مقدمة:
لقد لقيت النقود أهمية كبيرة من طرف العلماء والاقتصاديين على مر العصور وتناولت دراستهم تحليل أثر التغيير في كمية النقود على مستوى النشاط الإقتصادي، وقد تضمنت آراء مختلفة جاءت في شكل نظريات نقدية أهمها. النظرية الكلاسيكية والتي تظهر فيما جاء به فيشر، والنظرية النيوكلاسيكية من خلال ما جاء به كمبردج. هذه النظريات تدرس التغير في كمية النقود المتداولة في الاقتصاد القومي ولكن هده الدراسات لم تجدي نفعا أمام الظروف الاقتصادية السائدة في 29/03/1933 والمتمثلة في أزمة الكساد حيث ظهر على إثرها الاقتصادي كينز من خلال النظرية الكينزية من أجل حل هذه الأزمة ووضح أسبابها وكيفية الخروج منها. إلا أن الإقتصاد واجه أزمات أخرى جديدة عجز الفكر الكينزي على حلها، مما أدى إلى ظهور نظريات وأفكار أخرى جديدة متمثلة في النظرية النقدية الحديثة من خلال مفكري مدرسة شيكاغو" النقديون" وعلى رأسهم " ميلتوز فريدمان" الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد لسنة 1976.
فما هي الظروف الحقيقية التي أدت إلى ظهور النظرية النقدية الحديثة؟ وما هي المبادئ التي اعتمد عليها فريدمان في تفسيره لنظريته؟ وهل تمكن من الوصول إلى حلول للأزمات الاقتصادية بعد أزمة الكساد التضخمي؟
المبحث الأول: ظهور النظرية النقدية الحديثة
المطلب الأول: الظروف التي أدت إلى ظهور النظرية النقدية الحديثة
بالرغم من الأفكار التي جاء بها كينز والتي ساهمت في إخراج العالم من أزمة الكساد 1929 إلا انه وبعد الحرب العالمية الثانية واجه اقتصاد الدول الغربية خلال السبعينات أزمات اقتصادية جديدة ومختلفة عن سابقتها والمتمثلة في أزمة التضخم الركودي الذي صاحبه ارتفاع حاد ومتواصل على مستوى الأسعار وكذلك تزايد معدلات البطالة ومن هذا المنطلق ظهرت سمات وخصائص جديدة لم يتمكن الفكر الكينزي من تفسيرها وهي ظاهرة تزامن التضخم والبطالة هذه الأخيرة تعتبر مشكل اقتصادي صعب أدواته التحليلية ومقترحاته العالمية ومن هنا ظهر فكر نقدي جديد متمثل في فريدمان وفكري شيكاغو للتصدي لهذا العائق وحل هذه الأزمات
المطلب الثاني: الأسس التي تميز الفكر النقدي الحديث
قد قام النقديون المعاصرون بإدخال تغييرات أساسية على مضمون النظرية الكمية للنقود ومن أهم هذه الأسس التي قامت غليها نجد:
- استعد النقديون العلاقة التناسبية بين التغيرات النقدية ومستوى الأسعار واكتفوا بالتأكيد على العلاقة السبية بينهما
- اعترف النقديون بإمكانية تغير سرعة تداول النقود، لكنهم لم يولوا أهمية كبيرة لذلك.
- عارض النقديون الفرض المتعلق بثبات حجم الإنتاج في معادلة التبادل.
- يرى النقديون أن الطلب على النقود يتمتع بدرجة كبيرة من الثبات على خلاف عرض النقود.
- نتقد النقديون الدور الثانوي الذي أعطي للنقود من طرف كينز فهم يرون أن التضخم يعد ظاهرة نقدية أساسا ويكمن في نمو كمية النقود سرعة أكبر من نمو الإنتاج.
ركز النقديون الاهتمام على العلاقة بين النظرية النقدية وعملية الإنتاج إلى أن السياسة النقدية والائتمانية من أهم وسائل الرقابة وإدارة النشاط الاقتصاد.
