♥|: حقيقة المنجزات والاشغال الاستعمارية في الجزائر ؟
♥|:
عملت السياسة الفرنسية الاستعمارية في الجزائر ووفق إستراتجية مدروسة هدفها غرس وإبقاء الكيان الاستيطاني ، فخلقت مناهج وأدوات ووسائل من أجل تحقيق جملة من الأبعاد ، فصاغت لذلك شروطا قانونية ومادية لإضفاء الصبغة الشرعية لهذا الوجود ، هدفها تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الجزائري ، تعطى فيها الأولوية للأقلية الأوروبية بهدف شد المستوطن للأرض . وفق اقتصاد قائم على دمج الكيان الجزائري في النشاط الاقتصادي الأوروبي ، مما أحدث القطيعة داخل الكيان ذاته ، كنتيجة حتمية لتغلغل الرأسمال الفرنسي والأوروبي و الموجه لخدمة الميتروبول والسوق الأوروبية . وتهميش المجتمع الجزائري بل واعتبار الإنسان ذاته سوقا ، فسلبت منه مقوماته وإنسانيته حتى يظل طبعه قائم على الخضوع دون فهم وإدراك لواقعه ومستقبله .
فلطالما راودت فرنسا حكومـة وشعبا تلكم الأحلام في جعل الجزائر مستوطنة فرنسية ، وإلحاق الجزائر بفرنسا ، لما تتوفر علـــــــــيه من موارد اقتصادية وَمَن أَرَاضخصبة . فكان لها ما أرادت.
وإذا عدنا إلى الطرف المستعمر فكلمة الاستعمار مقرونة بالتحضر والتمدن لتلقين تلك الشعوب المتأخرة الحضارة العالمية ، التي وإن تركت لحالها لآلت للانتحار ، فالاستعمار إذن رسالة مقدسة لإخراج هذه الشعوب من براثن التخلف إلى التحضر والتمدن فوجوده في الجزائر لمن الكرامات والهبات التي جادت بها العناية الإلهية حسب المنظور الكولونيالي ...!!!!، فهو إذن انجاز إنساني يرمي إلى عصرنة المجتمعات البدائية القديمة المهترئة " 01
فحسب أحد غلاة الاستعمار : " انَّه تَم تَزْوِيْد مَدِيْنَة الْجَزَائِر قَبْل مَدِيْنَة رَوَان الْفَرَنْسِيَّة بِقَنَوَات صَرْف الْمِيَاه ... وَالطُّرُقَات وَمَد الْخُطُوط الْحَدِيْدِيَّة وَتَزْوِيد الْمُدُن بِالكَهَرّبـاء،و بِنَاء الْمُدُن وَغَيْر ذَلِك...." .
والــــســـــــــــــــؤال الذي يطــــرح هنا:
· لماذا كل هذا ؟ .
· ماهي مصادر تمويله؟
· وبسواعد من أقيمت ؟
· وماهي الأماكن التي شملتها هذه الأماكن هذه المنجزات ؟ .
فالذي يلاحظ حجم هذه المنجزات الاستعمارية التي مازالت ظاهرة للعيان إلى يومنا هذا،والتي لا تؤكــد بأنهم قد كانوا ومروا من هنا....!!!.و أنهم جاؤوا من الضفة الشمالية للمتوسط بنية الخلود في هذه الأرض الخالية من سكــــــانها إلى يوم يبعثون ، فغدى الاستعمار على حد قول جول فيري * "قَانُوُن حَتْمِي" فأينما وجد الكولون والثروات الطبيعة والموارد الزراعية وجدت هذه المشاريع ، وببروز عدة أجيال أصبح المستوطنون ينظرون إلى الجزائر على أنها وطنهم الأصلي ، والى يومنا هذا هناك جماعات يشدها الحنين في إحياء مقاطعة فرنسية اختفت جغرافيا.*
فمع سنة 1850 شرع في إنجاز مشاريع ضخمة وبناء الطرقات والسدود 1854 ومد شبكة السكك الحديدية 1857 فلم " تأت سنة 1880 حتى بلغت شبكة الطرقات الوطنية حوالي 3000 كلم ،والإقليمية 500 كلم ،وشبكة الطرقات للبلديات 5000 كلم " 02 .أي بمجموع 8500 كلم تبدأ هذه الشبكة من مصادر المواد الأولية من معادن وثروات طبيعية ومنتجات فلاحية وتنتهي عند الموانئ من أجل ربط الجزائر بفرنسا في مجال الاستيراد والتصدير ، أما فيما يخص المقاطعات والبلدية فكانت خدمة لمزارع المعمرين وقراهم لفك العزلة عنها . (الملحق رقم : )
كما عملت الإدارة الاستعمارية على " صيانة الممرات داخل الأرياف ( les chemins vicinaux) ،وكذلك الطرق الرابطة بين بين المدن ( تيارت، غليزان) ،( معسكر، المحمدية)... وبفضل هذه الشبكة من الطرق الرابطة الداخلية تم شحن 94000 هكتار من الحبوب سنة 1863 و 172000 هكتار سنة 1864" 03.
