تمثل النافورات في الحدائق الإسلامية جزءًا من مهارة المزارع والمهندس والفنَّان المسلم في استخدام المياه في الحدائق.
"لقد جاء استخدام الماء في الحديقة الإسلامية بصورة متنوعة، فقد استخدم على شكل مسطحات مائية مظلَّلة بالأشجار، أو على شكل نوافير تساعد على تحريك سطح الماء، فلا يعمل كسطح عاكسٍ، أو على شكل أنابيب علويَّة تتساقط منها المياه محدثة خريرًا مقبولاً، أو على شكل سلسبيل"[1].
النافورات في مدن الإسلامبإمكاننا بعدما رأينا طرفًا من انتشار وسعة الحدائق على طول المساحة الإسلامية، وبعدما رأينا أن الحدائق انتشرت حتى داخل البيوت، نقول: يمكننا أن نضاعف هذا التخيُّل لنحسب عدد النافورات في كل حديقة من مدن الإسلام، وهو عددٌ لا يكاد يحصى.
حتى البيوت الفقيرة في المجتمع الإسلامي يصفها ول ديورانت فيقول: "وكانت بيوت الفقراء وقتئذٍ -كما هي الآن- أبنية مستطيلة الشكل؛ مقامة من اللبن الملتصق بالطين، سقفها خليط من الطين، وأعواد النبات، وغصون الأشجار، وجريد النخل، والقش. وكانت البيوت الأرقى من هذه نوعًا تشتمل على فناء داخلي مكشوف، ذي فسقية، وشجرة في بعض الأحيان؛ وكانت تحتوي أحيانًا على طائفة من العمد الخشبية، ورواق مسقوف بين الفناء والحجرات"[2].
وعلى سبيل المثال كان في بلجراد -إبان عصر الخلافة العثمانية- أكثر من 600 نافورة عموميَّة[3].
النافورات في مدينة فاسقامت السلطات المغربية منذ أعوام بحملة لترميم النافورات القديمة في مدينة فاس، فكان الإحصاء الذي نشر يقول: يوجد في شوارع فاس نحو 70 نافورة تقليدية، وحوالي 400 نافورة داخل المساكن والمساجد والمدارس العتيقة. وتشير المصادر التاريخية أن هذه النافورات وجدت في المدينَة العريقة منذ القرن السادس عشر الميلادي، وكان يعتمد عليها كُلِّيًّا للشرب وسقي الحيوانات وريّ البساتين، ويُعتقد أن وجود هذه النافورات ارتبط بنسق شبكة المياه المعقدة في فاس منذ حوالي 10 قرون[4].
فلم تكن النافورات إذن مجرد بذخ، لقد كانت وجهًا من فلسفة الحضارة الإسلامية في استعمال المياه التي كانت "مرتبطة بنواحٍ وظيفية والاستمتاع الحسي الروحي"[5].
النافورات بغرناطةكانت المياه المتدفقة من النافورات -في جنة العريف بغرناطة- توجه بمهارة فائقة حول حافة حوض المياه، فينتج الماء المتدفق تموجات نصف دائرية عندما يتساقط على الحوض المائي، وهذا الأسلوب هو إضافة إسلامية لم تكن موجودة من قبل[6]. ولقد كانت الأحواض المائية تحتوي أحيانًا على أسماك أو أنواع من الطيور كالبط، فكانت النافورات على جوانب هذه الأحواض تمنع وجود الحشرات على سطح الماء، كما استخدمت النافورات أيضًا لإطلاق الرذاذ المائي؛ لتلطيف وترطيب الأجواء بأقل كمية ممكنة من الماء[7]. النافورات في بلاد البلقانويتجلى حسن استغلال المياه في النافورات العمومية التي تجمع بين الأبعاد الرمزية والجمالية والعملية، وأجمل هذه الإبداعات هي التي توجد في ساحات المساجد، ومن أبرز هذه الأمثلة ما كان في بلاد البلقان في ظل الخلافة العثمانية مثل: نافورات مسجد محمد كوسكي باشا، ومسجد هرتدوس باي، ومسجد سنان باي، في كاينينيش، ومسجد سلطان اسمي، في بايتشا، ومسجد مصطفى باشا، في سكوبيا، ومسجد الغازي خسرف بك في سراييفو، ومسجد ألاجا في فوتشا. وتعتبر النافورات من ميزات الكثير من المدن الإسلامية عبر العالم، ولا سيما في البلقان. ومياهها صالحة للشرب، فضلاً عن الوضوء والاستحمام[8].
النافورات في بلاد الأندلسأما في الأندلس، وتحديدًا في قصر الحمراء لم تكن نافورة ساحة الأسود أحد المحاور الرئيسية لشبكة المياه التي تغذي القصر فحسب، وإنما كانت قطعة معبرة عن جمال النحت في الحضارة الإسلامية، إذ يحمل صحن النافورة اثنا عشر أسدًا يخرج الماء من أفواهها، وستزداد دهشتنا حين نعلم أن هذه النافورة كانت ساعة، يخرج الماء عند الساعة الواحدة من فم أسد واحد، ثم عند الثانية من فم أسدين، وهكذا عند الساعة الثالثة والرابعة إلى أن يخرج الماء من أفواه جميع الأسود عند الساعة الثانية عشرة، ولكن هذا النظام تعطل حين سقطت الأندلس، وحاول الأسبان معرفة نظامها فأفسدوها[9]. وهكذا كانت النافورات جزءًا بديعًا من الحدائق الإسلامية، ذات وظيفة عمليَّة، وقيمة جماليَّة، وأحيانًا كانت -أيضًا- اختراعًا علميًّا. د. راغب السرجاني[1] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة ص217.[2] ول ديورانت: قصة الحضارة 13/241.[3] جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 25/11/2008.[4] جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 27/10/2002.[5] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة ص217.[6] سلمى الخضراء الجيوسي: الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، من مبحث: جيمس دكي بعنوان "الحديقة الأندلسية: دراسة في مدلولاتها الرمزية" 2/1433.[7] يحيى وزيري: العمارة الإسلامية والبيئة ص217، 218.[8] عبد الباقي خليفة: الآثار التاريخية في البلقان، تحقيق منشور في جريدة الشرق الأوسط 25/11/2008.[9] وليد أحمد السيد: انعكاسات فلكية في العمارة العربية الإسلامية، جريدة الجزيرة السعودية 9/11/2002.