كان العام الماضي عاماً مميزاً بالنسبة لقراصنة الانترنت او "الهاكر"، حيث استطاع الكثير منهم تحقيق العديد من الاختراقات الناجحة في انظمة الشركات والمؤسسات الحكومية الحيوية وشل حركتها او خروجها من الخدمة والتسبب بخسائر قدرت بمئات المليارات من الدولارات، حتى ان الامر تحول الى منافسة بين مجاميع عالمية مختلفة من الهواة –اللذين لم تتجاوز اعمار البعض منهم سن المراهقة- والمحترفين في التسلل وتعطيل الانظمة الالكترونية وتجاوز جدران الحماية الخاصة بهذه الشركات.
من جهتها سعت الحكومات والمنظمات العالمية المهتمة في مجال الامن الالكتروني في محاولة منها لتطويق هذه الظاهرة والحد من التجاوزات المستمرة على التجارة الالكترونية وحماية البيانات الشخصية للمستخدمين والمعلومات ذات الحساسية العالية، الى اتخاذ العديد من التدابير الامنية والتي اثمرت عن اعتقال العديد من القراصنة والمتطفلين، اضافة الى الشروع في سن المزيد من القوانين الرادعة.
وقد اشار بعض المحللين الى ان امر القرصنة الالكترونية لم يعد مقتصراً على تحقيق بعض المكاسب المادية او الشهرة او الازعاج في بعض الاحيان فحسب، بل ان هناك مصطلحات جديدة وهجمات جديدة قد تبرز بين الحين والاخر، فالقرصنة السياسية واحدة من ابرز وجوه الاجرام الالكتروني والذي اتخذ طابع السرية والمنافسة بين الدول في تحقيق الاختراق الناجح وكشف بعض الاسرار المهمة.
القرصنة السياسية
اذ تقول دراسة مهمة تتعلق بحوادث الأمن الإلكتروني الكبيرة إن نشطاء القرصنة السياسية على الإنترنت سرقوا بيانات من مؤسسات كبرى أكثر مما سرق قراصنة الإنترنت من المجرمين في عام 2011، حيث كشفت شركة فيريزون Verizon العالمية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تحليل سنوي لحوادث اختراق المعلومات على الانترنت عن ارتفاع كبير في عدد الهجمات الإلكترونية ذات الدوافع السياسية، ووجدت الشركة أن 58 في المئة من كل البيانات المسروقة في اختراقات وقعت عام 2011 كانت تتم من قبل هذه المجموعات الناشطة في مجال القرصنة السياسية، وصنفت الشركة في تقريرها أن هناك 855 حادثة حول العالم جرى خلالها سرقة 174 مليون سجل الكتروني.
وقال ويد بيكر، مدير قسم الأبحاث والمعلومات بشركة فيريزون: "لقد ظل نشاط القرصنة لأغراض سياسية موجودا منذ فترة، ولكن كان بشكل أساسي لمهاجمة المواقع، أما في عام 2011، فقد كان الأمر يتعلق أكثر بسرقة العديد من المعلومات من الشركات"، وكانت على رأس مجموعات القرصنة لأغراض سياسية مجموعة "أنونيموس" أو "المجهولون" والتي حققت العديد من النجاحات في اسقاط عدد من المواقع وسرقة كميات كبيرة من البيانات من بعض الشركات الخاصة والمؤسسات الحكومية، وأضاف بيكر من شركة فيريزون: "لقد أصبحت القرصنة لأغراض سياسية أحد آليات الاحتجاج السياسي"، واشار الى انه من الصعب تطوير نظم دفاعية محددة ضد هذه الهجمات الإلكترونية لأن مجموعات القرصنة السياسية تستخدم وسائل وأساليب خاصة يتم ابتكارها لكل مناسبة بعينه، واضاف إن الهجمات التي يقوم بها هؤلاء لم تكن شائعة، ولكنها كانت تحصل على كميات ضخمة من البيانات عندما كانت تخترق أنظمة الحماية بحثا عن ثغرات مختلفة بها. بحسب بي بي سي.
