مدرسة فرانكفورت والانهيار الاجتماعي موت الغرب
تأليف: باترك جيه بوكانان. ترجمة: محمد محمود التوبة"
من الذي سيحررنا من نير الحضارة الغربية؟"..الكلام للمنظّر الماركسي المجري، جورج لوكاش، واقتبسه الخبير الأمريكي باتريك بوكانان، في بداية الفصل الرابع من كتاب " موت الغرب"، الذي نشرنا في العدد الماضي حلقة منه بعنوان "الأربعة الذين صنعوا ثورة".وفي هذه الحلقة يكمل الكاتب، الذي يترجم الأستاذ محمد التوبة كتابه، بالحديث عما عرف بمدرسة فرانكفورت) التي أنشأها لوكاش في ألمانيا، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة، وهي المدرسة التي قادت ثورة ثقافية ضد كل قيم وأعراف المجتمع الرأسمالي!(المحرر)من بين الأسلحة الجديدة للنزاع الثقافي التي طورتها "مدرسة فرانكفورت" كان سلاح النظرية النقدية. ويظهر الاسم رحيما بما فيه الكفاية، ولكنه يعبر عن ممارسة يمكن أن تكون أي شيء غير أن تكون رحيمة. وقد عرف أحد طلاب النظرية النقدية هذه النظرية بأنها "جوهريا نقد تدميري لكل العناصر الرئيسية للثقافة الغربية، شاملا المسيحية، والرأسمالية، والسلطة، والأسرة، وأبوية الأسرة والتراتبية، والأخلاقيات، والتقاليد، والضبط الجنسي، والولاء، والوطنية، والقومية، والوراثة، ومركزية العرق الإثنيّ، والأعراف، والمحافظة."باستخدام النظرية النقدية، على سبيل المثال، يكرر الثقافي الماركسي ويكرر مرارا التهمة بأن الغرب مذنب بجرائم إبادة الجنس ضد كل حضارة أو ثقافة واجهها. وبموجب النظرية النقدية، يكرر المرء ويكرر أن المجتمعات الغربية هي أكبر مستودعات للتاريخ تحوي التعصب العرقي والتمييز بين الجنسين، والتمييز ضد المحليين، وكراهية الغرباء، واللاسامية، والفاشية، والنازية.وبموجب النظرية النقدية فإن جرائم الغرب تنبع من شخصية الغرب كما شكلتها المسيحية. وأحد الأمثلة الحديثة هو "سياسات الهجوم،" حيث "البدائل" وحيث "الدكاترة الممثلين لغيرهم" لا يدافعون عن مرشحيهم، ولكنهم يهاجمون ويهاجمون ضد المعارضة. ومثال آخر من النظرية النقدية هو الهجوم الذي لا يرحم ضد البابا بيوس الثاني عشر بوصفه متواطئا في الهولوكوست أو المحرقة، دون الاهتمام بالمجلدات التي تقدم البينات التي تظهر أن ذلك الاتهام كذبة.وفي نهاية المطاف تبعث النظرية النقدية على "التشاؤم الثقافي،" وهو إحساس بالغربة، وباللا أمل، وباليأس بحيث أن الشعب، حتى وإن كان مرفها وحرا يتوصل إلى أن يرى مجتمعه وبلده بصفتها بلدا قمعية، وشرا، وغير مستحقة لولائه وحبه. لقد اعتبر الماركسيون الجدد التشاؤم الثقافي شرطا مسبقا ضروريا للتغيير الثوري.وتحت تأثير النظرية النقدية، أقنع الكثيرون من جيل الستينيات أنفسهم بأنهم كانوا يعيشون في جحيم لا يطاق، وهم كانوا أكثر جيل محظوظ في التاريخ. في كتاب تخضير أمريكا الذي سحر السناتور ماكغفرن، والقاضي دوجلاس، وواشطنون بوست، تحدث تشارلز رايخ عن "جو شامل من العنف" في المدارس الثانوية الأمريكية. كان هذا قبل ثلاثين عاما من كولمباين، ولم يكن رايخ يعني الأسلحة والسكاكين:الامتحان أو الاختبار هو شكل من أشكال العنف. التمارين الرياضية الإلزامية لمن هو محرج أو خائف هي شكل من أشكال العنف. إن المطلب الذي يقضي بأن على الطالب أن يحصل على ترخيص ليسير في الممر هو عنف. والحضور الإجباري في الفصل الدراسي، والدراسة الإجبارية في قاعة الدراسة هما عنف.