زرقاء اليمامة...
هي فتاة عربية عاقلة جميلة, و كان أجمل ما فيها عيناها, و كانت ترى بهما على مسافات بعيدة جدا و الناس يعجبون من قوة نظرها.
و كانت بلادها تسمى (اليمامة) فسميت الفتاة (زرقاء اليمامة) . وفي هذه البلاد عيون ماء كبيرة و بساتين جميلة, وفي وسطها قلعة عالية على جبل مرتفع.
وكانوا إذا أرادوا أن ينظروا شيئا بعيدا, أو يروا في الطريق أحدا اخذوا الزرقاء, وصعدوا بها إلى القلعة فوق الجبل – وهي أعلى مكان باليمامة – فتنظر وتخبرهم بما ترى.
صعدت الزرقاء يوما إلى القلعة, ونظرت فرأت شيئا عجيبا, رأت من بعيد شجرا كثيرا يمشي, وينتقل من مكان إلى مكان , فنادت رئيس قومها , وقالت : أرى شيئا عجيبا , أرى من بعيد شجرا كثيرا يمشي وينتقل , فعجب الناس وقالوا : الشجر يمشي يا زرقاء!
هذا شيء لم نره, ولا نقدر أن نصدقه. أنظري! أعيدي النظر! فأعادت النظر, ثم قالت: (كما أراكم بجانبي أرى الشجر من بعيد يمشي), وقال واحد من أهلها: (ربما جاء إلى تلك البلاد سيل شديد, فقلع الشجر من مكانه, وحمله فلذا تراه الزرقاء يسير).
أعادت النظر وقالت
لا بل أراه الأن أوضح مما كنت أراه تحت الشجر , رجلا سائرين وراكبين , والشجر معهم يسير) , فنظروا هم , ثم قالوا : (لا يا زرقاء الجميلة أخطأ نظرك هذه المرة , وخدعتك عيناك!) . قالت
لا بل أرى ذلك كما أراكم بجانبي).
وجاء الليل فانصرفوا, وذهب كل إلى داره, وعند الفجر أيقظ الناس جيش كبير مسلح يقوده أكبر عدو لليمامة. كان الجيش مستعدا معدا سلاحه , وكان أهل اليمامة نائمين تاركين سلاحهم ,
ففجاهم العدو , وقتل كثيرا منهم , واستولى على قلعتهم .
وعندئذ علم الناس أن الزرقاء كانت صادقة . وكانت تخبرهم بما تراه حقا , ولكن فات الأوان , وضاعت الفرصة .
كان هذا العدو يريد أن يهجم على أهل اليمامة فجأة, وكان يخاف من عين الزرقاء أن تراه وتخبر أهلها, فيستعدوا لقتاله, ولهذا دبر تلك الحيلة, وأمر رجاله أن يحمل كل واحد منهم فرع شجرة أو تحمل كل جماعة شجرة تغطيهم حتى لا يرى من ينظرهم من بعيد إلا الشجر يمشي . ونجحت الحيلة لأن أهل الزرقاء لم يصدقوا كلامها وهي صادقة.
وبحث رئيس الجيش المهاجم عن الزرقاء, فلما أحضرت له قال: (أنت التي أخرت جيشي مرارا قبل هذه المرة, ومنعته أن يأخذ اليمامة, فكلما أقبلت بجيشي نظرت فكشفت مكانه وأخبرت قومك يستعدون لي). قالت (وكنت أتمنى أن أؤخره هذه المرة أيضا), قال: (ولكن عقلي غلب عينيك).
قالت: ( لم يغلبهما, ولكن أهلي كذبوني حين أخبرتهم).
قال: (هل تحبين أن تصحبيني, وتخبريني عن كل من يقصد الى بلادي , ولا أكذبك كما كذبك أهلك ؟)
قالت: ( كثرة البكاء على أهلي, والحزن على وطني يضعف عيني فلا يجعلني أرى لك شيئا)
قال: (الأن وجب علي أن أحرمك عينيك).
قالت: ( إذن تحسن إلي, فانه لا فائدة لي في عيني إذا لم أخدم بهم أهلي ووطني, وفقدهما خير لي من أن أبصر بهما العدو الذي قتل أهلي, وخرب وطني. والآن فافعل بعيني ما شئت, ولا تطمع من الزرقاء أن تخدم بهما عدو الوطن).