تعتبر حاسي مسعود" الجزائرية (أقصى جنوب البلاد) بجانب كونها أكبر مدينة نفطية هناك، فإنها تمثل بمنظور من تحدثت إليهم "إيلاف" أيقونة حقيقية للبيئة الصحراوية الجافة، لكنها غير مؤمنّة ضدّ محاذير لها صلة مباشرة بالنشاط النفطي المتنامي.
كامل الشيرازي من الجزائر: تنفرد مدينة حاسي مسعود بشساعة أراضيها، إذ تفوق مساحتها أكبر الأراضي التونسية برمتها، وبجانب كونها مركز البيئة الصحراوية الجافة في جنوب الجزائر، فإنّها تعاني من هشاشة نظامها البيئي، بعد تحولها إلى قطب صناعي منذ اكتشاف البترول بها سنة 1956، بشكل غدت معه هذه المدينة/الجنة التي يؤمها 60 ألف ساكن، منطقة معرضة للمخاطر الكبرى.
يشير أبو بكر وهو أحد أبناء حاسي مسعود إلى ما تتسم به الأخيرة من بيئة صحراوية صعبة وقاسية تميزها الرياح الرملية المتصلة الهبوب، وهو وضع يأخذ بعدا أكثر احتداما خلال فصل الصيف، أين تلامس درجة الحرارة عتبة الخمسين، ويحس سكان الحاسي (معناه البئر) بوطأة الحرارة أضعاف تبعا لما يترتب عن النيران الملتهبة على مستوى أكثر من 1700 منشأة نفطية.
ووسط هذا الفضاء الصحراوي، يؤكد الحاج طيفور أحد السكان المحليين، تفضيله الاستقرار بهذا العالم كقناعة راسخة توارثها عن الأجداد، ويمارس حرفة الرعي المرتبطة على ما تجود به الأرض من كلأ، ويقول الحاج الذي أنهكه ثقل السنون، أنّ حياة سكان حاسي مسعود تعتبر تحديا لعوامل الطبيعة والمناخ في وقت واحد، حيث يكون الصبر الحاضر الأكبر في المعادلة.
ومن خصوصيات بيئة حاسي مسعود، يُدرج العم صالح ما يُعرف بـ(رياح السيروكو) أو كما يُطلق عليها محليا (العجاج) الذي عادة ما يكثر مع نهاية الفصل الربيعي وبداية الموسم الصيفي، ويذهب محدثنا إلى أنّ "سحر" البيئة الصحراوية الجافة والخالية، يبقى طاغيا ومنتصبا، ويزيده رونقا إشعاع الصخور الرملية والتراكيب الجيولوجية الساحرة التي تفننت الطبيعة المُلهمة في تشكيلها.
ويلفت "حميد" إلى أنّ ما يثير المخاوف لم يكن أبدا البيئة المحلية المُعتاد عليها أصلا من قبل مواطنيه الجنوبيين، بل النشاط المتسع لمجموعات البترول والغاز، والجزع من حدوث تسرب أو تلوث، بفعل ما يحدث من خروقات تمس بعذرية المحيط، مثل لفظ المصانع لمخلفات تضر بالبيئة والصحة معا، رغم اعتماد السلطات تدابير أمنية صارمة لحماية المنطقة وقاطنيها.
بيد أنّ الآلاف من مربي الإبل بحاسي مسعود ينتقدون بشدة اتساع حركة التصنيع بمنطقتهم، ويعتبرونها سببا رئيسا في تراجع الثروة الحيوانية هناك، بهذا الصدد، يكشف "بشير" هلاك المئات من رؤوس الإبل التي صارت في خبر كان، بفعل شربها من الأحواض النفطية المهملة، هذه الأخيرة تخلّفها مجموعات ناشطة هناك لا تكلف نفسها عناء ردم تلك الأحواض، أو تنبيه السكان المحليين إلى المخاطر المترتبة عنها.
بدوره، يقول "الميزوني" وهو أحد مربي الجمال، أنّه بحكم الطبيعة القاسية التي تغلّف حاسي مسعود، فإنّه يقطع على منوال الكثير من زملائه، مسافات طويلة للحصول على المياه اللازمة لإبله، بعدما صارت مياه المنطقة مخلوطة بالأحماض السامة، ويشرح الميزوني أنّ الجدل يزداد إزاء ما تلفظه المنشآت النفطية من مواد كيمائية وأحماض اصطناعية بالغة التسميم، ومن شأنها تهديد الإنسان والحيوان على حد سواء.
ويبقى السبيل الأمثل بحسب الباحث "سفيان جفال"، في مسك يكفل تأمين البيئة الصحراوية ومقتضيات التنمية المستدامة، متصورا أنّ حاسي مسعود يمكنها أن تكون نموذجا في الاندماج البيئي في جو ذي جودة راقية.
ولمنح المنطقة مقومات مدينة مغايرة وإحداث فورة نوعية، تخطط السلطات الجزائرية لإنشاء مدينة حاسي مسعود الجديدة وإخراجها في صورة "واحة حضرية" فريدة من نوعها، من حيث نمط تهيئتها وتعميرها في آفاق العام 2016.