إن إريك فروم في كتابه (الفرار من الحرية) وويلهلم رايخ في كتابه (النفسية الجماهيرية للفاشية) وكتابه (الثورة الجنسية) يعكسان النظرية النقدية ولكن أكثر الكتب تأثيرا، مما سبق أن نشرته مدرسة فرانكفورت، كان هو كتاب (الشخصية السلطوية) . إن هذا الكتاب هو زينة المذبح لمدرسة فرانكفورت، وفيه استُبدلت حتمية كارل ماركس الاقتصادية وحلت محلها الحتمية الثقافية. فإذا كانت الأسرة مسيحية بعمق وكانت رأسمالية، ويحكمها أب سلطوي، فإن بإمكانك أن تتوقع من الأطفال أن ينشأوا متعصبين عرقيا وفاشيين. ويصف تشالز سايكس، وهو زميل كبير في مركز ويسكونسن لبحوث السياسات، يصف كتاب الشخصية السلطوية بصفته "قرار اتهام لا يساوم للحضارة البرجوازية، مع التشويه الذي يرى بأن ما كان يعتبر مجرد طراز قديم من قبل نقاد سابقين صار يصرح به الآن على أنه فاشستي ومنحاز نفسيا.وحيثما جرم ماركس الطبقة الرأسمالية، جرمت مدرسة فرانكفورت الطبقة الوسطى. أما أن الطبقة الوسطى هي التي ولدت الديمقراطية وأن بريطانيا الطبقة الوسطى كانت تقاتل هتلر عندما كان الرفاق من مدرسة فرانكفورت في موسكو يتعايشون مع هتلر فذلك لا يهم. لا، ولا يهم أن أمريكا الطبقة الوسطى هي التي أعطت أدورنو وزملاءه ملجأ آمنا عندما هربوا من النازي. الحقيقة لا تهم، لأن هؤلاء كانوا دعاة ماركسيين، وهم وحدهم كانوا يُعرِّفون الحقيقة.بعد أن اكتشف أدورنو الأرض التي تعشش فيها الفاشية وهي الأسر الأبوية، حدد أدورنو الآن البيئة الطبيعية للفاشية وهي: الثقافة التقليدية: "إنها أطروحة معروفة جيداً وهي أن القابلية للتأثر بالفاشية ظاهرة أكثر ما تميز الطبقة الوسطى، أي ''إنها في الثقافة'' ومن ثم، فإن الذين ينسجمون أكثر ما يكون الانسجام مع هذه الثقافة سيكونون هم الأكثر تحاملا.".وقد كتب مرة إدموند بيرك: "إنني لا أعرف كيف أكتب اتهاما ضد شعب بأكمله." ولكن أدورنو ومدرسة فرانكفورت، على كل حال، قد فعلوا ذلك بالضبط تماما. فهم أكدوا مباشرة أن الأفراد الذين ينشأون في أسر يحكمها الأب، والذين هم وطنيون يلوحون بأعلام الوطنية ويتبعون دين الأيام القديمة، هم فاشيست في بداية الظهور وهم نازيون بالقوة والإمكانية. ونظرا لأن الثقافة المسيحية المحافظة تولد الفاشية، فإن الذين ينغمسون انغماسا عميقا في مثل هذه الثقافة يجب أن يراقبوا مراقبة وثيقة من أجل الاتجاهات الفاشية.هذه الأفكار تم استدخالها إلى النفس من قبل اليسار. ومنذ وقت مبكر في الستينيات من 1960، وُصِم المحافظون وشخصيات السلطة الذين شجبوا أو عارضوا ثورة الجامعات بشكل روتيني على أنهم "فاشيست". كان أبناء جيل ازدهار المواليد، دون أن يعلموا، يتبعون نصاً كان يتماشى متوازيا مع خط الحزب الذي وضعته اللجنة المركزية في موسكو في العام 1943:يجب على الأعضاء وعلى منظمات الجبهة باستمرار أن يحرجوا نقادنا، وأن ينزعوا الثقة منهم، وأن