وأصبحت" الطرق الكبرى تغطي مساحة 14 حتى 15 مليون هكتار من إقليم التل بطول يقدر ب: 2922 كلم " 04
وهذا بعد قانون 29/04/1879 .
وقد شهدت عملية توسيع وشق الطرق نشاطات كثيفة اقترنت بزيادة المهاجرين الأوروبيين ، الأمر الذي أدى إلى تنظيم حركة النقل من جهة وإلى الرغبة في فرض السلم في البلاد وَإِحْكَام السيطرة أكثر على الجزائر ما يعني سلامة المستوطنين . فغدت الطرقات " السلاح القوي للتغلغل الاستعماري " 05 "La route devient l´arme suprême de la colonisation qui pénètre"
ومع سنة 1857 تبنت الإدارة الاستعمارية برنامج يهدف إلى تجهيز السكك الحديدية وأعطت الامبرطورية لشركة ( paris –lyon –méditerranée) شركة باريس- ليون- المتوسط( الملحق رقم ) : إنشاء خطين : الأول الجزائر وهران وأخر سكيكدة قسنطينة " خصص لهذه الشركة 81.5 مليون فرنك ... كما أن الحاكم العام راندون Randon * قد هيأ المكان بالأعمال مستخدما في ذلك الجنود والمحكوم عليهم، إذا يجري استخدام اليد العاملة المعاقبة في الأشغال الكبيرة لصالح المعمرين الذين هم بحاجة لقوة العمل " 06 ، ما يعني أن المشاريع اقترنت بتطور الاستيطان " خاصة وأن الاستيطان قد ترسخت جذوره في أرض الجزائر، وكان على الدولة ... أن تتحمل كل الصدمات التي تعرقل تطوره "07 .
وفي عام 1892 بلغ طول هذه الشبكة في الجزائر 3033 كلم ، مما أدى إلى نمو الأسواق خاصة الداخلية منها نتيجة حركة النقل السريعة إلى جانب نمو رأسمال الأوروبي ،" فالسكك الحديدية قدمت خدمات لا مثيل لها للاستعمال الأوروبي في نقل السلع والحيوانات ... في مدة 7 سنوات تضاعف 05 مرات في الأربع سنوات الأخيرة (1867-1870) وارتفعت السلع بنحو 31% وتضاعف الإنتاج 04 مرات...وارتفع الفحم من 1244 طن سنة 1866 إلى 4965 طن سنة 1870"08
وقد نشطت في الجزائر وخدمة لهذه الأغراض عدة شركات أبرزها الشركة الفرنكو –جزائرية الهدف منها ربط مناطق إنتاج القمح بموانئ التصدير : عنابة ، قالمة ، تليلات ، سيدي بلعباس ، الحراش .... وباستقرار المعمرين بالمناطق الداخلية ( معسكر ، الشلف ، المدية ، سطيف ، باتنة ...) أي في مناطق إنتاج الحبوب توسعت هذه الشبكة أكثر ( الخط الحديدي الرابط بين (معسكر ، تيزي ) ، ( غليزان، تنس ) ، ( غليزان ، مستغانم ، أو وهران)... " فزاد طول الخط من 513 كلم سنة 1877 إلى 1288 كلم، إلى 2816 سنة 1890». 09
وكان الهدف من هذا التوسع في المناطق الداخلية والسهبية لاستغلال الحلفاء والثروة الخشبية والمنجمية ففي سنة 1864 تم ربط ميناء عنابة بمنجم عين مكره لنقل الحديد الخام ، وفي سنة 1871 تم ربط مناجم حديد الونزة بالموانئ الساحلية " 10.
