المزايا و الحوافز المؤثرة في تكوين مناخ الاستثمار
بالإشارة إلى بعض الاقتصاديات العربية: تونس و الجزائــر
إعداد الأستاذ : قويـدري محمد
أستاذ مساعد مكلف بالدروس ـ كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير ـ جامعة الأغــواط
المقدمــــة:
لقد اقتضى التحول في جغرافية الإنتاج الصناعي إلى تحرير التجارة، و إزالة الحواجز الوطنية أمام المنتجات الأجنبية، وتمكين رأس المال الأجنبي المباشر من التدفق و الاتجاه إلى أكثر البيئات ملاءمة للإنتاج و التسويق، و الحصول على أكثر الامتيازات المقارنة التي يمكن أن يمنحها البلد المضيف، بغرض استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة، و القوى البشرية ذات الكفاءات العالية، مع التأكد من توفر عوامل الضمانات اللازمة.
و استنادا إلى العديد من الآراء النظرية و الشواهد التطبيقية، يمكن للاستثمار الأجنبي المباشر أن يكون، في المدى الطويل ، عاملا مجزيا لتعزيز النمو القابل للاستمرار، وذلك لما يجسده من علاقات و روابط قوية بين البلد المضيف و الاقتصاد العالمي، كما يمكن أن تتجاوز هذه الروابط مجالات التكامل المالي و حركة عناصر الإنتاج، إلى فرص نقل التكنولوجيا من الدول المصدرة لرؤوس الأموال إلى الدول المضيفة.
و ضمن هذا السياق، شهد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول العربية تطورا ملحوظا حيث انتقلت من 0.25 مليار دولار عام 1995إلى نحو 6.03 مليار دولار عام 2001، وقد بلغ ذروته عام 1998، إذ وصل إلى حوالي 8.46 مليار دولار، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى القفزة النوعية التي شهدها حجم الاستثمارات الأجنبية في المملكة العربية السعودية الذي بلغ 4.29 مليار دولار. وتراجع بعد ذلك خلال عامي 1999 و 2000 إذ بلغ 4.28 مليار دولار و 2.42 مليار دولار على التوالي، إلا أن حجم الاستثمار في الدول العربية قد تضاعف بشكل ملحوظ عام 2001 بزيادة نسبتها 149% عما كان عليه عام 2000. ويعزى ذلك بشكل أساسي إلى الزيادة الملحوظة التي عرفتها الاستثمارات الأجنبية في كل المغرب عام 2001 ، إذ بلغ حجمها 2.66 مليار دولار مقابل 0.20 مليار دولار عام 2000، وكذلك الجزائر من 0.44 مليار دولار عام 2000 إلى 1.2 مليار دولار عام 2001 .
و على العموم فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في الدول العربية لم يتجاوز في أحسن أحواله 1.5% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم ( عام 1997 )، كما بلغ متوسط نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر من إجمالي الاستثمارات في العالم خلال الفترة 1995-2001 حوالي 0.65%، في حين قدر متوسط نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية خلال الفترة ذاتها حوالي 0.7% .
إن الأهمية النسبية للاستثمارات الأجنبية المباشرة لا تختزل في كونها آلية تمويلية فحسب، و إنما تتعدى ذلك للإسهام في زيادة الأصول غير المنظورة و المتمثلة أساسا في تعميق مفهوم تقليص نفقات الإنتاج عن طريق اقتصاديات الحجم، و تجسيد نظم التسيير المتقدمة، و ترقية أداء العنصر البشري، وتحفيز النشاط التصديري إلى الأسواق الأجنبية،ودعم القدرات التنافسية للاقتصاديات المضيفة. و لذلك ساد اتجاه تنافسي متصاعد بين الدول النامية، و منها الدول العربية ، بغرض تحسين بيئتها الاستثمارية و تقديم المزيد من الحوافز لرأس المال الأجنبي . وعلى هذا الأساس من المفيد أن نتساءل :
عن مدى قدرة و فعالية الحوافز المعتمدة في الاقتصاديين محل الدراسة ، على اجتذاب رأس المال الوطني و الأجنبي ؟ وهل المزايا و الحوافز الممنوحة للاستثمارات الأجنبية كفيلة بتحسين وضع الدولتين ضمن المؤشرات الدولية؟
إن محاولة الإجابة على الإشكالية السابقة ، تقودنا إلى تحليل جوانب الموضوع من خلال المحورين التاليين :
أولا : مفهوم المناخ الاستثماري و مقوماته ، تحليل نظري ؛
ثانيا : مزايا و حوافز الاستثمار الأجنبي في الاقتصاديين محل الدراسة : تونس و الجزائر .
