لاتنقض غزلك بعد رمضان
بسم الله الرحمن الرحيم
اذا لامس القلب معرفة الله تحوّل من حال الى حال آخر أسعد وأعظم ..
فمعرفة الله اذا استحكمت فى القلب استحكاما دقيقا قذفت فيه نورا يشع على صاحبه , وهداية تدفعه لكل خير ,
واحساسا يجعله يشعر بمن هم فى حاجة وكرب , وهمًّا يجعله يشعر بهموم الاخرين من حوله ..
بل ويتعدى ذلك الى أن هذه المعرفة الحقة تصل به الى ان يكون عبدا ربانيا يتكلم بكلام الله وينطق برحمات الله
ويسعى الى رحمة عباد الله ..
فيلين الجانب , ويساعد المحتاج , ويطبب العليل , ويصنع الخير , ويغلق الشر , ويتحول الى منارة وشامة وعلامة فى دنيا أصابها الزمان بعطب نفوس الناس , فصارت قاسية لاتتأثر ولاتتحرك حتى فى مجرد محاولة
تغيير التفس والأخذ بأيدى الآخرين .
لقد كان رمضان جامعة ايمانية كبيرة على أثرها وفى فصولها وعلى دربها يجب الوعد والعهد ممن دخلها أن ينظر ماذا سيكون بعد رمضان .. ويطيل الفكر فيما اذا كان قد قَبل الله منه رمضان وأعتق رقبته وغفر ذنبه
وكتب له الرحمة .. أم ماذا كان عند ربنا الديان ؟
أولا : عهد على دوام المحاسبة :
اذا أراد المسلم أن يحيا حياة الصالحين الربانيين , فعليه دائما محاسبة نفسه حسابا شديدا , فهى دواء من كل داء , والشفاء من كل سقم وبلاء , وهى المطهرة للبدن , والرافعة للشأن والقدر , عند مليك مقتدر بل وعند كل البشر .
فلقد ترَكَنا رمضان ورحل , وأصبحنا لاندرى أقَبِلَه الله منا أم لا ؟ أأعتق رقابنا أم لا ؟ أغفر لنا وحمنا أم لا ؟
إن رمضان رحل عنا , وكان من غايته الأولى أن تتحقق فى العباد التقوى ’’ لعلكم تتقون ’’ فهل تحققت التقوى ؟
التى عرّفها الأمام التقى النقى على بن ابى طالب رضى الله عنه عندما سُأل عن التقوى : مالتقوى ياأمام ؟ فقال :
( هى الخوف من الجليل , والعمل بالتزيل , والرضا بالقليل ,والاستعداد ليوم الرحيل ..)
هذه هى التقوى التى تحتاج أن نقف مع أنفسنا ونراجعها , هل تحققت فيها هذه الأمور العظيمة ؟
والله الذى لاإله سواه , إن كان قد تحققت فلن نؤمِّل فى ربنا الا رضوانا ورحمة وعتقا وغفرانا .
وإن لم تكن قد تحققت فالبدار البدار , والعجلة العجلة , والسعى السعى لتحقيقها والاستغفار والتوبة .
فالتقوى وسام , وقد كانت شعار رمضان وهى مفتاح الجنان ...
فهل درّبنا نفوسنا على تغييرها , والصبر على
الطاعات والبعد عن المعاصى والمنكرات ابتغاء رب العزة والسموات ؟
هل نظرنا الى المستضعفين فرحمناهم بمالنا وعوننا أم بَخَلنا وكنزنا ؟
هل طببنا المرضى وداويناهم على الأقل بعذب أخلاقنا وجمال معاملتنا ..؟
هل شعرنا بالجوع والعطش فاستشعرنا مايلاقيه غيرنا فى بلدان الدنيا من الجوع والعطش والفقر فى كل لحظة ؟
هل تكفلنا مريضا فى علاج , وواسينا مهموما فى كرب .. ؟ هل طهرنا قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء ..؟
هل رغبنا بعد رمضان أن نرفع شعار : غايتنا الرحمن , وقدوتنا العدنان , وشرعتنا القرآن , وبُغيتنا الجنان ..؟
إنها محاسبة تحتاج الى صدق فى الجواب , وعزيمة على ارضاء التواب , ورغبة فى دخول الجنة من أوسع الأبواب .
ثانيا : دوام العبادة والاستقامة حتى حضور اليقين :
فالرب فى رمضان هو الرب فيما بعد رمضان , فاذا كانت السُبُل كلها تبذل فى رمضان لارضاء الله بقراءة القرآن , ومساعدة المحتاجين , ومداواة المرضى , وتسهيل حاجات المحتاجين , والهمّة العالية فى كل أمور الدين .. فان الأمر يستوجب الاستمرار على ذلك بعد رمضان , فتستقيم النفس وتسمو الروح ( فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك ) هود :112 , وقال صلى الله عليه وسلم : قل آمنت بالله ثم استقم . رواه مسلم
فلئن كان فى رمضان الاكثار من قراءة القرآن , فالجميل أن تستمر على سائر الشهور والأيام , ولئن كان الخشوع فى الصلاة والاسراع اليها على وقتها فى رمضان , فان ذلك أوجب على الدوام , ولئن كان العون والمساعدة للمرضى والمحتاجين فى رمضان , فانهم أيضا – هم أنفسهم – المحتاجون بعد رمضان , وعلى سائر الشهور والأعوام , فليستمر لهم العطاء , وليكن بعد رمضان معهم كل الوفاء , ولئن كان البعد عن المحرمات فى رمضان سمتا عاما للصائمين , فأن الأمر لايختلف عنه بعد رمضان , بل أن الأصل هو البعد عنها فى كل زمان وأيا كان المكان .
ولئن كان دعاؤك والحاحك على الله فى رمضان لايتوقف , فأن الالحاح بعد رمضان مطلوب لعل الله يجبر الكسر , ويرفع الهم , ويعتق الرقبة , ويفك الحصر , ويحرر الأقصى .