وعليه فإن شبكة السكك الحديدية تكشف عن الوجه الحقيقي للاستعمار القائم على الاستغلال في تزويد الميتروبول بالمواد الأولية ، وما وجود مخازن القمح التي تعود إلى الفترة الاستعمارية إلى حد الساعة بالقرب من هذه الشبكة إلا دليل واضح في الكشف عن السياسة الاقتصادية لفرنسا في الجزائر والقائمة على السلب والنهب . ( الملحق رقم:
نتج عن ذلك تضخم عدد المستوطنين ووصول المزيد من المستوطنين والمهاجرين إلى الجزائر جراء الانتعاش الاقتصادي، وقد بلغ عددهم " مابين 1921-1933 إلى 733296 نسمة على مساحة 270481 كلم " 11 ، ويصل اجيرون Ageron بالعدد إلى 984000 نسمة سنة 1945 م . ولا تتوانى الإدارة الاستعمارية في عملية انجازها للطرق في نزع أراضي الجزائريين باسم المنفعة العامة ( الملحق رقم : )، مايترك الفلاح الجزائري في حالة بؤس ،" فتطبيقا لما جاء في القرار المشيخي sénatus-consulte في 22/04/1863 م شهدت 372 قبيلة تحديدا لأراضيها منها 284 قبيلة محاذية للمراكز الاستعمارية ، أو للغابات أو للسكك الحديدية ..." 12
وكما ذكرنا سابقا فلقد ساهم الشركات الرأسمالية في دعم الاستيطان الرأسمالي على رأس هذه الشركات الشركة العامة السويسرية 1863 la compagnie genevoise الشركة العامة الجزائرية 1863 la compagnie algérienne ( الملحق رقم : ) وشركة الهبرة والمقطع 1864 société l’habra et la macta " التي قامت ببناء سد الهبرة وتجفيف سد المقطع وإعادة بناء قنوات السقي فيه " 13
ولقد اجتذبت هذه المشاريع أعدادا كبيرة من الأوروبيين من الذين صورت لهم الجزائر على أنها الجنة الأحلام الموعودة، فارتفع عددهم إلى 51 % بينما عدد الفرنسيين 25 %،" وقد بلغ مجموع الاستثمارات العامة في الجزائر لفــترة 1830 إلى 1900 إلى 601 مليون فرنك " 14 ،كما وصف " إحصاء 1951 نحو 56000 شخص بأنهم برجوازيون " . 15
والجدول التالي يمثل: الأشغال في القطاع العام والممولة بقيمة 100 مليون فرنك من طرف الشركة العامة الجزائرية 16
1870
توزيع 100 مليون
التكاليف 1866 -1867.
القروض 1868
توزيع القروض 1869.
1- تجهيزات المصابيح
2- صيانة الطرق
3- تجفيف السدود وحفر الآبار في البلديات
4- التشجير
5- زيادة الأشخاص
6- الخطوط الهاتفية المباشرة بين فرنسا والجزائر .
34215000
1975000
47123000
3127000
7290000
250000
3000000
800000
1500000
100000000
8864574
661496
11393366
587610
259975
251065
201009
360957
29921
-----
21708926
22507568
7634000
951863
11498614
590000
588453
1443024
200000
58605
1029001
271666
255385
207240
154317
---
23743468
17579389
6100000
205000
8400000
8184489
300000
975000
200000
-----
1261224
266666
229341
220000
240796
----
16666666
15318790
4695000
70000
7255000
7575307
300000
2055000
100000
471666
273263
220000
222221
1500000
16666666
13105760
إضــــافة إلى هذا وخدمة للمشروع الزراعي انتهجت فرنسا سياسة مائية لخدمة القطاع عبر عنها بيجو بقوله :" يَوْم 14/05/1840 أَيْنَمَا تَتَوَفَّر الْمِيَاه الْصَّالِحَة ، وَالْأَرَاضِي الْخَصْبَة ، يَجِب تَرْكِيْز الْكُولُون وَتَوْزِيع الْأَرْض عَلَيْهِم وَجَعَلَهُم مَلَاكَيْن دُوْن مُحَاوَلَة التَّعَرُّف عَلَى أَصْحَابِهَا" 17.
جاءت هذه المشاريع كنتيجة حتمية للصعوبات التي يطرحها مناخ البحر الأبيض المتوسط في الجزائر،و تزامن ذلك مع إدخال منتجات فلاحية تجارية جديدة ، على رأسها الكروم والتي أصبحت تتربع على مساحة 2300000 هكتار والتي كان انتاجها يفوق 13000000 هكتولتر ، والموجهة أصلا لصناعة الخمور بهدف التصدير إلى الخارج خدمة للاقتصاد الفرنسي ، إلى جانب الحمضيات والزراعات الصناعية، والرغبة في تكثيف الإنتاج لتحقيق الأرباح وإشباع السوق الأوربية الأمر الذي تطلب انجاز السدود " فاستقر رأيهم على بناء نوع أول من السدود لخزن المياه لانتفاع بها صيفا ونوعا ثانيا لاستخدام مياهه في عملية الصرف " 18 ، وبعد " سنة 1860 وحتى سنة 1879 جرى إنشاء السدود لحبس أو تمويل المياه في كل أنحاء الجزائر " .19
وقد تم اختيار مواقع هامة لإقامة 07 سدود تصل طاقتها إلى 260000 م³ وبغلاف مالي يتجاوز 11 مليون فرنك ساهمت فيه الدولة بحوالي 7150000 فرنك والباقي تكفلت به الشركات والبنوك الرأسمالية.