واوضح أن نحو 35 في المئة من البيانات التي تمت سرقتها، كانت في إطار جرائم القرصنة الإلكترونية المنظمة من أجل أغراض السرقة أو استخدامها في أعمال إجرامية أخرى، وقال بيكر إن القرصنة الإجرامية لا تزال تشكل تهديدا كبيرا للشركات الكبرى ولا تزال تستهدف ضرب أنظمة الحماية المختلفة من أجل إيجاد مواطن للضعف لاختراق المواقع من خلاله، وأضاف أن هذه الهجمات الإلكترونية في إطار الجريمة المنظمة كانت تميل إلى أن تكون انتهازية ومادية عند التوصل إلى مثل هذه الثغرات الأمنية أو مواطن الضعف بأنظمة الحماية الإلكترونية، وفي حين خرجت القليل من الشركات من مجال العمل أو لا يزال يعاني بعضها بسبب الأضرار التي سببتها مثل هذه الحوادث، لا يزال هناك الكثير من العمل أمام الشركات من أجل ضمان حمايتها.
هجوم الكتروني على بي بي سي
في سياق متصل يشتبه في ارتباط "هجوم الكتروني متطور" على بي بي سي بمحاولات إيران لتعطيل خدمة بي بي سي باللغة الفارسية، ومن المزمع أن يلقي مارك طومسون المدير العام لبي بي سي كلمة يعلن فيها تزامن الهجمات الالكترونية مع محاولة للتشويش على بث تلفزيون بي بي سي الفارسي على قمريين اصطناعيين، وسيقول طومسون في كلمته "نعتقد أن تزامن هذه الهجمات مثير للريبة والاشتباه"، وقد انتقدت منظمة "مراسلون بلا حدود" ما وصفته "بجيش إيران الالكتروني"، ويأتي تصريح طومسون عقب شكواه في مدونته في شباط الماضي من "التشويش المتكرر على القنوات الدولية مثل تلفزيون بي بي سي الفارسي مما يمنع وصول الشعب الايراني إلى مصدر هام للمعلومات"، وفي الكلمة التي سيلقيها أمام الجمعية الملكية للتلفزيون، سينوه طومسون إلى أنه في يوم شن الهجوم الالكتروني، جرت محاولة لقطع الاتصالات الهاتفية بالخدمة الفارسية لبي بي سي في لندن عن طريق سيل من الاتصالات من خدمات آلية، وسيقول طومسون في كلمته "لا أريد أن اتحدث بالتفصيل عن هذه الحوادث ولكني أحب أن اؤكد أننا، كما هو مسعانا دائما، نتخذ كل ما في وسعنا من إجراءات لضمان وصول هذه الخدمة الحيوية لكل من يحتاجها". بحسب بي بي سي.
وقالت متحدثة باسم طومسون "لا يمكننا أن نعلق على الهجوم باكثر مما هو مذكور في المقتطف الذي لديكم من الخطاب"، وتأتي تصريحات طومسون عقب نشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لتقرير "اعداء الانترنت" في وقت سابق، وتقول "مراسلون بلا حدود" إن بعض الدول على قائمتها "تراقب الانترنت بصورة فعالة للغاية بحيث يقصرون استخدام الانترنت في بلادهم على شبكات محلية لا تمت بصلة لما يجري في العالم"، وتضيف المنظمة أن السلطات الايرانية بمقدورها الآن حجب منافذ شبكات خاصة كانت تمكن الايرانيين من تخطي القيود المفروضة على الانترنت في بلادهم، وتشير المنظمة أيضا إلى أنه في أوقات الاضطرابات كانت السلطات الايرانية تحد بدرجة كبيرة من سرعة الانترنت بحيث لا يتمكن الناشطون من ارسال أو استقبال الصور أو تسجيلات الفيديو، وقد أنشأ الحرس الثوري الايراني عام 2010 شعبة أسماها "الجيش الالكتروني"، وقد اعتقل المئات من مستخدمي الانترنت في إيران، وحكم على بعضهم بالإعدام، وفي وقت سابق أمر الزعيم الايراني الاعلى اية الله علي خامنئي بإنشاء "المجلس الاعلى للفضاء الالكتروني"، والذي ستوكل إليه مهام وضع السياسات الخاصة بالتعامل مع الانترنت، ولم تحصل بي بي سي على تعليق من وزارة الخارجية الايرانية على الامر.