و فيما يلي تحليل لكل محور على حده .
أولا: مفهوم المناخ الاستثماري ومقوماته
I-التعريف : لقد تطور مفهوم المناخ الاستثماري تدريجيا إلى أن أصبح يشتمل على توليفة مركبة من العوامل الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية التي تسعى من خلالها الجهات الوصية إلى الترويج للقطر و للفرص الاستثمارية.
هناك أكثر من تعريف للمناخ الاستثماري، يمكننا الإشارة إلى تعريفين فقط ، هما:
التعريف الأول: يقصد بالمناخ الاستثماري » مجمل الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية المؤثرة على توجهات حركة رؤوس الأموال، ذلك أن رأس المال عادة ما يتسم بالجبن و يتحرك من الأوضاع السيئة إلى الأوضاع الأحسن حالا « .
التعريف الثاني: يقصد بالمناخ الاستثماري » مجمل الأوضاع و الظروف المؤثرة في اتجاه تدفق رأس المال و توظيفه ، و تشمل هذه الظروف الأبعاد السياسية ، و الاقتصادية ، و كفاءة و فعالية التنظيمات الإدارية ، التي يجب أن تكون ملائمة و مناسبة لجذب و تشجيع الاستثمارات المحلية و الأجنبية « .
II – مقاومات المناخ الاستثماري : يرتكز المناخ الاستثماري الجاذب لرؤوس الأموال الوطنية و الأجنبية على عدة مقومات، نوجز أهمها فيما يلي:
1 – المناخ السياسي و الأمني:
هناك مجموعة من العوامل تؤثر على مدى ملاءمة المناخ الاستثماري، حيث عدم توافر الاستقرار السياسي و الأمني،يؤدي إلى خفض معدلات الادخار و بالتالي خفض معدلات الاستثمار. و بذلك يفقد المستثمر الثقة في استقرار الجهاز الحاكم،الأمر الذي يدفعه إلى توطين أصوله الاستثمارية في المناطق الأكثر استقرارا و أمنا.
و يتأثر المناخ السياسي و الأمني بمجموعة من العوامل، نوجزها فيما يلي :
أ – النمط السياسي المتبع من حيث كونه نظاما ديموقراطيا أو دكتاتوريا؛
ب – موقف الأحزاب السياسية تجاه الاستثمارات الأجنبية؛
ج – درجة الوعي السياسي من حيث الرغبة في السماح للاستثمارات الأجنبية للمشاركة في عملية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؛
د – دور المؤسسة العسكرية في إدارة شؤون البلد المضيف و درجة الوعي السياسي لديها و مدى تفهمها لمشاكل التنمية الاقتصادية.
2 – المناخ الثقافي و الاجتماعي:
يشتمل هذا المناخ على مجموعة من العوامل المؤثرة على نشاط المشروع و إمكانية تكامله و مقدار التعاون المطلوب، و يبرز ذلك من خلال:
أ – دور السياسة التعليمية و التدريبية و التكوينية المعتمدة؛
ب – درجة الوعي بعناصر و مقومات التقدم الاقتصادي، و درجة تفهم و تعاون أفراد المجتمع لنشاط الشركات الأجنبية؛
ج – دور الجمعيات و النقابات العمالية في تنظيم و تحسين القوى العاملة ؛
د – درجة الوعي الصحي، و مقدار التأمينات الاجتماعية المتبعة.
3 – المناخ الاقتصادي: ويمكن إجمال أهم العوامل المؤثر في المناخ الاقتصادي ضمن الآتي:
أ – مقدار الموارد الطبيعية المتاحة داخل البلد ؛
ب – مقدار البنية التحتية و مدى صلاحيتها؛
ج – درجة المنافسة المتاحة داخل الدول و القدرة على مواجهة المنافسة الخارجية؛
د – مرونة السياسة المالية و النقدية، و ما تحتويه من تحفيزات ؛
هـ – درجة وضوح و استقرار قوانين الاستثمار و مقدار القيود المفروضة على رأس المال المستثمر؛
و – مدى كفاءة البنوك و قدرتها على توفير المعلومات للمستثمر و معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية، و مدى كفاءة سوق المال داخل الدولة ؛
ز – مدى استقرار السياسات السعرية و معدلات التضخم ؛
ح – درجة الحماية المتبعة داخل الدولة ، من حيث ضمان حقوق المستثمرين في تحويل رأس المال و الأرباح.