أهم هذه السدود :
الاسم
الواد
مدة البناء
طاقة الاستيعاب
الكلفة
سد الشرفة
واد سيق
1849-1892
21000000 م³
293000فرنك
سد جديوية
وادي جديوية
1857-1877
700000 م³
26000فرنك
سد فرقوق
واد الهبرة
1865-1882
30000000 م³
3780240فرنك
سد ماغون
واد ماغون عبر ارزيو
1879-1887
1000000 م³
600000فرنك
سد مراد
واد جيرون المتيجة الغربية
1852-1859
830000 م³
325000فرنك
المصدر: ُآثار السياسة الاستيطانية: ص 172.
كان من نتائج هذه المشاريع الفشل جراء الأخطاء التقنية، إلى جانب مشكل التو حل l’envasement des barrages وتصدع الكثير منها ( سد فرقوق 1872) ، وهذا نتيجة الجهل بطبيعة المنطقة إلى جانب العوامل الطبيعية المتعلقة بالمناخ المقترنة بالجفاف والتبخر وطبيعة الأودية في الجزائر ، فخلال هذه الفترة " أصبح الكولون الأوروبيون في الجزائر لا يواجهون مقاومة بشرية فحسب بل أيضا مقاومة طبيعية " 20 . تنكرت فيها الأرض بمن فيها ومن عليها لهذا الوافد الذي ضاقت به أرصفة وشوارع أوروبا، فجاء بنية الاغتصاب واستنزاف الثروة.
كما خصص جزء من هذه المشاريع إلى تجفيف السبخ والمستنقعات بعد القرار الامبرطوري 04/08/1860 بهدف توسيع المساحة الزراعية مايعني زيادة المردودية الإنتاجية .
ولقد كانت هناك قطيعة في بناء السدود إلى غاية 1926، فكان الجيل الثاني من السدود 1926 -1945 حيت تم اختيار 50 موقعا أنجز منه 09 سدود بطاقة استيعاب 761600 مليون م³
أهمها :
· سد الغريب: بحجم استيعاب 280 مليون م³.
· سد واد الفضة: بحجم استيعاب 220 مليون م³.
· سد بوحنيفية: بحجم استيعاب 61 مليون م³ .
أما الجيل الثالث من السدود يمتد من 1945- 1963: حيث برمجت الإدارة الاستعمارية 05 سدود فقط.
أهمها :
· سد فم الغرزة: ( مسيلة ) بحجم استيعاب 47 مليون م³
· سد فرقوق : بحجم استيعاب 18 مليون م³.
إلى جانب هذا تمت إقامة السدود الترابية les barrages collinaires الصغيرة الحجم والقليلة التكاليف لسقي الأحواض الزراعية.
كما عمل الاستعمار" على تحويل مياه الأودية les déviation des eaux كتحويل oued M’Zi بمنسوب 160 إلى 30ل/ ثا لسقي 24 ألف هكتار ، و تحويل واد الحراش بما يقارب 35 إلى 40 مليون م³ واد الرغاية بتحويل 8.53 مليون م³ لسقي 1150هكتار ، لتصل المساحة المسقية إلى 201135 هكتار على مستوى الأحواض المسقية " 21 ، وقد خصصت سلطات الاحتلال الفرنسي 106 مليون فرنك لاستغلال المياه من ضمن 427 مليون فرنك عام 1921م" . 22 .
والملاحظ هنا ومن خلال هذه المشاريع الضخمة( الملحق رقم : ) التي صرفت عليها الأموال وأقيمت حولها الدراسات واستقدم من أجلها المهندسون والتقنيون من أصقاع أوروبا ، تعكس مدى تحول الجزائر المستوطنة أفرادا وأرضا، إلى ورشة عمل وحقل ومخبر تجارب تتصرف فيه الإدارة الكولونيالية بما يخدم مصالحها وبما ينمي الاقتصاد الفرنسي و أن جلها تركز في المنطقة الشمالية الغربية لتركز المعمرين بكثرة في هذه المنطقة وهذا ما توضحه الخريطة المرفقة رقم : خاصة وان الجهة تعاني من ضعف في الطاقة المائية.