المطلب الثالث: فرضيات التحليل الفريدمانية
يتساءل فريدمان عن السبب الذي يدفع الأفراد للاحتفاظ بالنقد ولتحليل هذه الأسباب افترض ما يلي:
- أن النقود أصل من الأصول وبالتالي تتأثر نفس العوامل التي تؤثر في الطلب على الأصول الأخرى.
- أن الثروة هي المحدد الرئيسي في دالة الطلب بالإضافة إلى العوامل المتوقعة من الأصول الأخرى مقارنة بعوائد النقد نفسه.
- أن الأفراد يرغبون بكمية حقيقية من الأرصدة وليست كمية اسمية.
- الطلب على أرصدة حقيقية من النقود يتأثر إيجابا بثروة الأفراد والتي عبر عنها بالدخل الدائم ويقصد به الدخل المتوقع الحصول عليه وعلى المدى الطويل، وهو يعتبر أقل تقلبا وعلى المدى الطويل وفي مختلف الحالات الاقتصادية من الدخل الجاري.
- أن ثروة الأفراد تأخذ أشكالا متعددة بالإضافة إلى النقود وقسمها إلى ثلاثة تصنيفات رئيسية هي: الأسهم، السندات والسلع، وأن الحافز وراء امتلاكها هو العائد المتوقع منها مع العائد المتوقع من النقود نفسها وكلما زاد هذا العائد قل الطلب على النقود.
المحث الثاني: نظرية الطلب على النقود عند فريدمان
تعد نظرية الطلب على النقود عند فريدمان بالنظرية الكمية فهي نظرية تربط كمية النقود بالأسعار والدخل وإنما هي مجموعة من الفروض تتعلق بكمية الأرصدة المرغوبة من جانب العناصر الاقتصادية، الثروة هي فقط التي يمكنها تفسير الطلب على النقود نظرا لأن النقود تعد أهم الأشكال التي تتوزع فيها الثروة إلى جانب غيرها من الأشكال الأخرى الأصول الطبيعية المالية والموارد البشرية.
المطلب الأول: العوامل التي يتوقف عليها الطلب على النقود عند فريدمان
1- الثروة الكلية: هي كل العناصر أو المصادر التي يمكن الحصول من خلالها على دخل ولأصول الثروة أشكال متنوعة تتوزع على خمسة أنواع رئيسية هي:
النقود- الأصول النقدية( السندات ذات الدخل الثابت)- الأصول المالية (الأسهم)- الأصول الطبيعية( رأس المال العيني)- رأس المال البشري.
يرى فريدمان أن الثروة الكلية للعناصر الاقتصادية تمثل المحدد الأساسي في الطلب على النقود وأن الثروة عنده واسعة وتشمل كافة العناصر البشرية وغير البشرية حيث أن العناصر البشرية تتمثل في عنصر العمل وقدرته الإنتاجية والتي تولد تيار الدخل الناتج عن ذلك العمل.
2- الإئتمان والعوائد من الأشكال الأخرى البديلة للإحتفاظ بالثروة
بالنسة للنقود: هي وسيط التبادل وفي تسوية الديون ولها قيمة اسمية يمكن أن تحقق عائد في حالة إيداعها والمتمثل في سعر الفائدة بينما العائد الحقيقي لها يكمن في القدرة الشرائية لها والمعبر عنها في دالة الطلب بالرقم القياسي للأسعار.
بالنسبة للسندات: هي أصل مالي يشكل نوعا من أنواع الثروة التي يحتفظ بها الأفراد والسندات تحقق لمالكيها عائد يتمثل في سعر الفائدة الاسمي.
وقد يتحقق عائد أيضا من هذه السندات نتيجة ما يحدث من تغير في أسعارها نظرا لتغير قيمتها عبر الزمن ولكن يفترض ثبات المستوى العام للأسعار بحيث يقتصر العائد على السندات على سعر الفائدة المقرر بالنسبة لها.