ثانيا: مزايا وحوافز الاستثمار في الاقتصاديين محل الدراسة ، الاقتصاد التونسي و الاقتصاد الجزائري :
بغرض تشجيع الاستثمار الوطني و استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ،دأبت الاقتصاديات العربية – و بشكل متسارع – في اعتماد جملة الإجراءات و التدابير الكفيلة بتهيئة مناخ الاستثمار و تقديم مختلف أشكال الحوافز . و ذلك عن طريق :
• إزالة القيود الضريبية و الجمركية على راس المال المستثمر ؛
• منح رؤوس الأموال المستثمرة والإعفاءات الضريبية الملائمة ؛
• تشجيع المشروعات الأجنبية على إعادة استثمار أربحها في الدول المضيفة ، وذاك بإعفاء ما قد يعاد استثماره منها من الضرائب ؛
• القضاء على الإزدواج الضريبي الدولي الذي قد تتعرض له رؤوس الأموال الأجنبية .
وضمن هذا السياق ،سنتناول أهم الحوافز التي تضمنتها تشريعات الدولتين محل الدراسة وهما تونس ، و الجزائر .
I ـ مزايا وحوافز الاستثمار في تونس :
بغرض تحفيز الاستثمار ودفع المسار التنموي ، اعتمدت تونس خلال السنوات العشرة الأخيرة ، عددا من الإجراءات و التدابير كان من أبرزها إصدار قانون موحد للاستثمار سنة 1993 . و الذي غطى معظم القطاعات بإستثناء أنشطة الخدمات المالية ، والطاقة والمناجم والتجارة الداخلية . وقد اشتمل هذا القانون على العديد من الحوافز حسب عدد من الأولويات ، نذكر منها :
التصدير ، والتنمية الجهوية ، والتنمية الزراعية ، وحماية البيئة ، وتطوير التكنولوجيا ، ومساندة التنمية في ميادين التربية والتعليم العالي، والتكوين المهني ، والصحة ، والثقافة .
و فيما يلي نتناول أهم المزايا و الحوافز المعتمدة :
I ـ1 / الحوافز الممنوحة للتنمية الجهوية : حيث اشتملت على ما يلي
أ ـ الطرح الكلي للمداخيل والأرباح من أساس الضريبة خلال العشر سنوات الأولى، وطرح نسبة 50 % منها خلال العشر سنوات الموالية ؛
ب ـ مساهمة الدولة في تحمل المصاريف الناتجة عن أشغال البنية الأساسية ؛
ج ـ طرح الأرباح و المداخيل التي يقع استثمارها ؛
د ـ تتراوح منحة الاستثمار بين 15 و25 % من تكاليف المشروع حسب موقعه ؛
هـ ـ تتكفل الدولة بمساهمة الأعراف في النظام القانوني للنظام الاجتماعي لمدة خمس سنوات ابتداء من الدخول في طور الإنتاج .
I ـ2/ الحوافز الممنوحة للنهوض بالتصدير : وقد اشتملت على ما يلي :
أ ـ إعفاء التاجر من الرسوم و الضرائب الموظفة على المواد الأولية و المواد النصف مصنعه و الخدمات الضرورية الإنتاج ؛
ب ـ الطرح الكلي للأرباح من الضريبة خلال العشر (10)سنوات الأولى ، ويصبح هذا الطرح 50 % ابتداء من السنة 11 ولمدة غير محددة ؛
ج ـ الإعفاء الكلي للمداخيل والأرباح التي يقع استثمارها من أساس الضريبة ؛
د ـ إمكانية التسويق في تونس 20 % من رقم المعاملات التصدير.
I ـ 3 / الحوافز الممنوحة للتنمية الفلاحية : وتتمثل أساسا فيما يلي :
أ ـ طرح كل المداخيل و الأرباح المتأتية من هذه الاستثمارات من أساس الضريبة خلال العشر (10)سنوات الأولى ابتداء من تاريخ الدخول في طور الإنتاج ؛
ب ـ يستفيد الاستثمار من منحة قدرها 7 % من تكاليف المشروع ؛
ج ـ تتحمل الدولة مصاريف البنية الأساسية بالنسبة للاستثمارات المنجزة لتهيئة مناطق تربية الأسماك و الأحياء المائية ، أو لتهيئة مناطق الري بالمياه الساخنة؛
د ـ منح 8 % لفائدة المشاريع المنجزة بالمناطق ذات الظروف الصعبة .
