مرت مؤخرا ذكرى احداث 11 سيتمبر ورغم مرور سنوات عديدة بلياليها ونهارها على ذلك اليوم الاسود الا انه ولحد اليوم تبقى الروايات متضاربة حول ما وقع فهناك من يرى الامر حقيقة تاريخية بينما يشكك اخرون ويقدمون نظريات تؤكد ان الامر برمته مجرد مسرحية متقنة من نسج المخابرات لتحقيق غايات اخرى
كلما جاء ذكر احداث 11 سبتمبر طفت الى السطح نظرية المؤامرة بل ويصبح هذا المصطلح الاكثر تداولا في وسائل الاعلام عامة والعربية خصوصا واذا بحثنا عن مكانة مصطلح ( المؤامرة ) في الثقافة العربية نجده يحتل الصدارة وبجدارة فحيثما وليت وجهك تسمع عن مؤامرة تحاك ضد العرب ومنذ نعومة اظافرنا سمعنا (الى ان شبعنا ) عن المؤامرات التي تحاك ضد الامة العربية وهذا ما حدث مع الذين من قبلنا ومن كثرة ترديد المصطلح امامنا اقتنعنا به وسكن عمق ذاكرتنا ليصبح جزء من تفكيرنا وانتقلنا الى مرحلة الترويج لنصبح نحن نؤكد ان المؤامرات تحاصر العرب من كل الزوايا وان الكل ينتظر منا مجرد غفلة ليوجه الضربة القاضية
نظرية المؤامرة جعلت الباحثين عن شماعة يعلقون عليها اخطاءهم وحتى تقصيرهم في قمة الارتياح فليس هناك اي احراج او خوف لان الامر في غاية السهولة فعليهم فقط ان يديروا الاسطوانة القديمة الجديدة ويؤكدوا ان الفشل بسبب مؤامرة ولن يجدوا اي مشكلة تواجههم لان الكل سيصدق ذلك بل ويقف في صفهم يدافع عنهم ويبرؤهم بل وقد يكرمهم لان العقل العربي قد برمج على تقبل نظرية المؤامرة ومن باب الحرص يؤكد الذين لم يحققوا ما كان منتظرا منهم ان لديهم معلومات اكيدة ومن مصادر موثوقة لا يرقى اليها الشك ان هناك اكثر من جهة وراء هذه المؤامرة
لقد سكنت نظرية المؤامرة عمق العقل العربي وتغلغلت في كل جزيئاته حتى اصبح كل واحد ( الا من رحم ربك ) اذا راى شيئا لم يتحقق لا ينتظر احدا يشرح له الاسباب بل يسارع الى التاكيد على ان في الامر مؤامرة وقد يجتهد ويبذل جهده ليقدم الاسباب والادلة التي تؤكد نظرية المؤامرة
يقول المثل الشعبي (كلمة في الصباح وكلمة في العشية ترد المسلمة يهودية ) فكثرة ترديد الشيء ييسر عملية حفظه وهذا ما كانوا يقولونه لنا واكدته التجربة فاذا اردنا ان نحفظ شيئا نردده كثيرا لذلك جاء ترديد اسم ( مؤامرة ) بتاثير سلبي فحيثما ولى المواطن العربي اذنه وكل حواسه يجد من يؤكد ( ويبصم بالعشرة ) ان هناك مؤامرة كبرى تحاك ضدنا وتغلق امامنا كل الابواب فاذا لم يتحقق مشروع ما في مكان ما قالوا ان هناك مؤامرة واذا نجح الاخرون وفشلنا ادركنا مباشرة ان هناك مؤامرة رغم ان طريق النجاح معروف يعتمد على العمل وعلى بعض التوابل الاخرى التي لا تنقص العرب ( منها الفلوس ) ومع هذا الوضع اصبحت كلمة مؤامرة مقيمة في عمق العقل العربي الذي اصبح يردد اغنية واحدة ودائمة وبكل اللهجات العربية ( الطريق الى النجاح مسدود ..مسدود ..مسدود..)
الايمان بنظرية المؤامرة جعل تقبل الفشل امرا يسيرا بل اصبح الكثيرون لا يبذلون اي جهد فحالما يصطدمون باول عقبة يرفعون الراية البيضاء ويولون الادبار مؤكدين ان في الامر مؤامرة وهم لو تحلوا بالقليل من الارادة وطرقوا الباب مرة اخرى لوجدوها تفتح امامهم وعلى مصراعيها مثلما استقبلت الاخرين الذين امنوا وطبقوا المثل القائل (الصخور تقف حاجزا امام الضعفاء بينما يستند عليها الاقوياء للصعود نحو الاعلى)
الذي يتامل حالة الذين يؤكدون ويبصمون بالعشرة ان هناك مؤامرة يتخيل ان الاخرين قد تركوا كل شيء وتفرغوا لحياكة المؤامرات ضدنا فهم يعملون 24 ساعة كاملة ( وفي رواية 25 ساعة ) من اجل نسف كل مشاريعنا وفي الوقت الذي نلعق فيه احزاننا ونردد اغنية المؤامرة يبقى الاخرون يعملون ويحصدون النجاح تلو الاخر