يقللوا من قيمتهم. وعندما يصير المعوقون مزعجين جدا يجب أن ندعوهم بالفاشيست أو بالنازيين أو باللاساميين ... وهذا الارتباط سيصير بعد التكرار الكافي "حقيقة" في أذهان الجمهورومنذ الستينيات من 1960 كان وصم الخصوم بأنهم كارهون أو بأنهم مرضى عقليا هو أفعل سلاح في ترسانة اليسار. وهذه هي "المعادلة السرية." كما وصفها عالم النفس والمؤلف توماس زاز(17)إذا أردت أن تحقر ما يفعله شخص ... فسمه مريضا عقليا." خلفها كلها تكمن أجندة سياسية. مجتمعنا المريض يحتاج إلى علاج ليشفيه من انحيازه الباطن.بصيرة أخرى من بصائر هورخيمر وأدورنو كانت هي إدراكهما أن الطريق إلى الهيمنة الثقافية كانت عبر التكييف النفسي، وليس الجدل الفلسفي. ويمكن تكييف أطفال أمريكا في المدارس ليرفضوا معتقدات آبائهم الاجتماعية والأخلاقية بصفتهم متعصبين عرقيا، ويميزون بين الجنسين، ويكرهون الشواذ، ويمكن تكييف الأطفال ليقبلوا الأخلاقيات الجديدة. وعلى الرغم من أن مدرسة فرانكفورت تبقى غير مألوفة لمعظم الأمريكيين، فإن أفكارها معروفة جيدا في كليات إعداد المعلمين منذ الأربعينيات من 1940 والخمسينيات من 1950 .وقد أكدت المدرسة بشكل جلي أن الأطفال، سواء تعلموا حقائق أو مهارات في المدرسة، فإن ذلك كان أقل أهمية من تخرجهم مكيفين ليظهروا المواقف الصحيحة. وعندما كتب ألان بلوم في إغلاق العقل الأمريكي إن: "خريجي المدارس الثانوية الأمريكية هم من بين أكثر الأميين في العالم حساسية،" ويحصلون على أخفض علامات الاختبارات في الأرض في الامتحانات المقارنة، ولكنهم يحصلون على أعلى العلامات للحساسية نحو قضايا مثل البيئة، كان بلوم بذلك يشهد على نجاح مدرسة فرانكفورت.قد يعتبر الآباء أن المدارس العامة اليوم هي فشل مكلف حيث أن الأطفال لم يعودوا يتعلمون فيها. وبالنسبة لمدرسة فرانكفورت، فالمدارس العامة ناجحة لأن الأطفال المتخرجين منها يبدون كل المواقف الصحيحة. ولدى دخولهم الكلية فإن هؤلاء الطلاب الآن يدخلون جلسات توجيه، حيث يعلمون بالقيم الجديدة التي تقبل في الكليات الجامعية -لجعل عقولهم صحيحة، كما قال الرئيس الإداري للسجن في فيلم كول هاند لوك.إلى أي حد كانت الثورة الثقافية ناجحة في محو القيم القديمة وغرس قيم جديدة في أرواح الشباب؟ في الأيام التي تلت بيرل هاربر كانت صفوف المتطوعين في محطات تجنيد الأسطول والجيش والبحرية تمتد لتدور حول الموقع. وكان طلاب الكليات أيضا متمثلين في تلك الصفوف مثلما تمثل الفلاحون. ولكن في الأيام التي تلت المجزرة في مركز التجارة العالمي-وقبل أن يكون جندي أمريكي واحد قد ذهب إلى القتال أو قبل أن يطلق صاروخ كروز واحد على معسكرات إرهابيي القاعدة- كانت قد بدأت التجمعات المضادة للحرب في الحرم الجامعي الأمريكي.ولكن أهمية المدارس في تكييف عقول الشباب قد تم تخطيطها الآن بوسائل الإعلام الجديدة: التلفاز والسينما. وكما يكتب ويليم ليند، مدير مركز المحافظة الثقافية في مؤسسة الكونغرس الحر ويقول:صناعة الترفيه ... قد امتصت امتصاصا كاملا أيدلوجية الماركسية الثقافية وهي تعظ بها بلا نهاية، ليس بمجرد خطب المواعظ ولكن بالأمثال أيضا: فالنساء القويات يضربن الرجال الضعفاء، والأطفال أحكم من آبائهم، ورجال الدين الفاسدون يعوقهم التائهون بمحاكاتهم، السود من الطبقة العليا يجابهون العنف من البيض من الطبقة الدنيا... إنها كلها خرافة، قلب للواقع، ولكن وسائل الترفيه جعلتها تبدو حقيقة، أكثر من العالم الذي يوجد خلف واجهة الباب الأمام.