I ـ4 / الحوافز لمساندة التنمية :
أ ـ الإعفاء من الرسوم الجمركية ومعلوم الاستهلاك و توقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة بالنسبة للتجهيزات ؛
ب ـ طرح الأرباح من أساس الضريبة على الدخل في حدود 50 % ؛
ج ـ تخفيض الأداء إلى نسبة 10 % فيما يتعلق بالمداخيل و الأرباح .
I ـ 5 / الحوافز الممنوحة لحماية البيئة :
أ ـالاعفاء الكلي من الرسوم الجمركية، وتوقيف العمل بالأداء على القيمة المضافة ومعلوم الاستهلاك ؛
ب ـ طرح نسبة 50 % من المداخيل والأرباح الصافية الخاضعة للضريبة ؛
ج ـ تخفيض الأداء إلى نسبة 10 % فيما يتعلق بالمداخيل و الأرباح ؛
د ـ منحة استثمار بنسبة 20 % من تكاليف المشروع .
بالإضافة إلى ما سبق عملت الجهات الوصية في تونس على منح العديد من التسهيلات والضمانات للمستثمر الأجنبي، تتلخص أساسا في :
أ – حرية تحويل الأرباح وقيمة بيع الأصول بما في ذلك فائض القيمة ؛
ب ـ حماية حقوق الملكية الصناعية ؛
ج ـ عدم الازدواج الضريبي ؛
د - الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها ؛
هـ- تغطية المخاطر غير التجارية .
إن سلسلة الإجراءات والتدابير المعتمدة في تونس، مكنت من زيادة تدفق حجم الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث قفز من 668 مليون دولار عام 1998 إلى نحو 821 مليون دولار عام 2002 . كما تطورت الاستثمارات العربية في تونس بمعدلات معتبرة، حيث بلغت عام 1995 54.7 مليون دولار فيما وصلت عام 2002 نحو 75 مليون دولار .
لقد مكنت هذه الاستثمارات من إحداث أزيد من 154 مؤسسة برأس مال عربي ، حيث تنقسم إلى 50 مؤسسة مصدرة كليا ، و104 مؤسسة مصدر جزئيا . ويستقطب قطاع السياحة أهم قسط من الاستثمارات بنسبة 68 % ، يليه قطاع الصناعة بنسبة 28 % ، ثم قطاع الفلاحة 6% .
لقد استطاعت هذه الاستثمارات من توفير نحو14612 منصب شغل ، يساهم قطاع السياحة بأوفر قسط فيها . كما تساهم الاستثمارات العربية في تنشيط السوق المالية ، حيث بلغت هذه الاستثمارات في هذا المجال 30.6 مليون دولار عام 1998 .
بالإضافة إلى الدور الهام الذي تقوم به المؤسسات البنكية المشتركة التونسية العربية في تطوير الاستثمارات الأجنبية و العربية بتونس ، عن طريق تشخيص المشاريع وعرضها على المستثمرين العرب والأجانب للإنجاز في شكل شراكة . وتجدر الإشارة هنا إلى أن القطاعات التي يمكن أن تحظى باهتمام المستثمر الأجنبي والعربي ، تعتبر قطاعات واعدة ، تتوزع على الصناعة، والزراعة، والخدمات ، والسياحة .
كما أن انفتاح تونس على محيطها الإقليمي في إطار الشراكة الأورومتوسطية و ارتباطها بعدد من الاتفاقيات التجارية التفاضلية مع الدول المغاربية و العربية ، فضلا على انضمامها إلى المنظمة العالمية للتجارة ، قد مكنها من تحقيق مناخ ودي اتجاه المستثمرين الأجانب ، حيث جاء في التقرير الذي أعدته الندوة الاقتصادية العالمية بدافوس (DAVOS) لسنة 1998 حول القدرة التنافسية في إفريقيا، أن تونس تحتل المرتبة الثانية في هذا المجال بعد جزر الموريس باعتبار النمو الاقتصادي ، ومستوى الدخل ومؤهلات الموارد البشرية .
علاوة على هذا ، صنفت تونس كأفضل بلد ، استنادا إلى أربعة وعشرين مؤشرا من مجموع ستة وثمانين تم اعتمادها في التقرير المذكور، تخص أساسا الانفتاح الاقتصادي ومستوى البنية الأساسية و مؤهلات الموارد البشرية بالإضافة إلى الإطار القانوني و المؤسساتي .
و بشهادة المؤسسة الأمريكية The Heritage Foundation صنفت تونس خلال عام 2002 ضمن الدول ذات الاقتصاد الحر شبه الكامل ،حيث رتبت الأولى في إفريقيا ، والسابعة عربيا، و الثامنة والستون عالميا .