بالنسة للأسهم: هي أصل مالي يمثل أحد أشكال الثروة التي يحتفظ بها الأفراد ويعطي مالكه عائدا يتمثل في الأرباح التي توزعها الشركات التي أصدرت هذه الأسهم الإضافة إلى المكاسب الرأسمالية التي يمكن أن يحققها السهم والمترتب في الفرق بين سعر السهم في السوق وسعر إصداره.
بالنسبة لرأس المال المادي فيتم حسابه العائد منها عن طريق تحديد معدلات الاستهلاك أي تقديراثمانها وتغيرات هذه الأثمان خلال الزمن بالنسبة لمدة استخدامها
بالنسبة لرأس المال البشري:لايمكن تقديره بأسعار السوق بسهولة وعليه ادخله فريدمان في التحليل الخاص بالطلب على النقود عن طريق مؤشر معين يمثل العلاقة بين العلاقة بين رأس المال البشري وغير البشري (أو نسبة الدخل من المصدر الطبيعي)
3-العوامل التي يمكن أن تؤثر في الأذواق و ترتيب الأفضليات لدى حائزي الثروة
بفرض استكمال التحليل اعتمد فريدمان على الجانب الكيفي للثروة بالإضافة إلى الجانب الكمي لها على أساسه لا يوزع العنصر الاقتصادي ثروته و مختلف الأطوال المكونة لها تبقا لعائدها فقط بل بحكمه أيضا اعتبارات معينة تتعلق بالأذواق و بترتيب الافضليات و هذه الاعتبارات قد تفرض عليه أحيانا اختبار الذي يتم وفق للمعايير الكمية فقط و التي تعتمد على الفوائد المختلفة و من ثم ادخل فريدمان الأذواق في تحليله للطلب على النقود
المطلب الثاني: دالة الطلب عل النقود
Md/p=f(yp , rb-rm , re-rm , πe-rm , h-rm)
Md/p الطلب على النقود كأرصدة حقيقية
yp الثروة reالعوائد المتوقفة من الأسهم
Rmالعوائد المتوقفة من النقود eπمعدل التضخم المتوقع
rb العوائد المتوقفة من السندات r الثروة البشرية
وتدل الإشارة الموجبة إلى العلاقة الطردية كما تدل الإشارة السالبة إلى العلاقة السلبية
إن الطلب على أرصدة حقيقية من النقود بتأثر إيجابا بثروة الأفراد والتي عبر عنها بالدخل الدائم و يقصد به الدخل المتوقع الحصول عليه و على المدى الطويل و قد خالف بذلك التحليل الكلاسيكي و التي عبر عن الثروة بالدخل الجاري و قد علل فريدمان اختباره للدخل الدائم بأنه اقل تقلبا وعلى المدى الطويل .
إن ثروة الأفراد تأخذ أشكال متعددة بالإضافة إلى النقود و قسمها إلى ثلاث تصنيفات رتبة الأسهم و السندات و السلع وان الحافز وراء امتلاك هذه أموال هو العائد المرتفع منها مقارنة مع العائد المرتفع من النقود نقسها وكلما زاد هذا العائد المرتفع كلما قل الطلب على النقود(علاقة سلبية)
ويتأثر الطلب على النقود أساسا بعاملين هو الخدمات المقدمة من المعارف لمودعيها و سعر الفائدة على هذه الودائع فكلما زادت هذه العوامل كلما زاد الطلب على النقود و قل على الأصول الأخرى
وقد تم التعبير عن قيمة السلع بمعدل التضخم وهو العائد المتوقع من بيع هذه الصول بالمستقبل و تحقيق أرباح رأسمالية وهذه الأرباح تساوي معدل التضخم المتوقع أما الثروة البشرية (وهي تلعب دورا أساسيا في تحديد نظرية الطلب على النقود عند فريدمان) فهي تعني أن الدخل القادم إذا كان في معظمه من الخبرات البشرية فان الأفراد سيرغبون بالاحتفاظ بالنقود بشكل سائل أكثر وذلك لأن هذا الدخل بطبيعته غير سائل وهنا تصبح العلاقة سلبية بين الدخل البشري والنقود.