ولنقوّم كيف غيرت الثورة الثقافية الطريقة التي نفكر بها، ونعتقد بها، ونتصرف بها، قارن القيم التي عكستها وساندتها أفلام الخمسينيات من 1950 مثل: على واجهة الماء، في الظهيرة، وشين، قارنها مع القيم التي تبنتها الأفلام الرئيسية في هذه الأيام. في احتفال جائزة الأكاديمية في العام 2000 كان أكثر فيلمين أحيطا بالاحترام هما (الجمال الأمريكي) (وقواعد بيت عصير التفاح)
في الجمال الأمريكي) صور النجم كيفن سبيسي الحياة في ضاحية أمريكية بصفتها أرضا يبابا أخلاقيا. والشرير هو عضو سابق في المارينز يكبت رغبته اللواطية، ويجمع تذكارات نازية، ويصير مجنونا بالقتل.وفي (قواعد بيت عصير التفاح)، يصور مايكل كين شخصا لطيف الكلام ينادي بالإجهاض يقف بلا خوف ضد التعصب في وسط أمريكا. لقد صارت وسائل الإعلام الجماهيرية الأمريكية مدافع الحصار في الحرب الثقافية وصندوق سكنر(18) ضخما لتكييف شباب أمريكا.في أثناء الخمسينيات، من 1950 كانت مدرسة فرانكفورت تفتقر إلى شخصية تشيع الأفكار المدفونة في نثر هورخيمر وأدورنو الدبق. وهنا يدخل هيربرت ماركيوز وهو ضابط سابق في مكتب الخدمات الاستراتيجية وأستاذ في جامعة برانديس، وهو رجل لم يكن طموحه مقتصرا على أن يكون رجل فكر بل كان يود أن يكون رجل فعل ثوري. ماركيوز قدم الإجابة لسؤال هورخيمر: من الذي سيلعب دور البروليتاريا في الثورة الثقافية القادمة؟مرشحو ماركيوز هم: الشباب المتطرف الراديكالي، ودعاة تحرير المرأة، والسود المتعسكرون، واللواطيون، والمغتربون، واللااجتماعيون، وثوريو العالم الثالث، وكل الأصوات الغاضبة من "ضحايا" الغرب المضطهدين. هذه كانت البروليتاريا الجديدة التي ستقلب الثقافة الغربية. وبين "المقموعين"، وهم المجندون المحتملون لثورته، كان غرامشي نفسه قد شمل كل "الجماعات المهمشة في التاريخ ... ليس فقط المظلومين اقتصاديا بل والنساء، والأقليات العرقية، والكثير من ''المجرمين'' أيضا."وكان تشارلز رايخ صدى لماركيوز وغرامشي: عندما قال: "إن واحدة من الطرق التي يكافح بها أبناء الجيل الجديد ليشعروا بأنفسهم بأنهم لا منتمين هي أن يتماهوا مع السود، ومع الفقراء، ومع بوني وكلايد، ومع الخاسرين لهذا العالم." ومن المصادفات، أنه في عام 1968 وهو العام الذي رشح فيه بوني وكلايد، وهو فيلم رومانسي عن قاتلين منحرفين جنسيا، لجائزة الأكاديمية، واثنان من "خاسري" رايخ وهما سرحان سرحان وجيمس إيرل راي حققا الخلود باغتيالهما روبرت كندي والدكتور كينغ.