و على العموم ، فإن مناخ الاستثمار في تونس يتسم بالجاذبية و الملائمة ، و يبقى على الجهات الوصية العمل على تطويره و تكييفه مع مقتضيات الاستراتيجية التنموية للبلد من جهة ، و تطلعات المستثمرين من جهة أخرى .
II ـ مزايا و حوافز الاستثمار في الجزائر :
ضمن التوجيه الرامي إلى تشجيع الإستثمار المحلي و استقطاب المزيد من رأس المال الأجنبي ، ما فتئت الجزائر في تطبيق الإجراءات و التدابير ذات الأبعاد التصحيحية ، مستهدفة الحد من التشوهات الهيكلية و إعادة تأهيل المؤسسات الإقتصادية ، بالإضافة إلى تقديم المزيد من الضمانات لفائدة المستثمرين (الوطنيين و الأجانب) مع تسهيل و تبسيط الإجراءات . و في هذا الصدد تم إصدار المرسوم التشريعي رقم: 93-05 المؤرخ في 05 أكتوبر 1993 و المتضمن انشاء وكالة ترقية الإستثمارات و دعمها و متابعتها (APSI) ، حيث تمثلت مهامها أساسا في :
أ ـ دعم و مساعدة المستثمرين ، و منح المزايا الخاصة بالاستثمارات ؛
ب ـ تزويد المستثمر بالمعلومات ذات الطابع الإقتصادي و التقني و التشريعي و التنظيمي ؛
ج- إجراء التقويم المطلوب لمشاريع الإستثمار قصد صياغة قرار منح المزايا للمستثمر .
و تجدر الإشارة إلى أنه تم تعديل المرسوم التشريعي السابق بإصدار الأمر رقم 01-03 المؤرخ في 20 أوت 2001 ، و المتضمن تطوير الاستثمار، بالإضافة إلى الأمر 01-04 المؤرخ هو الآخر في 20 أوت 2001 ، و المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية و الإقتصادية و تسييرها و خوصصتها إلى جانب نصوص قانونية أخرى ذات طابع تشريعي و تنظيمي ، و ذلك بغرض تعميق الإصلاحات الإقتصادية و تحسين فعاليتها ، و خلق المناخ الملائم لتحريض الإستثمارا ت الأجنبية و الوطنية .
إن شروط نجاح أي قانون للإستثمارات يرتكز على أربعة مبادئ أساسية متصلة بتحقيق مشاريع الإستثمار الأجنبية هي : مبدأ حرية الاستثمار ، و رفع القيود الإدارية المفروضة عليه ، و عدم الإلتجاء إلى التأميم و حرية تحويل رأس المال و العوائد الناتجة عنه ،و التحكيم الدولي . و بذلك نعتقد أن الأمر رقم 01 -03 يتماشى، في كثير من جوانبه ، مع هذه المبادئ .
II- 1/ : إجراءات دعم الإستثمار :
استنادا إلى المادة التاسعة (09) من الأمر 01-03 المذكور أعلاه ، قد نص النظام العام على جملة الحوافز الضريبية و شبه الضريبية و الجمركية المقدمة للمستثمرين ، يمكننا إيجازها فيما يلي :
1/ مرحلة بدء الإنجاز : يستفيد الإستثمار من الحوافز التالية :
أ ـ تطبيق النسبة المخفضة في مجال الحقوق الجمركية فيما يخص التجهيزات المستوردة ؛
ب ـالإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة TVA فيما يخص السلع و الخدمات ؛
ج ـ الإعفاء من رسم نقل الملكية بعوض فيما يخص كل المقتنيات العقارية التي تمت في إطار الإستثمار المعني .
أما فيما يخص النظام الخاص، فقد تم منح مزايا لفائدة الإستثمارات التي تنجز في المناطق التي تتطلب تنميتها مساهمة خاصة من الدولة ، بالإضافة إلى الإستثمارات ذات الأهمية الخاصة للإقتصاد الوطني ، لا سيما عند استخدام تكنولوجيا خاصة من شأنها أن تحافظ على البيئة و تحمي الموارد الطبيعية و تدخر الطاقة و تفضي إلى تنمية مستديمة . و فيما يلي إيجاز للمزايا الممنوحة :
أ ـ الإعفاء من دفع حقوق نقل الملكية بعوض فيما يخص كل المقتنيات العقارية التي تتم في إطار الاستثمار؛
ب ـ تطبيق حق ثابت في مجال التسجيل بنسبة مخفضة 0.2% فيما يخص العقود التأسيسية و الزيادات في رأس المال ؛
ج ـ تكفل الدولة جزئياً أو كليا بالمصاريف بعد تقييمها من الوكالة ، فيما يخص الأشغال المتعلقة بالمنشآت الأساسية الضرورية لإنجاز الإستثمار ؛
د ـ الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة (TVA) فيما يخص السلع و الخدمات التي تدخل مباشرة في إنجاز الإستثمار ، سواءاً كانت مستوردة أو مقتناة من السوق المحلية ، و ذلك عندما تكون هذه السلع و الخدمات الموجهة لإنجاز عمليات تخضع للضريبة على القيمة المضافة .