اعتقالات دولية
الى ذلك قال مسؤول قضائي إن السلطات الأمريكية اعتقلت في نيويورك أشخاصاً يعملون في مجموعة "لولز سيك" للقرصنة الإلكترونية التي اعترف قائدها بمهاجمة بيانات شخصيات عامة عبر شبكة الانترنت، وأضاف المسؤول أن قائد المجموعة اعترف بالمسؤولية ووُجهت له تهم بالتآمر لسرقة بيانات شخصيات وُصفت بالبارزة في عدد من الشركات، وكان أعضاء المجموعة قد تبنوا اختراق عدد من المواقع الإلكترونية لشركات كبيرة ، وهيئات قضائية ووكالات حكومية، ومجموعة "لولز سيك" هي فرع أقل تنظيماً من مجموعة القرصنة التي تطلق على نفسها اسم "مجهول"، واكتسب أعضائها شهرة في شهر مايو/أيار الماضي بعد اختراقهم الموقع الإلكتروني "لخدمة البث العامة" الأمريكية ووضع خبر يزعم أن مغني الراب الأمريكي الراحل "توباك شاكور" حي ويعيش في نيوزيلاند، وكانت السلطات البريطانية قد اعتقلت ريان كليري المراهق الانجليزي الذي يشتبه في العمل لحساب مجموعة القرصنة، كما اعتُقل جاك ديفيز المتحدث باسم المجموعة في اسكتلند، وكانت "لولز سيك" قد أعلنت مسؤوليتها عن اختراق موقع التسوق الإلكتروني "إي باي" وموقع شركة "سوني" ضمن سلسلة من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت مواقع أخرى، ونشرت مجموعة "مجهول" الشهر الماضي ما قالت إنه تسجيل لمكالمة تليفونية خاصة بين عملاء المباحث الفيدرالية الأمريكية "أف بي أي" وبين محققين في العاصمة البريطانية لندن في شأن أشخاص مشتبه بعملهم لحساب "لولز سيك". بحسب بي بي سي.
قراصنة يسيطرون على انظمة ناسا
من جانبه قال مفتش تابع لوكالة الطيران والفضاء الامريكية (ناسا) للكونغرس الامريكي إن قراصنة اخترقوا انظمة الحاسب الخاصة بالوكالة و"تمكنوا من السيطرة الكاملة" على اجهزة الحاسب الرئيسية في الوكالة عام 2011، وقال بول كيه مارتن إن القراصنة اخترقوا وسيطروا على اجهزة الحاسب في مختبر الدفع النفاث و"اخترقوا الحسابات الخاصة ببعض اهم مستخدمي المختبر"، وقال مارتن إنه يجري التحقيق في الهجوم الذي جاء من مصادر في الصين، وقالت ناسا في بيان إنها "حققت تقدما ملحوظا لحماية أنظمة المعلومات" الخاصة به، وقد قدمت شهادة مارتن الخاصة بالامن الالكتروني لناسا أمام لجنة الكونغرس للعلوم والفضاء والتكنولوجي، وأوضح مارتن في شهادته أن القراصنة الذين اخترقوا النظام الالكتروني لناسا بصورة تامة كان بإمكانهم "تعديل ونسخ والغاء ملفات هامة" أو "تحميل برامج للاختراق تمكنهم من السيطرة على حسابات المستخدمين". بحسب بي بي سي.
واوضح مارتن ايضا ان ناسا تعرضت لعدد 5408 حادثا يتعلق بسلامة اجهزة الحاسب بها بين 2010 و2011، وفي احدى هذه الحوادث فقد جهاز حاسب يحتوي النماذج الحسابية المستخدمة للسيطرة على المحطة الفضائية الدولية، وقال مارتن إن ناسا "بيئة مليئة بالاهداف التي تجذب الهجمات الالكترونية"، وقال مارتن إن دوافع المخترقين تتراوح بين "اختبار قدراتهم الشخصية على اختراق انظمة ناسا والمنظمات الاجرامية التي تخترق بهدف الربح والتدخل الذي قد يكون مدعوما من اجهزة المخابرات لدول أخرى"، وقال مارتن إن التحقيقات التي اجريت ادت إلى "القاء القبض على اشخاص من الصين وبريطانيا وايطاليا ونيجيريا والبرتغال ورومانيا وتركيا واستونيا"، وقالت ناسا إنها تعمل على تنفيذ الاجراءات الامنية التي اوصى بها مارتن في شهادته.