كانت ((الإبل )) في حياة الأجداد مصدر للرزق وعتادا للحرب ووسيلة النقل .وكانت الإبل المملوكة للفرد تعد مظهرا من مظاهر الغنى والسؤدد والجاه , فقد كان النعمان بن منذر يعلو فخرا واعتزاز بما يملكه من أنواع الإبل ومنها نوق العصافير التي كانت مضربا للأمثال .
وكلمة ((الجمل )) مشتقة من اليونانية Dromcus وتعني (( العداء )) وفي اللغة العربية ألف اسم للجمل , فهناك اسم لكل نوع ولكل جنس ولكل مرحلة من مراحل النمو , وعلاقة الإنسان العربي بالإبل علاقة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ , ومنذ عصور موغلة في القدم تزيد على الأربعين قرنا. واعتمدت القبائل العربية على الإبل اعتمادا كبيرا حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية .
ولم يعرف الغرب الإبل العربية ذات السنام الواحد إلا بعد دخول جيوش المسلمين إلى الأندلس, أما أمريكا فلم تعرف الإبل العربية إلا في العام 1857م , عندما جلب بعض منها لاستكشاف صحراء اريزونا .
كريمة وعادية:
وإبل العرب فئتان : الهجن الكريمة وهي المعروفة الأصول والتي كانت تستخدم قديما في القتال , والهجن العادية التي يستفاد من لحومها كغذاء وتستخدم في أعمال النقل . ويتميز الجمل العربي بأنه أحادي السنام . ويطلق على الجمل (سفينة الصحراء )) وهو وصف مثالي ينطبق عليه تماما نظرا لقدرته العجيبة على تحمل الشاق , وصبره على احتمال العطش في هجير الصحراء , ولا ينسى دور الإبل في نشر الدعوة الإسلامية خارج الجزيرة العربية .
الإبل في القرآن:
ورد ذكر ((الإبل )) في القرآن الكريم اكثر من 20 مرة في مواضع مختلفة وبأسماء مختلفة منها ((الإبل , الجمال , الناقة , العير )) إلا أن الله سبحانه وتعالى اختص ذكرها للنظر والتدبر في كيفية الخلق حين قال (( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت )) (الغاشية : 17) فهي واحدة من آيات خلق الله , ومن مفاتيح معرفته سبحانه وتعالى , وتذكر بمظاهر القدرة الإلهية وبديع الخلقة , داعية الإنسان للتأمل وجاء في تفسير ابن كثير عن ذلك , أن خلقها عجيب و تركيبها غريب وهي في غاية القوة والشدة , ومع ذلك تنقاد للضعيف , وتؤكل وينتفع بوبرها ويشرب لبنها .
وما يتمتع هذا الحيوان من خصائص يدفع الإنسان لأن يلتفت إلى قدرة الخالق سبحانه وتعالى , وقيل عند الجمال كل خير والعطاء فإذا حلبت روت , وإذا انحرت أشبعت وإذا حملت أثقلت وإذا مشت أبعدت , والمتأمل في الآية الكريمة , يجد عظمة الخالق وإبداعه في تكوين جسم الجمل و اختلافه عن سائر الحيوانات , وستظل إلى يوم الدين إعجازا , فالتأمل فيها عبادة والتعامل معها عظات وعبر , وفي ركوبها عزة وفي اقتنائها ثروة , وفيها شفاء للناس , ومن طباعها الإخلاص والفطنة والوفاء , وفي أنواعها الشموخ والكرامة , وهي على ضخامتها تطيع من أكرمها ولو كان طفلا صغيرا, وعلى صبرها تسترد كرامتها ممن أهانها ولو كان بطلا كبيراً.
صفات مدهشة:
حول الآية الكريمة , يقول الدكتور احمد فؤاد باشا نائب رئيس جامعة القاهرة : فيها يخص الخالق الناس حضا جميلا رفيقا يقع عند المؤمنين موقع الأمر على التفكير والتأمل في خلق الإبل , باعتباره خلقا دالا على عظمة الخالق سبحانه وتعالى وكمال قدرته وحسن تدبيره , ويجعل النظر إلى كيفية خلقها اسبق من التأمل في كيفية خلق السماوات والجبال والأرض , ويدعو إلى أن يكون النظر والتأمل في هذه المخلوقات مدخلا إلى الإيمان الخالص بقدرة الله تعالى وبديع صنعه , ولم يقم بين المفسرين في هذا الموضع مشكلات في الفهم تثير الخلاف , فالإبل نموذج فريد في إعجاز الخلق , وقد كشف العلم الحديث عن بعض الحقائق المذهلة في حياة هذا المخلوق الذي خصه الله بالذكر من بين ما لا يحصى من مخلوقاته , فما زال الباحثون المتعمقون حتى اليوم يجدون فيها ما يدل على قدرة الخالق من آيات خفية جديدة تعمق الإيمان ’ وتحقق التوافق والانسجام بين حقائق العلم الموضعية وبين ما اخبر به الله جل وعلا في قرآنه الكريم .
وأول ما يلفت الأنظار في الإبل , خصائص البنيان والشكل الخارجي الذي لا يخلو تكوينه من لطائف تأخذ بالألباب , عينان محاطتان بطبقتين من الأهداب الطوال , أذنان صغيرتان قليلتا البروز , منخاران ضيقان , قوائم طويلة تتحصن بخف يغفله جلد قوي غليظ يضم وسادة عريضة لينة , ولم
تستطيع السيارات منافسة الجمل في ارتياد المناطق الصحراوية الوعرة غير المعبدة .