2/ مرحلة انطلاق الاستغلال : بعد معاينة إنطلاق الإستغلال ، تمنح المزايا التالية :
أ ـ الإعفاء لمدة عشرة (10) سنوات من النشاط الفعلي من الضريبة على أرباح الشركات (IBS) و من الضريبة على الدخل الإجمالي (IRG) على الأرباح الموزعة و من الدفع الجزافي (VF) ومن الرسم على النشاط المهني (TAP) ؛
ب ـ الإعفاء لمدة عشر (10)سنوات ابتداءا من تاريخ الإقتناء من الرسم العقاري على الملكية العقارية التي تدخل في إطار الإستثمار .
ج ـ منح مزايا إضافية من شأنها أن تحسن أو تسهل الإستثمار مثل تأجيل العجز و آجال الإهتهلاك.
بالإضافة إلى ما سبق ، فقد تضمن الأمر :01-03 المؤرخ في: 20/08/2001 مزايا أخرى أهمها :
أ ـ تقليص الأجل الممنوح لوكالة تطوير الإستثمار، من شهرين إلى شهر واحد للرد على المستثمر في حالة طلبه مزايا إضافية من الوكالة ؛
ب ـ عدم التفرقة بين المستثمر الوطني و المستثمر الأجنبي ، و بين المستثمر العمومي و المستثمر الخاص و بين الشخص الطبيعي و الشخص المعنوي ، بحيث يحظى كليهما بمعاملة عادلة و منصفة ؛
ج ـ في حالة عدم التوصل ، عن طريق الجهات القضائية الجزائرية ، إلى تسوية مرضية للنزاع بين المستثمر الأجنبي و الدولة الجزائرية ، يمكن لجوء المستثمر الأجنبي إلى هيئات التحكيم الدولية .
و يمكن الإشارة إلى أن قانون المالية لسنة 1996، و المادة 138 من قانون الضرائب المباشرة ، و كذا المادة 309 من قانون الضرائب قد تضمنت عدة مزايا للمستثمرين المنتجين و الذين يصدرون سلعاً و خدمات إلى الأسواق الخارجية ، نذكر منها :
أ ـ إعفاء الشركات القائمة بعمليات بيع السلع و الخدمات للتصدير من دفع الضريبية المفروضة على أرباحها المحققة بصورة مؤقتة لمدة خمس (05)سنوات ؛
ب ـ إعفاء الشركات من آداء الدفع الجزافي (VF) بصورة مؤقتة لمدة خمس (05) سنوات .
ج ـ إمكانية استفادة المصدر من تخفيضات بنسبة تقدر بـ: 50% تمنحها الشركات الوطنية للملاحة البحرية و الجوية ، و تلك التي تمنحها الموانئ في مجال نقل البضائع .
II-2 الأجهزة المكلفة بالإستثمار :
بغرض تنظيم مسائل الاستثمار، أنشأت الجهات الوصية بعض الأجهزة ، أوكلت لها مهمة الإشراف و متابعة المشروعات الإستثمارية ، تمثلت أساساً في ثلاثة أجهزة هي :
1- المجلس الوطني للاستثمار : (CNI) Le Conseil National De L’investissement :
يشرف عليه رئيس الحكومة ، و يضطلع بالمهام التالية :
* صياغة استراتيجية و أولويات الاستثمار ؛
* تحديد المناطق المعنية بالتنمية ؛
* إقرار الإجراءات و المزايا التحفيزية ؛
* المصادقة على مشاريع إتفاقيات الإستثمار .
2- الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالمساهمة و ترقية الإستثمار : Le Ministère Délégué du chef du Gouvernement chargé de la participation et la promotion de l’investissement حيث تضطلع بالمهام التالية :
* تنسيق الأنظمة المرتبطة بتحضير و تجسيد برامج الخوصصة ؛
* اقتراح إستراتيجيات ترقية و تطوير الإستثمار .