والجدول الذي بين أيدينا يبين حجم الجهود المبذولة في توسيع المساحات المسقية من جهة ويكشف عن الوجه والنمط الأوروبي ( البساتين) ،لهذه الزارعة والتي تندرج أساسا في نطاق المزروعات التجارية المخصصة للتصدير ( التبغ، الكروم).
الحوض
المساحة القابلة للسقي هـ
المساحة المسقية هـ
أنواع المزروعات
تافنة
المقطع
مازفران
الحراش
حميز
شط ملغيغ
10184
57645
7763
13661
10080
108022
7610
44654
2671
1530
360
83117
كروم-بساتين-حبوب.
بساتين-حبوب- كروم.
حمضيات-مروج- حبوب.
مروج-حمضيات.
بساتين-حبوب- تبغ.
تمور-حبوب- بساتين .
المصدر: آثار السياسة الاستيطانية، ص 105.
وفي الجزء الجنوبي من الجزائر ، حدث التوغل الاستعماري لاستغلال النخيل فتطلب الأمر البحث عن مصادر المياه ، فكان نظام الآبار الارتوازية * في توقرت، بسكرة، الوادي ،غرداية .. كما عمل الاستعمار على تطوير نظام السقي القديم الممثل في الفوغارة القائم على الاستغلال العقلاني للمياه الجوفية بهدف زيادة المياه الجوفية ، فتم حفر 07 آبار ارتوازية بمنسوب يقدر ب 20 م³ في الدقيقة الواحدة ، نتج عن ذلك اتساع مساحات النخيل ، فتدفقت الهجرة الأوروبية إلى الجنوب مما تسبب في استنزاف المياه بشكل مفرط وبطريقة منجمية ومن الأمثلة على ذلك " انتقال منسوب مياه وادي غير من 5300 لتر/د سنة 1856 إلى 200000 لـ/د سنة 1890 ليصبح المنسوب مع زيادة الاستغلال 278000 لـ/د و348000 لـ/د عام 1930" . وهذا ما يعكس ودون شـوفينية حجم الاستغلال الاستعماري للموارد المائية في الجزائر خدمة للرأسمال الأوروبي لينطبق عليها قول فريديك انجلز في كتابه موجز رأسمال " مدت( الرأسمالية) يدها في جيب غيرها لتسرق منه ما تسرق غير مكثرته بما يمكن أن يحصل له من جراءذلك . بل أن الرأسمالية لطالما اعتقدت بأنها فوق الجميع وان كل من حولها عبيدمسخرون لها ولخدمتها" .
كما سخر الاستعمار كل طاقاته المادية والبشرية لتجهيز المدن التي استقطب العدد الهائل من المعمرين والمراكز الصناعية بالمياه "وقد خصص للمدن 10% من طاقة استيعاب السدود إلى جانب بعض العيون كما هو الحال في سهل قسنطينة بمنسوب 1750لـ/ثا .. وتخصيص بعض السدود مباشرة لتزويد المدن الكبرى كما هو الحال سد زردازة الذي حول لتموين مدينة سكيكدة وسد مفروش نحو مدينة تلمسان ، وسد بني بهدل نحو مدينة وهران وأرزيو أما سد الغريب وسد واد الفضة فخصصا لتمويل مدينة الجزائر ". 23
وذلك جراء ارتفاع الاحتياجات السكانية والصناعية في مجال الشرب والطاقة ، وهذا ما يفسر الاهتمامات الاستعمارية بتوفير حياة أفضل للمعمر ، فقد ارتفعت الحاجيات الاستهلاكية للسكان من 37953م³/اليوم سنة 1895 وبمعدل 177لـ/للشخص ، إلى 284055 م³/اليوم وبمعدل 136 ل/للشخص عام 1958 خاصة في المدن الكبرى كالجزائر ووهران وقسنطينة. وهي المناطق التي استقطبت المعمرين بكثرة .
