بدأَتْ فكرة مساعدة أهل غزَّة المحاصَرين عندما قرَّر كلٌّ مِن حركة غزَّة الحرَّة، ومؤسَّسة الإغاثة التُّركية (آي اتش اتش) إسطنبول - مشروعًا مشترَكًا بإرسال عشرة قوارب إلى قطاع غزَّة المحاصر ربيع عام 2010.
وقد وعَدَت منظَّماتٌ أخرى مِن اليونان وأيرلندا والسويد بإرسال زَوارِقَ للانضمام إلى الأسطول مع حركة غزة الحرَّة، وآي اتش اتش التُّركية.
وقد قال رئيس مؤسسة الإغاثة التركية السيد بولينت يِلديريم: "سنُبْحِر في الرَّبيع المقْبِل، وميناؤنا الأخير هو الحرية: الحرية لمليون ونصف فلسطيني، حُرِموا من حقِّهم في إعادة بناء مجتمعهم، ولَن نتوقَّف أبدًا عن الإبحار، حتى يتِمَّ رفع الحصار الإسرائيلي.
وقد تمَّتْ تهيئة سفينتَيْ شحْن جزءًا من الأسطول؛ إحداهما بتبرُّعٍ من مؤسَّسة بيردانا الموجودة في ماليزيا، والأخرى مِن مؤسَّسة الإغاثة التركية، ولِتَكُونا محمَّلَتَيْن بلوازم البناء، والمولِّدات الكهربائية، والمواد التعليمية، التي تمنعها إسرائيل من دخول قطاع غزة منذ الهجوم الوَحْشي على السُّكَّان المدَنيِّين العامَ الماضي.
وتكون بواخر الركاب المصاحبة لسفن الشَّحْن محمَّلَةً بأعضاء برلمان من مختلِفِ بلدان العالم، وكذلك صحفيِّين بارزين، وعاملين في مجال حقوق الإنسان".
رئيس حركة غزة الحرة، هويدا عرَّاف قال: "إن كلاًّ مِن الحصار غير القانوني والمفروض على غزة، وكذلك تعنُّت إسرائيل المستمِرُّ - يَسْخر من القانون الدولي، وإذا لم تتَّخِذ حكوماتُنا موقفًا لوقف إساءة إسرائيل للشعب الفلسطيني، فإنَّ المجتمع المدَنِي العالَمي يُظهر بأننا سوف نقوم باتِّخاذ هذا الموقف".
حركة غزة الحرة - وهي مجموعةٌ تعمل في مجال حقوق الإنسان - كانت قد أَرْسَلت زَوْرقيْن لقطاع غزة في آب / أغسطس 2008 حيث كانا أوَّلَ القوارب الدولية التي وصلت للميناء منذ 41 عامًا.
ومنذ ذلك الحين، كان هناك سبْعُ رحلات بحرية أخرى، كان على مَتْنها برلمانيُّون وعاملون في مجال حقوق الإنسان، وغيرُهم من كبار الشخصيات؛ لمشاهدة آثار سياسات إسرائيل.
وقد قامت البحرية الإسرائيلية باعتراض الرحلات الثلاث الأخيرة بشكل غير قانوني، عندما صَدمَتْ سفينة الكرامة في المياه الدولية في كانون الأول / ديسمبر 2008، وعندما أعادَتْ سفينة روح الإنسانية التهديد بإطلاق النار على كلِّ مَن على متْن هذه السفينة، وقيامها بعد ذلك باختطاف السفينة في الأول من يوليو 2009، ومِن ثَم اختطافُ الرُّكاب، وزَجُّهم في السجن لمدة أسبوع.
تبْلُغ سَعَةُ السفينة - والتي تمَّ شراؤها بالاشتراك مع بلدية إسطنبول الكُبرى، ومؤسَّسة حافلات إسطنبول البحرية - 200 طن من الحمولة، و1080 راكبًا.
وقد دخلَتْ بلدية إسطنبول مِن أجْل شِراء هذه السَّفينة في ثلاث مُناقَصات، وقد اشترَتْ هيئةُ الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي دخلَتِ المناقصة وَحْدَها - السفينةَ بمبلغٍ وصَلَ إلى مليون و810 آلاف ليرة تركية.
بولنت يلدرم - رئيس مؤسسة الإغاثة التركية - أعْلَن في بداية أمْر الرحلة أنَّ السُّفُن ستنطلق إلى غزَّةَ رَغم التهديدات الإسرائيلية، ويتكوَّن الأسطول من 9 سفن: 4 سفن من اليونان والسويد، وواحدةٍ من تركيا، وواحدةٍ من الجزائر، وواحدةٍ من الكويت، واثنتَيْن من أيرلندا.
وقد أَعلن بولنت بعد ذلك أنَّ الأسطول يُعَدُّ أكبَرَ مظاهرةٍ ضدَّ الحصار في العالم، وقال: "سيكون أُسطولُ المساعدات هذا أكبرَ حدَثٍ في تاريخ المساعدات الإنسانية، فِلَسطين هي كلٌّ واحد لا يتجزَّأ بالنسبة لنا، نحن لا نقوم بأيَّة تفْرِقة ما بين مؤسَّساتها، أو مجموعاتها، فهي أرض واحدة.
وأوَدُّ أن أَنْقل إليكم بِشَارتَين؛ أُولاهُما: أنَّ هيئتَنا اشترت 3 سفن، وتصل حمولةُ سفينة الشحن الثالثة إلى 4 آلاف و400 طن؛ ليَصِل عدد سفن أسطول المساعدات إلى 9 سفن".