3 ـ الوكالة الوطنية لتطوير الإستثمار Agence nationale de développement de l’investissement(ANDI): وضعت تحت إشراف رئيس الحكومة ، و نظمت في شكل شباك وحيد (Guichet Unique ) ، يضم مجموعة من الإدارات و الأجهزة المعنية بالإستثمار مثل : بنك الجزائر ، إدارة الضرائب ، أملاك الدولة ، إدارة الجمارك ، البلدية ، CNRC ،ANEM CALPI ،... و تضطلع بالمهام التالية :
* تستقبل و تعالج تصريحات الإستثمار ؛
* ترافق و تساعد المستثمرين في استكمال الإجراءات و إنشاء المشروعات الإستثمارية ؛
* تصدر قرارات منح المزايا و التحفيزات ؛
* تضمن متابعة الاستثمارات خاصة احترام الالتزامات الموقعة من قبل المستثمر .
II-3 واقع و مستقبل الإستثمار الأجنبي في الجزائر :
إن سلسلة البرامج و الإجراءات التصحيحية التي شرعت فيها الجزائر منذ عدة سنوات ، قد سمحت بتحقيق جملة من النتائج، نوجز بعضها فيما يلي :
1 ـ تحقيق أهداف الاستقرار الكلي (تحقيق التوازنات الكلية) و ذلك عن طريق :
• التخفيض الكبير لمعدل التضخم ؛
• استقرار أسعار الصرف ؛
• توازن الموازنة العامة ؛
• تخفيض المديونية الخارجية ؛
* زيادة معتبرة لاحتياطي الصرف .
2 ـ تحرير التجارة الخارجية ؛
3 ـ وفرة الموارد البشرية و المادية ؛
4 ـ كثافة الهياكل القاعدية .
إن هذه النتائج و غيرها قد سمحت بتوطين عدد من الإستثمارات الأجنبية و لا سيما تلك التي تمت في قطاع المحروقات في شكل شراكات مع الشركات العالمية ، بالإضافة إلى بعض الإستثمارات المحدودة في قطاعات أخرى مثل : قطاع الحديد و الصلب ، و قطاع الكيمياء و المواد الصدلانية .
كما سجلت بعض الإستثمارات الأجنبية في قطاعي المال و البنوك ، من خلال فتح فروع لبنوك و مؤسسات مالية مختلطة ، فضلا عن توجه بعض المستثمرين الأجانب لعقد شراكات مع بعض المؤسسات الجزائرية الخاصة.
و استنادا إلى إحصائيات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة و التنمية UNCTAD ، فقد تطور تدفق الإستثمارات الأجنبية المباشرة في الجزائر من 17 مليون دولار خلال الفترة 1985 – 1995 إلى 438 مليون دولار عام 2000 في حين بلغ عام 2002 نحو 1065 مليون دولار .
أما الإستثمارات العربية في الجزائر فقد شهدت هي الأخرى تطوراً ملحوظاً حيث انتقلت من 35 مليون دولار عام 1995 إلى 350 مليون دولار عام 2000 ، في حين تقلصت عام2002 إلى نحو 75 مليون دولار ، و قد تم توزيع الإستثمارات الوافدة خلال عام 2002 على بعض القاطاعات الإقتصادية حيث سجلت 63% لقطاع الصناعة ، و 23% لقطاع الخدمات ، و15% لقطاع الزراعة .
و بغرض استقطاب المزيد من رأس الأجنبي و ترقية الإستثمار الوطني ، كثفت الجزائر من جهودها الترويجية و ذلك عن طريق :
1- عقد حوالي 24 مؤتمراً في الجزائر بهدف الترويج للاستثمار، إلى جانب استعراض مجالات أخرى منها إدارة أعمال المؤسسات الصغيرة و المتوسطة ، و السياحة .
2- المشاركة في ثلاثة ملتقيات بفرنسا و البحرين بهدف الترويج للإستثمار .
3- القيام يزيارات ميدانية قامت بها الوكالة الوطنية لتطوير الإستثمار و بعض رجال الأعمال الجزائريين لكل من تركيا و فرنسا و ليبيا ، و ألمانيا و إيطاليا .
4- إصدار المرسوم التنفيذي رقم :02-295المؤرخ في: 15/09/2002 ، و المحدد لكيفية تسيير التخصيص الخاص رقم : 107-302 المتعلق بصندوق دعم الإستثمار .
5- انشاء مجلس الأعمال السعوديين و الجزائريين ، و ذلك خلال انعقاد اللجنة المشتركة الجزائرية السعودية بهدف ترقية التبادل التجاري و الإقتصادي بين البلدين ، و الترويج لفرص الإستثمار و تنميته.