إن طلاب الستينيات، وهم ممتلئون بقناعة ماركيوزية، هتفوا ضد المدافعين عن جهد حرب الولايات المتحدة في فيتنام، ورحبوا بالراديكاليين الذين كانوا يلوحون بأعلام فيتكونغ. وفي بعض مواقع الحرم الجامعي، يستطيع اليوم القتلة الذين أطلق سراحهم ليحسنوا سلوكهم أن يجدوا جماهير أكثر استقبالا مما يستطيع أن يجده المحافظون. إن المعيار المزدوج الذي يغضب منه اليمين، والذي يسمح بأن يُفضح المحافظون ويُعلقوا من أجل خطاياهم التي يغفر مثلها لليسار، هو معيار "التسامح القمعي" وهو موضوع قيد العمل. إن ماركيوز لم يخف ما أراده. ففي مجتمع الضواري كتب يقول:يستطيع المرء أن يتكلم بحق عن ثورة ثقافية، نظرا لأن الاحتجاج موجه نحو المؤسسة الثقافية كلها ... هناك شيء واحد نستطيع أن نقوله بتأكيد كامل. إن الفكرة التقليدية عن الثورة وإن الإستراتيجية التقليدية عن الثورة قد انتهت. إن هذه الأفكار طراز قديم... وإن ما يجب أن نتولاه هو نوع من نشر النظام وتفكيكه المتفرق.إن "نشر النظام وتفكيكه المتفرق" لا يعني شيئا أقل من إلغاء أمريكا. إن ماركيوز مثل غرامشي قد تجاوز ماركس. إن الرؤية الماركسية القديمة التي ترى العمال وهم يثورون لقلب حكامهم الرأسماليين رؤية تنتمي إلى الماضي. أما اليوم، فإن هيربرت ماركيوز وفيالقه يضعون نهاية لحضارة غربية فاسدة عن طريق احتلال مؤسساتها الثقافية وتحويلها إلى وكالات لإعادة التربية والثورة. وكما كتب روجر كمبال، وهو مؤلف ومحرر، كتب في نيوكراتيريون يقول:في سياق المجتمعات الغربية فإن "المسيرة الطويلة عبر المؤسسات" كانت تعني -في كلمات هيربرت ماركيوز- "العمل ضد المؤسسات الراسخة في الوقت الذي يعمل فيها." وبهذه الطريقة بالدرجة الرئيسية أي- بواسطة الاندساس والاختراق أكثر مما هو بواسطة المواجهة- انتصرت الأحلام المضادة للثقافة التي حلم بها راديكاليون مثل ماركيوز.وبالنسبة للماركسيين الثقافيين ليس هناك قضية تعلو في مرتبتها أكثر من إزالة العائلة، فقد احتقروا العائلة بصفتها دكتاتورية وحاضنة للتمييز الجنسي ضد المرأة والظلم الاجتماعي.والعداء للعائلة التقليدية لم يكن جديدا على الماركسيين. ففي الأيديولوجية الألمانية كتب ماركس نفسه أن الذكور الأبويين يعتبرون الزوجات والأطفال بالدرجة الأولى ملكية لهم. وفي أصل الأسرة، والملكية الخاصة، والدولة . عمم انغلز القناعة النسوية بأن كل التمييز ضد النساء يأتي من العائلة الأبوية.في (موت الغرب)، يجب أن تعتبر مدرسة فرانكفورت بصفتها ظنينا متهما أولا ومتآمرا رئيسا. إن الهجوم الدعائي على الأسرة الذي دعت إليه هذه المدرسة أسهم في انهيار الأسرة. والأسر النووية اليوم تمثل أقل من ربع بيوت الولايات المتحدة الأمريكية. وتحرير النساء من الأدوار التقليدية للزوجة والأم، وهو التحرير الذي كانت مدرسة فرانكفورت من بين أول من تبناه، قاد إلى إهانة هذه الأدوار والحط من قدرها في المجتمع الأمريكي.إن ملايين النساء الغربيات الآن يشاركن الحركة النسوية في عدائها للزواج والأمومة. والملايين منهن تبنين جدول أعمال الحركة وليس لديهن النية في الزواج ولا الرغبة في الأطفال. وإن اعتناقهن لمبدأ اللذة الذي جاء به ماركيوز، و مناوباتهن ودورهن في الثورة الجنسية، يعني أن الزواج قد تأجل. بل وكما يبين الطلاق ومعدلات الولادات فحتى الزيجات التي دخل بها الأزواج هي زيجات أقل استقرارا وأقل ثمرة. في عملية إفراغ الأمم الأوروبية، وحتى في البلاد الكاثوليكية القديمة منها، فإن استخدام موانع الحمل شامل تقريبا. إن منع الحمل، والتعقيم، والاجهاض، والقتل بحجة الرحمة بالمريض هي الفرسان الأربعة في "ثقافة الموت" التي سوف يحمل عليها البابا حملة شعواء حتى آخر أيامه. إن حبة منع الحمل والواقي الذكري صارا بمثابة المطرقة والمنجل للثورة الثقافية.