ويضيف الدكتور احمد فؤاد باشا أن بجانب ما نعرفه عن الإبل من الصبر على الجوع والعطش , ففي البيئة التي يقل فيها الزرع والماء لا يكتب العيش إلا لحيوان فطر الله جسمه على حسن تدبير أمور الغذاء والشراب , فتؤكد أبحاث العلماء أن الجمل يقتصد في استخدام ما عنده من ماء وغذاء غاية الاقتصاد , وله في ذلك أساليب معجزة تدعو للعجب وتسبيح الخالق , فالجمل لا يتنفس من فمه ولا يلهث أبدا مهما اشتد الحر أو مهما استبد به العطش فيتجنب بذلك بخر الماء , كما يمتاز بأنه لا يفرز إلا مقدار ضئيلا من العرق عند الضرورة القصوى , ويستطيع الجمل أن يقضي بحوالي شهر ونصف الشهر من دون ماء يشربه , بل أن الجمل يستطيع أن يطفئ ظمأه من أي نوع من المياه سواء العذبة أو المالحة أو المرة في المستنقعات.
الإبل في الحديث:
وردت في الإبل حوالي 109 أحاديث منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( الإبل عز لأهلها )) فقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم الإبل ثروة قومية وأثنى على أصحابه , و أوصى بالمحافظة عليها . وعن أبي سعيد الخضري قال : تفاخر أهل الإبل عند الرسول الله . صلى الله عليه وسلم . فقال (( السكينة والوقار في أهل الغنم والفخر والخيلاء في أهل الإبل )) . وعن أسيد بن خضير عن النبي صلى الله علية وسلم سئل عن ألبان الإبل فقال (( توضأوا من ألبانها )). وقال صلى الله علية وسلم (( لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة )) لأنها كانت تقدم في الديات فتحقن الدماء ويسدد بها وئام الأمة . ويعتبر لبن الإبل الغذاء الرئيسي للبدو في الصحراء ويعتبرونه أفضل الألبان قاطبة , ويفضلونه طازجا , ويقولون إن الإبل يدخل ولا يدخل علية , أي انه يكفي عن غيره من الأغذية , وانه يطرد الظمأ والجوع , والمشبع المروي , واستفاد العرب من لبن الإبل في علاج كثير من أمراضهم كالجدري والجروح و أمراض الأسنان والجهاز الهضمي , ومقاومة السموم . ويقول العرب للبن الإبل (( الدواء )) فهو يرطب البدن وينفع من الوسواس والغم وإذا شرب مع العسل نقى الجروح , وهو جيد لأمراض الصدر والسل .
وقال الرازي في لبن الإبل (( لبن اللقاح يشفي أوجاع الكبد وفساد المزاج ))
وقال ابن سينا في كتاب القانون إن لبن النوق دواء نافع , لما فيه من الجلاء برفق , وما فيه من خاصية , وان هذا اللبن شديد المنفعة, فلو أن إنسانا أقام علية بدل الماء والطعام شفى به . واستخدم العرب لبن الإبل في معالجة الكثير من الأمراض أيضا مثل أوجاع المعدة والأمعاء , والربو وضيق التنفس والسكري , ويقال أنه يحمي اللثة ويقوي الأسنان ويساعد على ترميم خلايا الجسم ويحافظ على الصحة العامة للإنسان .
بديل غذائي:
و أكدت دراسة حديثة في جامعة القاهرة أن حليب الإبل يحتوي على كميات من الفيتامين خاصة ((ب 1)) و ((ب2)) وعلى مستوى منخفض من الكوليسترول , ومن خصائصه الطبية . كما تقول الدراسة . انه يستخدم لعلاج الطحال والأنيميا والبواسير وتحسين وظائف الكبد , ويعين على نقص الدهون لدى البد ناء ويحتوي على الأنسولين المنظم للسكر , إلى جانب عدد من الأملاح المعدنية المفيدة مثل الفسفور والمنجنيز والحديد والبوتاسيوم , و أشارت الدراسة إلى أن ألبان الإبل تعد بديلا غذائيا مهما للفواكه الطازجة والخضر وات , لأن الألبان سهلة الهضم وسريعة الامتصاص.تتمتع الجمال بشكل عام بطبائع هادئة , ذات ذكاء تتميز بالصبر والجلد وتحمل المشاق , لا تبالي بالعوامل المناخية القاسية , وتستمر في عملها في أشد الظروف وهي تخزن خاصة عندما يذبح أمامها جمل فتصاب بحالة نفسية و ربما تعزف عن الطعام , وتشارك صاحبها الخوف , وتشعر بوقت الرحيل , وتنذر أهلها بالخطر قبل وقوعه فتنهض في اتجاه العدو .وتعتبر دول الخليج العربي اكثر الدول اهتماما بالإبل وتحظى باهتمام بالغ لارتباطها القوي منذ القدم بحياة الفرد والمجتمع , وتنظم لها السباقات الشهيرة التي يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام فهي رياضة الأجداد , ومظهر من مظاهر الجاه والثروة .
_________________