وفي المقابل كانت الأمراض والأوبئة والمجاعات، ( الملاحق ) تعصف بالجزائريين في ظل الاستيلاء على الأرض بسطحها وباطنها، جراء حشر السكان في الأحراش التي لم تصلها المدنية بعد. في مقدمتها الكوليرا، التيفوس ، والمجاعة التي حصدت فيما بين 1867-1869 م نصف مليون شخص ، نتيجة الإبعاد عن الأرض والانتقال من نمط الاقتصاد الاستهلاكي المعيشي إلى اقتصاد موجه للتصدير يخدم الميتروبول والشركات الاحتكارية يتحكم فيه المعمرون. حين غذى القانون وإلى جانبه البندقية والسياسة من وسائل القهر الكولونيالي، على هذا الذي اعتبرته الأعراف والتشريعات القانونية التي طالما تغنت بحقوق الإنسان والعقد الاجتماعيلَا إنسانا وَلَا جَزَائِرِيا وَلَا فَرَنْسِيا وَلَا مُوَاطِنَا بَل شَيْئا، وما زاد الطين بله " قانون 19/12/1900 والذي أعطى الحكم الذاتي المالي للكولون وسلطة كاملة للإشراف على المداخيل والمصاريف المتعلقة بميزانية الجزائر ومتابعة مختلف المشاريع كشبكة خطوط السكك الحديدية والمواصلات ، والغاز والكهرباء وتطور الفلاحة ، فأصبح الجزائريون في ظل هذا النظام أسوء الأحوال مما كانوا عليه سابقا". 24
وقد استغل الجزائري الذي سلبت أرضه أبشع استغلالا في إقامة هذه الهياكل والمنجزات من اجل تيسير حياة المستوطن خاصة في مجالات البناء والنقل والموارد المنجمية الموجهة للتصدير بأثمان رخيصة. " فلقد كانت الشركة العامة تشحن يوميا 80 طن من المعادن عبر السفن " 25
هذا مايفسر حجم الاستغلال للطاقات المنجمية والجدول ( الملحق رقم : ) يبين حجم الاستغلال الفاحش للطاقات البشرية في المناجم غير الحديدية التي لم يسلم منها حتى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و 18 سنة في العمالات الثلاث : وهران، الجزائر ، قسنطينة مابين 1939-1940. وما يتبين من خلال الجدول هو تشغيل الجزائريين في الأعمال الشاقة والخطرة 1270 عامل من بينهم 04 أطفال في قاع المناجم بينما اقتصرت أعمال الأوروبيون على أشغال جلها إدارية.
وكان اجر " العامل الجزائري كان فلاحا أو حرفيا يتراوح مابين 0.05 فرنك و1050فرنك في 14 ساعة عمل ، ولم تصل إلى أقصى ارتفاعاتها في 1900 إلا بـ 04 فرنك ، واستغلت فرنسا هذه الطاقة الكادحة في المشاريع الضخمة " 26. ويجب الإشارة هنا إلى أن المناجم الجزائرية( الملحق رقم : ) استغلت بشكل مفرط من قبل الملاكين الكولون المستوطنين فقد بلغ إنتاج الفحم سنة 1925 أكثر من 900 ألف طن .
السنوات:
1936
1937
1938
الإنتاج: (بالطن)
7500
15000
15000
إنتاج الفحم في الفترة مابين 1936-1938. 27
وجل هذه الثروات المعدنية موجهة للتصدير لا للتصنيع لأن السياسة الاستعمارية لم تعط أهمية للتنمية الصناعية في الجزائر ، ذات التكنولوجيا العالية مثل الحديد والصلب ، كما يسجل قلة الاستثمار في هذا القطاع " فلقد ناقش المجلس الفرنسي الأعلى للمستعمرات بتاريخ 19/03/1938 مسألة التصنيع في الجزائر ، وجاء في التقرير مايلي : أنه من الخطأ تصنيع المستعمرات يجب أن لا نخلق بروليتريا غير راضية على وضعها ، تشكل في المستقبل خطرا على السيادة الفرنسية ". 28
واقترنت الصناعة في الجزائر على الصناعة الاستهلاكية الصغيرة الحجممِثْل: صناعة الخمور، الزيوت، مطاحن البن، مطاحن الحبوب، قطاع الأشغال العامة...، * حتى لا تكون للجزائر قاعدة صناعية، وهذا ما يكشف عن القراءات المستقبلية للمستعمر في إبقاء المستوطنة مورد من موارد الاستنزاف خارج دائرة التصنيع.