في الخمسينيات من 1950، هدد خروتشوف بقوله: "سوف ندفنكم." ولكننا دفناه. ومع ذلك، فإذا لم يجد الإنسان الغربي طريقة لوقف الانهيار في معدل الولادة فإن الثقافة الماركسية سوف تنجح حيث فشلت الماركسية السوفيتية، وذلك لأن المجلس البابوي للأسرة في تقرير 1998 عن إفراغ أوروبا من السكان قد ربط التشاؤم الثقافي مباشرة إلى عدم الخصوبة.لا يمكن أن نتوقع عودة إلى معدل خصوبة أعلى في تلك البلدان التي تتنازل فيها الخصوبة في الوقت الحاضر إلا إذا كان هناك تغيير فقط في "المزاج" في هذه البلاد، وانتقال من التشاؤم الحاضر إلى حالة ذهنية يمكن أن تقارن بعصر "ازدهار المواليد"، في أثناء عصر إعادة البناء بعد الحرب العالمية الثانية.ولكن مثل هذا "التغيير في المزاج" لا يرى من بعيد في القارة القديمة، حيث تستمر معدلات الولادة بالهبوط. وفي المساعدة لتقويض الأسرة وللتحريض على التشاؤم الثقافي تستطيع مدرسة فرانكفورت أن تدعي حصة من الفضل في أنها ساعدت في انتحار الغرب.وهكذا ساعدت عصبة ضئيلة من المرتدين الماركسيين على تهديم الثقافة الأمريكية وبدأت في تفكيك جمهوريتنا. لقد كتب على شاهد قبر المهندس المعماري كريستوفر رن :"أيها القارئ، إذا كنت تبحث عن نصب تذكارية فانظر حولك. وهكذا يمكن القول عن لوكاش، وغرامشي، وأدورنو، وماركيوز بأنهم أربعة صنعوا ثورة.في غضون ثلث قرن، فإن ما كان يدان بوصفه الثقافة المضادة، صار هو الثقافة المهيمنة، وما كان هو الثقافة المهيمنة صار، بتعبير جيرترود هيمّلفارب، هو "الثقافة المنشقة". لقد صارت أمريكا دولة أيديولوجية، "واستبدادية ناعمة،" حيث تفرض الأرثوذكسية الجديدة لا بعملاء الشرطة ولكن بالمحققين عن الثقافة الشعبية. ونحن نرى ذلك في المطلب الإلزامي من أجل "تدريب الحساسية" في العسكرية، وفي العمل التجاري، وفي الحكومة. افتح التلفاز وراقب. إن قيم الثورة تهيمن على الوسيلة الإعلامية. وإن برنامج التصحيح السياسي (للعرق والجنس واللون...) يحكم. إن تحدي أرثوذوكسيتنا الجديدة يوصف بأنه "خطاب كراهية،" وقلة الاحترام لعقائدها يوصف بأنه علامة على المرض العقلي. "خذ جون روكر إلى طبيب نفسي!" وقبل بضع سنوات مضت وصف مهرجٌ الجامعات الأمريكية بأنها "جزر من الشمولية في بحر من الحرية." أما الآن فحتى البحر صار غير مضياف.وقد تكلمت إيملي ديكنسون (19) عن وقتنا مثلما عن وقتها هي عندما قالت:وافِقْ؛ فتكون أنت العاقلاعترضْ ؛ فتكون أنت الخطر فوراً،وتعالَج بسلسلة!إن التصحيح السياسي هو الثقافة الماركسية، إنه نظام لمعاقبة الانشقاق وللوصم بالعار للهرطقة الاجتماعية مثلما عاقب التحقيق الهرطقة الدينية. وعلامتها التجارية هي عدم التسامح. وبتصنيف معارضيها بصفتهم كارهين أو مرضى عقليا