المطلب الثالث: العلاقة بين الطلب على النقود و محدداته.
من خلال معادلة الطلب على النقود الفريدمانية يتضح أن الطلب على النقود يتحدد بالثروة (أو الدخل الدائم) وتكلفة البديلة للاحتفاظ بالنقود العوامل التي تؤثر في الأذواق وترتيب الأفضليات لدى حائزي الثروة.
هناك علاقة طردية بين الثروة الحقيقية أو الدخل للفرد و بين طلبه على النقود فكلما زادت الثروة أو الدخل الحقيقي زادت معه قدرة الفرد على الاحتفاظ بالنقود بصنفها احد أشكال الثروة أي أن احتفاظ بالنقود يزيد مع زيادة الدخل و لكن بنسبة اقل منه حيث أن الطلب على النقود مرن بالنسبة لتغيير الدخل فالأبحاث التطبيقية تؤكد على أن مرونة الطلب الداخلية على النقود اكبر من الواحد الصحيح....
أما العلاقة بين الطلب على النقود و تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بها فهي علاقة عكسية و يشير فريدمان أن تلك التكلفة تزيد كلما زادت العوائد المضحى بها نتيجة للاحتفاظ بالنقود بدلا من استخدامها في شراء أسهم أو سندات وإذا تخفضت قوتها الشرائية نتيجة للاحتفاظ بها بدلا من شراء سلعا ترتفع أسعارها بقاء العوامل الأخرى على حالها يزيد في طلب على النقود للاحتفاظ بها في صورة سائلة كلما انخفضت تكلفة الاحتفاظ بتلك النقود و العكس صحيح .
بينما العلاقة طردية بين الثروة البشرية و غير البشرية و الطلب على النقود وذلك أن ارتفاع الثروة البشرية و المادية يشجع الأفراد بالاحتفاظ بنسبة كبيرة من دخلهم في تلك أرصدة نقدية سائلة و يرجع ذلك إلى أن الثروة المادية يمكن تحويلها إلى سيولة نقدية بينما الثروة البشرية يطلب تحويلها و بالتالي لايمكن استغلالها و الاستفادة منها في الحصول على دخل في حالة وجود بطالة و يقل الطلب عن العمل فكلما ارتفعت الثروة البشرية في إجمالي الثروة الخاصة زاد الطلب على النقود لكي يتمكن الفرد من مواجهة مشكل البطالة بينما المتغيرات الخارجية و المتمثلة في الأذواق بالنسبة لهيكل الثروة المرغوب فيها بيد متغير متبقي يفسر التغيرات التي تحدث في الطلب على النقود والتي لا تفسرها المتغيرات الكمية.
العلاقة بين الطلب على النقود و الثروة الحقيقية (الدخل الدائم )طردية حيث كلما زاد مستوى الدخل الدائم زاد الطلب على النقود نتيجة لزيادة قدرة الفرد على الاحتفاظ بالنقود بصفتها أحد أشكال الثروة ,أي أن الاحتفاظ بالنقود يزيد مع زيادة الدخل و لكن بنسبة أقل منه حيث أن الكلب على النقود مرن بالنسبة لتغير الدخل و الأبحاث التطبيقية تؤكد على أن مرونة الطلب الداخلية على النقود أكبر من الواحد الصحيح
والطلب على النقود من جهة نظر فريدمان لن يتأثر كثيرا بتقلبات النشاط الاقتصادي سواء في حالة الكساد أو الانتعاش, لأن الطلب على النقود مرتبط بالدخل الدائم و الذي يتميز بالاستقرار و الثبات ولا يتعرض لتقلبات كبيرة,وعليه فان الطلب على النقود يصبح مستقرا,(وهذا التحليل يتناسب مع الفكر التقليدي حول استقرار دالة الطلب النقدي من خلال افتراض ثبات سرعة دوران النقود (v)واستعاد تأثره بسعر الفائدة (v)).