ورَفَع صوته مخاطِبًا الجمهور: "سيأتي يوم من الأيام، نُقِيم فيه صَلواتِنَا بَحريَّةً في المسجد الأقصى بإذن الله".
تكَوَّن أسطول الحرية من تسع سفن؛ هي: سفينة شَحْن أيرلندية محمَّلةٌ بالإسمنت، هي بالكامل مِن تبرُّعات الأيرلنديين؛ وسفينة شَحْن بتمويل كويتي جزائري، تَرفع الأعلام التركية والكويتية والجزائرية، وهي الأضْخَم بين جميع السفن، وسفينة شحن بتمويل أورُبِّي من السُّوِيد واليونان، وسِتُّ سفُنٍ لنَقْل الرُّكَّاب؛ تُسمَّى إحداها "القارب 8000" نِسبةً إلى عدد الأسرى الفلسطينيين في سُجون الاحتلال.
وقد قامت مؤسَّسة آي اتش اتش التركية بفتح باب التبَرُّعات لدَعْم الفلسطينيين المحاصَرِين في غزَّة؛ حيث كانت تُقَام الأسواق الخيرية، وعمليات جَمْع التبرعات مِن مختَلِف المدُنِ التُّركية، إضافةً إلى أنَّ موقع المؤسَّسة ذَكَر آليَّة التبرُّع عن طريق البنوك، أو بطريقة مباشرة.
وقد حثَّ الكثيرُ مِن المفكِّرين والدُّعاة الأَتْراك إلى أهمية التبَرُّع؛ حيث دَعا البروفيسور أحمد أغير أقجه إلى أهمية الإسهام "في هذا العمل الجليل، ولو بليرة واحدة".
كما قال المفكِّر الإسلامي عبدالرحمن دليباق: "إنه قد بدأَت انتفاضةٌ عالَمية ضدَّ إسرائيل"، ووجَّه حديثَه للعالَم الإسلامي بقوله: "ولْيَعلم العالَمُ الإسلامي الواقِعُ تحت الاحتلال الأمريكي والإسرائيلي - أنَّ الله أكبرُ مِن أمريكا وإسرائيل".
وبدأت الرِّحلة، وصَعِد النَّاشطون 560 على متْن سفينة "مرمرة الزرقاء"، من مِيناء أنطاليا الجديد، مَصْحُوبين بدَعواتِ وصَلَواتِ حُشُود المواطنين التي أتَتْ لِتُودِّعهم.
أُقِيمت صلاةُ جماعة في القاعة المُغطَّاة ببلدية "كيبيز" بمدينة أنطاليا، قَبْل أنْ يَنطلق المتضامنون إلى الميناء لِرُكوب السَّفينة.
وبَعد الصلاة أكَّد بولنت يلدرم في خِطَابه أنَّ الأسطول يَنطلق بهدف إعطاءِ المحتاجين مِن الناس في غزة، ومَنْحِهم الدَّعْمَ والمساندةَ، والتأكيدِ أنَّهم ليسوا وحْدَهم.
وقال: "حتَّى لو كان هذا الظُّلْم ينْزِل بالمسيحيِّين واليهود، ستَكون رِدَّةُ فِعْلِنا نفْسَها لإِعانتهم ودَعْمهم؛ لأنَّنا أصحاب ضمير، إن شاء الله سَنَكْسِر الحصار المفروض على فلسطين، وسنعيش في الأخير نَصْرَ أُحُدٍ وخَيْبر يومًا ما، ويمكن أن يكون مِثْل صُلْح الحديبية، لكنَّنا بالتأكيد لنْ نتردَّد مِن أَجْل نَيْل النَّصر".
وتابع: "هم أحضروا لنا سجُونًا في الميناء، ويقولون: سوف يَعْتقلوننا ويَصْحبوننا إلى ذلك الميناء، وسيَعْتقِلُون العرَبَ والفلسطينيِّين لمدَّةٍ طويلة، وسيُطْلِقون سَراحَنا بعد استجوابنا.
ونؤكِّد لهم أنَّنا بعد انطلاقنا لنْ نَترك أيًّا مِن إخوانِنا خلْفَنا؛ إمَّا أنْ نَذْهب سويًّا أوْ لا، نحن كلُّنا معًا، مِن مختلِف أنحاء العالم، ولَن يُجعَل أيٌّ منَّا كبْشَ فِداء؛ لأنَّنا مُقاوِمون، وسنَربح هذه المقاومة، نحن لن نتردَّد أبدًا... ولا نَقْبل أيَّ ميناء لإنزال مساعداتنا، لا بديل عن مِيناء غزة".
بهذه الكلمات كانت بدايةُ أُسطول الحرية مِن قِبَل منظَّمة آي اتش اتش، ولم تُبالِ هي وكلُّ مَن شارك في الرِّحْلة بالتَّهْديدات الإسرائيلية، مع معْرفة الجميع أنَّ تلك التهديداتِ لم تَكُنْ مجرَّدَ كلماتٍ، وإنَّما تمَّ تطْبيقُ التهديدات الإسرائيلية.
لكِنْ يَبْقى موقفُ مؤسَّسة آي اتش اتش التركية موقفًا كبيرًا ورائدًا، يجب على الكثير مِن مؤسَّساتنا مع كثرتِها أَنْ تَحْذُوَ حَذْوَها.