وَهَكَذَا نَجِد أَن هَذِه الْمُنْجَزَات وَالْمَشَارِيْع الْفَرَنْسِيَّة كَانَت رَقْما فِي مُحَاوَلَات الِاسْتِيْطَان، مِمَّا جَعَل الْجَزَائِر سَوْقَا مَفْتُوْحَا عَلَى كُل الَرْسَامِيل وَالْمُسْتَثْمْرِين فُرَادَى وَجَمَاعَات شَرِكَات وتَكَتَلَات اقْتِصَادِيَّة ، دَافَعْت بِالْمَشْرُوْع الِاسْتِعْمَارِي فِي الْجَزَائِر نَحْو الْأَمَام ، فَلَقَد كَان الِاسْتِعْمَار الْفَرَنْسِي و مِن خِلَال هَذَه المشاريع وَاضِحا مِن أَجْل تَحْوِيِل الْجَزَائِر إِلَى مُسْتَوْدَع ضَخْم مِن الطَّاقَات الْبَشَرِيَّة وَالْمَادِّيَّة لِتَمْوِيل الْوَطَن الْأُم فَرَنْسَا .
قَدَّمَت فِيْه الْتَسْهِيْلات لِلْكُولُون مِن اجْل تَوْفِيْر كُل مُتَطَلَّبَات الِاسْتِقْرَار. لِان فَرَنْسَا وَمُنْذ الْبِدَايَة أَدْرَكْت أَن بَقَاءَهَا فِي الْجَزَائِر مَرْهُوْن بِتَمَرْكُز الْمُسْتَوْطِنِيْن الْأُوْرُوبِّيِّين ، وَلَن يَكُوْن ذَلِك إِلَّا بِنَقْل الْحَيَاة الْأُوْرُوْبِيَّة بِوَسَائِلَهَا وَهَيَاكِلُهَا إِلَى الْجَزَائِر لِجَعْلِهَا طَبَق الْأَصْل لِلْنَّمْوَذَج الْغَرْبِي ، أُقْصِي مِنْهَا الْجَزَائِرِي الَّذِي غَذِّى وَسَيْلَة سَخَّرَهَا الْأَوْرُوبِي خِدْمَة لِطَمَعِه وأَنَانِيْتِه وَمَشْرُوْعِه ، فهَذَا الْشَّيْء الَّذِي وَإِن عَلَا وَارْتَقَى لَن يَكُوْن إِلَا خَمَّاسا فِي مَزَارِع الْكُولُون و أَدَاة لِخِدْمَة الْمَدِنِيَّة الْكُولُوْنِيَالِيّة الْمَزْعُوْمَة .
الهوامش:
01-/: كلود ليوزو ، جيل منصرون ، الاستعمار و القانون والتاريخ ، الجزائر 2007 ، ص 86 .
* جول فيري : واسمه الكامل جُولْ فْرَانْسْوَا كَامِييْ فَارِِّي (بالفرنسية Jules François Camille Ferry) وزير فرنسي وتوفي سنة 1893 في ولد جول فيري في 5 أفريل1832 وتوفي يوم 17 مارس1893،وبرغم عديد انجازاته خاصة منها التربوية في عهد الجمهورية الثالثة إلا أنه كان من أشد أنصار الحركة التوسعية الفرنسية ويتبنى مقولة أن الأجناس أو الشعوب السامية تتمتع بواجب الوصاية والرعاية للشعوب البدائية المستعمرة، وبأن الشعوب الأولى تضطلع بدور تحضير وتأهيل الشعوب الثانية فمقولة"حرية، مساواة، أخوة"لم تنشأ ولاتصلح للشعوب المولى عليه
*:أهم هذه الجمعيات : جمعية الصداقة للدفاع عن المصالح المعنوية والمادية لقدامى المساجين المنفيين منالجزائر الفرنسية Amidad والتي تشكلت في نوفمبر 1967 تحت موافقة الجنرال راؤؤلصالان والتي تسعى لإعادة الاعتبار للمدافعين عن الجزائر فرنسية ، وجمعية شبابالأقدام السوداء وجمعية Anfanoma وRanfran . ، وتندرج أهداف هذه الجمعيات فـــــــــي:
- التعويض عن الممتلكات المفقودة فيالجزائر، وتكاليف العودة للوطن، والعفو الشامل للمدافعين عن الجزائر فرنسية
وضباط الانقلاب وأعضاء المنظمة الخاصةالسرية المسلحة. وترى هذه الجمعيات : وهذا حسب ما ورد على لسان احدأعضائها :" لقد أصبحت الجزائر مقاطعة فرنسية ، بفضل المدرسين الذين علموا الأهاليفضائل الجمهورية ، والأطباء الذين تغلبوا على الأوبئة خاصة حمى المستنقعات ،والفلاحين الذين حولوا بسواعدهم المستنقعات إلى أراضي صالحة للزراعة وغرسواالحمضيات ، والمهندسين الذين شيدوا الطرقات والسكك الحديدية ، والسدود ، والتنقيب والذين استصلحوا الصحراء باكتشاف البترول والغاز ، فهل هذه الحقائق تزعج أعداء فرنسا؟" .