أما العلاقة بين الطلب على النقود و تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بها عكسية حيث أن التكلفة تزيد كلما زادت العوائد المضحى بها نتيجة للاحتفاظ بالنقود بدلا من استخدامها في شراء أسهم أو سندات, وإذا انخفضت قوتها الشرائية نتيجة الاحتفاظ بها بدلا من شراء سلع ترتفع أسعارها .
بينما بقاء العوامل الأخرى على حالها يزيد في الطلب على النقود للاحتفاظ بها في صورة سائلة كلما انخفضت تكلفة الاحتفاظ بتلك النقود والعكس.
العلاقة بين الطلب على النقود و الثروة البشرية و غير البشرية طرية حيث أن ارتفاع الثروة البشرية و المادية يشجع الأفراد على الاحتفاظ بنسبة كبيرة من دخلهم في شكل أرصدة نقدية سائلة و يرجع ذلك إلى أن الثروة المادية سهل تحويلها إلى سيولة نقدية بينما الثروة البشرية يصعب تحويلها و بالتالي لا يمكن استغلالها و الاستفادة منها في الحصول على دخل في حالة وجود بطالة و يقل الطلب على العمل فكلما ارتفعت الثروة البشرية في إجمالي الثروة الخاصة زاد الطلب على النقود لكي يتمكن الفرد من مواجهة مشكل البطالة.
بينا العلاقة بين الطلب على النقود و المتغيرات الخارجية و المتمثلة في الأذواق بالنسبة لهيكل الثروة المرغوب فيها يعد متغير متبقي يفسر التغيرات التي تحدث في الطلب على النقود و التي لا تفسرها المتغيرات الكمية .
المبحث الثالث: الملامح الأساسية للنظرية النقدية الحديثة
المطلب الأول: أهمية السياسة النقدية في مدرسة شيكاغو:
نستخلص النظرية إلى تشخيص حالة التضخم على أنها ظاهرة نقدية بحثة ناتجة عن زيادة كمية النقود بسرعة اكبر من نمو الإنتاج و عليه فالمسؤول على حالة التضخم هو البنك المركزي نتيجة إفراطه في خلق النقود فهو يتبع سياسة نقدية لا تتصف بالجدارة ولا المهارة الكافيين في الزيادة في الأسعار ولا يمكن أن تحقق إذا لم يتم تمويلها بوسائل تعد تحت إرادة البنك المركزي و تحت سيطرته كونه المسؤول و المهيمن على الشؤون النقدية.
ويرى فريدمان أن معدل التغيير في عرض النقود بما يتناسب مع معدل تغير سرعة دوران النقود أو الطلب على الاحتفاظ بها يعتبر شرط أساسي لتحقيق الاستقرار في مستوى الدخل النقدي على المستوى العام للأسعار و بالتالي لابد من الاهتمام بالسياسة النقدية نظرا لأهميتها في مكافحة التضخم من خلال مراعاة كمية النقود عند معدل يكون مرتبط بمعدل النمو الاقتصادي و على السلطات احترام هذا المعدل و قد اقترحوا أن يكون معدل نمو عرض النقود يساوي معدل نمو الدخل القومي الحقيقي.
وخلاصة القول يرى النقديون أن تنظيم كمية النقود ضرورة لأن النقود وحدها تمارس أثر على الاقتصاد في حيث السياسة المالية لا ينتج عنها سوى أثر جزئي و لكن يؤثر على الدخل إلا عن طريق ما تحدثه من أثار على الكمية النقدية .
المطلب الثاني - الاختلافات الأساسية بين النظرية الحديثة و النظرية الكنزية:
1-تحديد سعر الفائدة :
يرى فريدمان أن هناك أكثر من سعر الفائدة يؤثر على الاقتصاد, ويرى كينز وجود سعر فائدة واحدة و المتمثل في سعر الفائدة على السندات وهو المعبر الحقيقي على أسعار الفائدة على الأصول الأخرى و بالتالي لا داعي لإدراجها.