III- ترتيب الجزائر ضمن بعض المؤشرات الدولية :
لقد أثبتت بعض الدراسات أن هناك دلالة إحصائية قوية بين ترتيب القطر في بعض هذه المؤشرات و بين مقدار ما يستقطبه من استثمار أجنبي . حتى و إن لم تصل درجة الدقة الكاملة ، فإنها حتماً تعد من محسنات القرار، أي من الأدوات التي تزكي القرار و ترجحه ، و بذلك فهي لا بد أن تدخل في حسابات رجال الأعمال وصانعي القرار، للإفادة من مدلولاتها التأشيرية الهامة. و في ما يلي نستعرض وضع الجزائر ضمن بعض المؤشرات الدولية .
1- مؤشر الحرية الإقتصادية Economic Freedom Index :
خلال عام 2002 ، رتبت الجزائر ضمن هذا المؤشر في الرتبة الحادية عشر (11) من أصل عشرين (20) دولة عربية ، و الرتبة الأربعة والتسعين (94) دولياً من أصل 161 دولة ، وقد صنفت بحرية اقتصادية ضعيفة .
2- مؤشر الاستدامة البيئية Environmental Sustainability Index :
استنادا إلى هذا المؤشر ، رتبت الجزائر خلال عام 2002 في الرتبة الثالثة (03) من أصل 16 عربياً بعد كل من الأردن و تونس ، و الرتبة 70 دولياً من أصل 142 دولة و ذلك برصيد المؤشر قدره 49.4 نقطة .
3- المؤشر المركب للمخاطر القطرية Composite Country Risk Rating :
خلال عام 2002 حصلت الجزائر على الرتبة 14 عربياً من أصل 18 دولة عربية و الرتبة 87 دوليا من أصل 140 دولة ، حيث بلغت قيمة المؤشر 63.8 نقطة ، بدرجة مخاطرة معتدلة .
خاتمـــــة
في ضوء ما تم عرضه يتبين أن تهيئة مناخ الاستثمار، يعتبر ركيزة أساسية تتسابق ، من خلالها معظم الدول ، بغية جذب أكبر حصة من الأصول الاستثمارية . ورغم الجهود الكبيرة المبذولة ، إلا أن حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة العربية ، لا يزال محدودا بالنظر إلى المقدرات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها ، بالإضافة حجم التدفقات العالمية لرؤوس الأموال الأجنبية ؛ إذ أن اهتمام المستثمر الأجنبي لا ينصب سوى على الاستثمار في قطاع المحروقات، بالنسبة للدول النفطية مثل الجزائر، قطاع و بدرجة ضئيلة على باقي القطاعات الصناعية ،و الخدمية، والتجارية .
و الجدير بالملاحظة ،، وتحديدا الدولتين محل الدراسة تونس و الجزائر ، و كغيرهما من الدول العربية و الدول النامية ، قد سعتا جاهدين لإعتماد تشريعات توصف بالملاءمة و الجاذبة لرأس المال الوطني و الأجنبي ، إلا أن رغبات المستثمرين تطالب بمزيد من المزايا و الحوافز
و على هذا الأساس ، و بغية تطوير المناخ الاستثماري ، يمكننا اقتراح ما يلي :
1 - مواصلة تطبيق السياسات التصحيحية للاقتصاد الوطني ذلك في المجالات التالية : تحرير التجارة الخارجية ، و التخلي التدريجي عن الحماية، و تحرير و تنظيم أسواق الصرف الأجنبي، وترقية التشريعات بما يتوافق مع استراتيجية التنمية في المنطقة من جهة،و بما يتطلع إليه المستثمر من جهة ثانية ؛
2 - تطوير بيئة الاستثمار في كافة مناطق الوطن ، لإحداث انتشار جغرافي أكبر توازنا ؛
3 - العمل على الترويج للفرص الاستثمارية في الدول الأجنبية و العربية من خلال :
* تكثيف المشاركة في المعارض الدولية ؛
* تطوير نظام الإعلام الاقتصادي عن طريق التحديث الدوري لقاعدة المعطيات الاقتصادية.
4 - الترويج للقطر من خلال التنسيق و التقارب السياسي مع الشركاء الأجانب و العرب و العمل من أجل توصيل صورة أكثر موضوعية للحالة الأمنية و السياسية للجزائر ؛
5 - تكثيف أوجه التعاون و التنسيق على المستوى الإقليمي و الدولي، مع ترقية فرص الشراكة الأجنبية و العربية .