظر في الوزن و اللغة و الذوق و الإحساس و العاطفة، نظروا كذلك فيما أطلقوا عليه أحيانا (الصورة الشعرية ) وأحيانا (التصوير الشعري)، لذلك فان رمضان حمود اعتبر الشاعر و المصور أجيرين للفن و الجمال و كلاهما مدين بالإجادة و التدقيق في النظر و البحث، فهذا في المحسوسات و ذاك في المعنويات ،و إذا كان التصوير يستلزم بالإضافة إلى الشعور حواس متطورة قادرة على التقاط الجزيئات الدالة فإن التصوير في المعنويات يقتضي من الشاعر التأمل و مراجعة النفس في الحالات الرقيقة أو المتشابهة كما يتطلب منه إجادة استعمال العقل الباطن في هضم المادة التي يستند عليها عمل الشاعر في البداية و تكييفها، لذلك فهو يقول:" فكذلك الشاعر لا طاقة له على امتلاك العقول و الأخذ بأزمة النفوس إلا إذا أجاد تصوير تلك الوقائع الهائلة التي تقوم في ميدان صدره عندما يريد أن يعرب للسامع عن خاطر من خواطره الخاصة أو العامة كانت (كدّا)، لا مجرد تنميق و تزويق مشين ". و هذا يقودنا إلى الحديث عن الصدق، و بالتالي يقودنا إلى الحديث عن العاطفة و دورها في إبراز الصورة الشعرية تلك القضية التي وجدت كل الاهتمام من رمضان حمود حين اعتبر العاطفة أول عنصر يساعد على إنجاح الشعر و إخفاقه ،و قد حذر الأديب الناشئ من أن يتقدم إلى مهنة الشعر و الأدب بزاد النحو و الصرف أو العروض و القوافي أو البلاغة و المادة اللغوية...، ما لم يسعف كل ذلك في نفسه وازع قوي نحو التجربة الأدبية، فهو ليس بضاعة كما يقولون، و لكنه إلهام و جداني و وحي الضمير... إن الأدب الذي لا يصدر عن نفس حساسة في نفحاتها لا يتسرب إلى أعماق النفوس الحية بل لا يخلد طويلا و لا يلبث أن يقضي عليه سلطان النسيان و الإهمال. و الواقع أن المذهب الرّومانسي في الأدب كان يعطي أهمية عظيمة للصّورة الفنية و العاطفة في التجربة الفنية، و يعود هذا اعتبارا إلى طبيعة الرومانسية نفسها التي جعلت للقلب و الشعور أعلى قوة من العقل باعتباره هاديا للإنسان .
[/rtl]
[rtl]و الخلاصة بعد كل هذا، نستطيع أن نقول بأن رمضان حمود يعتبر بالنسبة للأدب الجزائري الحديث رائدا في ميدان النقد الأدبي، و لا سيما في مجال نقد الشعر فقد عالج قضايا جوهرية منها رسالة الشعر و دوره في الحياة، و أوضح ما في المضامين التقليدية من قصور كما عالج بعض القضايا المعنوية منها العاطفة و دورها في الشعر و قضية الصدق الفني و اللغة الشعرية، و كيف يجب أن تكون.
بقلم الأستاذ: الأخضر بن هدوقة – الجزائر[/rtl]
[rtl][size=32]من هو الشّاعر و النّاقد رمضان حمود؟..[/size][/rtl]
[rtl]ولد رمضان حمود في سنة 1906 بمدينة غرداية في بيئة محافظة و قد كان لوالديه و جده أكـبر الأثــر في تنشئته النشأة الصالحة و حب الوطن . و لما بلغ السادسة من عمره صاحب والده إلى غليزان فالتحق بإحدى المدارس الفرنسية هناك...
[/rtl]
اضغط على الصورة لقراءة القصيدة
[rtl]
وقد طوى باجتهاده في سنتين ما يطويه غيره في أربع سنوات فقرر والده أن يبعث به إلى تونس فانضم إلى أفراد البعـثة التعليمية التي يرأسها الشيخ أبو اليقظان و الشيخ أبو إسحاق أطفيش والشيخ محمد الثميـني و عمــره 16 سنـة. فتكون فيها أدبيا و فكريا و اجتماعيا و سياسيا. لم تدم إقامته بتونس طويلا لظروفه الصحية ، و بعد عودته إلى الجزائر سجنته السلطات الاستعمارية سنة 1925. و قد قضى بقية حياته يناضل من أجل إصلاح مجتمعه، حيث كان يعاني من مرض السل الذي أعيا الأطبـاء داؤه، فانطفأت هذه الشعلة من الطموح و الحماسة سنة 1929. و من آثاره الخالدة :
1 - بذور الحياة: خواطــــر في الأدب و الاجتماع.
2 - الفـــــــتى : محاولة قصصية تحكي حياة رمضان نفسه.
3 - قصائـــد شعرية : له حوالي 25 قصيدة في مختلف المواضيع.
4 - مجموعة مقــالات : أدبية و اجتماعية موزعة في مجلات