الناصح والناقد إما أن يريد الإصلاح والبناء أو يريد الهدم والإفناء، ولهذا طريقه ولذلك كذلك، والبعد عن التعميم ومحاكمة الآحاد من العبارات والجمل مع عدم تعميمها على غيرها والبعد عن إلزاماتها التي ليست بلازمة لها ولم يلتزم بها قائلها هو طريق الإنصاف الذي سلكه علماء السلف رضوان الله عليهم.
والمؤمن الكيس يوافق كل قوم فيما وافقوا فيه الكتاب والسنة، وأطاعوا فيه الله ورسوله، ولا يوافقهم فيما خالفوا فيه الكتاب والسنة أو عصوا فيه الله ورسوله.
وبهذا يكون المنصف من لم يتأثر باللفظ والمبنى بل يعطي الحكم بعد النظر في المعنى.
والحقيقة أنه من سوء الظن الاستعجال والحكم على مباني الكلام بظاهره دون إمعان النظر في المعاني، وسوء الظن يدفع صاحبه إلى تصيد الأخطاء للعلماء، وإذا كانت هذه هي نفسية من يبحث عن الأخطاء، فإنه حتماً سيجد ضالته في مباني الكلام التي قد توحي بمعاني غير سليمة، وفي هذا يقول صاحب كتاب (تصنيف الناس بين الظن واليقين)(1):
ومن طرائقهم ترتيب سوء الظن، وحمل التصرفات قولاً، وفعلاً على محامل السوء والشكوك.
ومنه التناوش من مكان بعيد لحمل الكلام على محامل السوء بعد بذل الهمِّ القاطع للترصد والتربص، والفرح العظيم بأنه وجد على فلان كذا، وعلى فلان كذا، ومتى صار من دين الله فرح المسلم بمقارفة أخيه المسلم للآثام.
ألا أن هذا التصيد جاء خبيثاً، متى ما تمكن من نفس أطفأ ما فيها من نور الإيمان، وصيَّر القلب خراباً يباباً، يستقبل الأهواء والشهوات، ويفرزها، نعوذ بالله من الخذلان.