02- عبد اللطيف ابن أشنهو ، تكون التخلف في الجزائر، 1830-1962 ، ترجمة مجموعة من الأساتذة ، الجزائر 1979 ،ص 104
03- د/ عدة بن داهة ، الاستيطان والصراع حول ملكية الأرض إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر1830-1962 ،الجزء الأول ، الجزائر 2008 ، ص 161
04- د/ عدة بن داهة ، المرجع السابق ، ص 162 .
05- Annie –rey-goldzeinguer, le royaume arabe, 1861-1877, Alger 1977, p : 586.
*راندون : جاك لويس - قيصر ألكسندر راندون ، ولد في مدينة غرو نوبل "GRENOBLE " في يوم 27 مارس من سنة 1795، عينّه لويس نابليون كخليفة للجنرال هوتبول "HAUTPOUL "ليصبحلاحقا حاكما عاما ، استطاع أن يقود عملية الغزو للجزائر مما جعلشهرته أكبر كحاكم عام للجزائر لا كوزير للحربية . عاصر المارشالراندون الكثير من الأحداث منها المقاومة في الأغواط في الجنوب الجزائريوالتي قادها ناصر بن شهرة والشريف بو شوشة والشريف محمد بن عبد الله، مات بجنيف سنة 1871.
06- عبد اللطيف ابن اشنهو ، المرجع السابق ، ص 106 .
07- د/ محمد دادة ، السياسة الاستيطانية الفرنسية في الجزائر 1852-1870، وهران 2002- 2003 ،ص 221 .
08-Annié –rey-goldzeigneur.op.cit, p588
09-/:عبد اللطيف ابن اشنهو ، المرجع السابق ، ص 106 .
10-/ : عميراوي أحميدة ، آثار السياسة الاستعمارية والاستيطانية في المجتمع الجزائري (1830-1954) ، الجزائر2007 ، ص69 .
11-/ : Djilali sari, la dépossession des fellahs 1830-1962 ,SNED1975,Alger,p :58 .
12-/: عدة بن داهة ، الخلفيات الحقيقة للتشريعات العقارية في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي (1830-1873) –معسكر ،2005.
13-/: أحميدة عميراوي ، المرجع السابق ، ص 60 .
14-/: عبد اللطيف ابن اشنهو ، المرجع السابق ، ص 109 .
15-/: شارل روبير أجيرون ، تاريخ الجزائر المعاصرة ، ترجمة عيسى عصفور ، ديوان المطبوعات الجامعية 1982، ص 128 .
16-/ : Annié-rey –goldzeiguer, royaume arabe, Alger 1977 –p585.
17-/: عدة ابن داهة ، الخلفيات الحقيقية للتشريعات العقارية في الجزائر، العقار في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي 1830-1962 ، ملتقى معسكر الأول ، 2005، ص131و132 .
18-/: عدة ابن داهة ، الاستيطان والصراع حول ملكية الأرض إبان الاحتلال الفرنسي للجزائر 1830-1962، ص 172 .
19-/: عبد اللطيف ابن اشنهو ، المرجع السابق ، ص107.
20-/: عدة ابن داهة ، المرجع السابق، ص 178.
21-/: أحميدة عميراوي ، المرجع السابق ، ص105.
22-/: عدة ابن داهة ، المرجع السابق، ص177.
* الآبار الارتوازية: بئر تقوم برفع المياه الجوفية إلى السطح دون استخدام مضخة بتوافر مقدارمناسب من الضغط. ويُطلق هذا المصطلح كذلك على آبار المياه بالغة العمق.
23-/: أحميدة عميراوي ، المرجع السابق ،ص 109-110.
24-/: محمد بليل ، تشريعات الاستعمار الفرنسي في الجزائر وانعكاساتها على الجزائريين ،1881-1914 القطاع الوهراني نموذجا رسالة ماجستير 2006،،ص188.
25-/ : Annié-rey –goldzeiguer, .op.cit, p597.
26-/:محمد بليل، المرجع السابق، ص190.
27-/:خيرة بوسعادة ، التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للجزائريين مابين 1936-1939 ، رسالة ماجستير في التاريخ المعاصر ،2001-2002 ،ص 38 .
28-/:خيرة بوسعادة ،المرجع السابق ،ص35
*/: بلغ عدد المؤسسات الصناعية 16748 تشغل 247744 عاملا جزائريا بمتوسط 14.7 عامل لكل مؤسسة