2-ثبات سعر الفائدة :
افتراض كينز ثبات سعر الفائدة ,يرى أن سعر الفائدة يتغير حسب الحالة التي تكون عليها المصارف عند تحقيقها للأرباح الناتجة عن القروض التي تمنحها حيث في حالة غياب القيود على رفع أسعار الفائدة فان المصارف تدفع فائدة أعلى على ودائع لجلب مزيد منها لاستثمارها في القروض وعليه يزيد الطلب على النقود حتى مع ارتفاع الفائدة على القرود و السندات
أما في حالة وجود قيود أسعار الفائدة على الودائع فان المصارف تتجه إلى المنافسة من خلال الخدمات المقدمة كخدمة التسديد, الدفع, التحصيل, الصراف الآلي.... ونتيجة لذلك فان العائد المتوقع من الاحتفاظ بالنقود سيزيد أيضا.
3-يرى كينز أن سعر الفائدة إضافة إلى ثباته فهو المحدد الرئيسي في الطلب على النقود بينما فريدمان و مع التغيرات في أسعار الفائدة فهي تؤثر بشكل جزئي فقط و المؤثر الرئيسي هي الثروة(الدخل الدائم).
4-خلافا لما جاء به كينز فان التغير في كمية النقود تلعب دورا في التأثير على حجم الأنفاق الكلي في الاقتصاد.
5- ركز فريدمان على ثبات الدالة الطلب على النقود على خلاف كينز وأن هذا الثبات يعود إلى صغر حجم التقلبات بدالة الطلب على النقود بشكل صحيح.
ويربط هذا الفرض مع أن الطلب على النقد غير حساس في أسعار الفائدة فان ذلك يعني أن تنبؤ بسرعة دوران النقد(v)ممكنة و بشكل كبير .
المطلب الثالث :.أهم انتقادات المدرسية النقدية
1-لم يستطع النقديون التخلص نهائيا من الأخطاء التي وقع فيها التقليديون حيث أن التغير في مستوى الأسعار راجع إلى التغير في كمية النقود و لكن الواقع أثبت العكس إذ يمكن أن تتغير الأسعار من خلال عوامل أخرى كالاحتكار مثلا،و بالتالي فان مستوى الأسعار يمكن أن يكون سبب وليس نتيجة.
2-المبالغة الكبيرة في أهمية النقود و دورها في الاقتصاد وإهمال تأثير العوامل الأخرى مثل(إنتاجية العمل - التنظيم - الخبرة – التكنولوجيا.....)
3-لم تستطع النظرية النقدية الحديثة من إيجاد حل للازمات الاقتصادية الحديثة و التي تختلف عن أزمات الكساد وحدة و التضخم وحده بل هي أزمات اقتصادية ذات نوع خاص متمثلة في الكساد التضخمي.
الخاتمة
إن النظرية النقدية الحديثة مقارنة مع النظريات التقليدية تعتبر أكثر واقعية وعمقا في تحليلها للعلاقات الاقتصادية بين كمية النقود و المستوى العام للأسعار فهي تأخذ في عين الاعتبار تأثير التغيرات على مستوى الناتج القومي و الدخل القومي ،و كذلك التغير في الطلب على النقود على مستوى الأسعار بالإضافة إلى الدراسة الدقيقة للعوامل التي تحدد الطلب على النقود كمفسر لحالة التضخم ،فهي رغم القيود التي ترد على مدى صلاحياتها تعد واقعية في تفسيرها للظاهرة من خلال مقارنتها بالنظرية الكلاسيكية و أكثر صلاحية من النظرية الكينزية ،غير أن الوضع الحالي يعاني أزمات جديدة مزدوجة (الكساد – التضخم) هذه الأخيرة لم تتمكن النظرية من إيجاد حلول لها.