الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على الهادي البشير النذير، سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.. أما بعد:-
فإن الحديث في موضوع كهذا، له أهمية كبيرة من حيث الاستيعاب والاستعداد، لأن ما يعترض الشباب، ويشوش أفكارهم، وخاصة في عصرنا الحاضر، الذي تكاثرت فيه التيارات المتعارضة، بحيث أصبحت الأفكار المتصارعة من نماذج متعددة، سمة من سمات العصر الذي نعيش فيه، يجب أن تؤخذ الأهبة له.
ولذا فإن على المهتمين بتأدية الأمانة العلمية والقيادية واجباً يحسن بهم أن يأخذوا الحيطة من أجله. وجهوداً يجب أن يبذلوها من أجل حماية الشباب، وتحصين عقولهم من تلك الأفكار المسلطة. وتنقية أفكارهم عن تلك التيارات الجارفة. وإحلال أذهانهم بأفكار إسلامية مكانها، حتى يكون لدى الشباب في البيئة الإسلامية مناعة في التصدي، وقدرة على المجابهة.
وهذا الموضوع في نظري هام وخطير، وأستميح القارئ عذراً فيما قد يبدر من قصور، أو يلمس من نواقص، لأن الإِحاطة بجوانب هذا الموضوع، والاستشهاد بالوقائع، يحتاج لقدرة أمكن، واطلاع أكثر.. ولذا فإن ما أطرحه في هذه العجالة، ما هو إلا جهد المقل، مسترشداً بالتعليق والإِضافة والتوضيح والإِبانة ممن له إحاطة ودراية.. ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، إذْ حسبي في هذا التعرض الحماسة والرغبة في المشاركة، وطرح الموضوع للإِبانة عن أهمية الحاجة إلى حلول مريحة، تطمئن الأمة على شبابها، وتعين في حمايتهم من المخاطر المحدقة بهم.
ذلك أن شباب اليوم يمرون بعقبات متعددة، وتحيط بهم مدلهمات خطيرة، وتكتنفهم تيارات عديدة أكثر مما أحاط بشباب الأمس، لأنه قد ركز نحوهم غزو متعمد، بقصد بلبلة أفكارهم، ونصبت لهم الشباك بطرق شتى لمباعدتهم عن دينهم، وتشكيكهم في قدرة شرائعه على حل ما يعترضهم، ومحاولة صم آذانهم عن فهم تعاليمه فهماً صحيحاً، أو أخذها من مصادرها الموثوقة.
ولذا فإن الحماية من تلك الأخطار تحتاج إلى جهد يبذل، وعمل يتواصل، وجهود تتظافر، مع فهم عميق، وإدراك وروية.
شباب اليوم انفتحت أمامهم مصادر المعرفة، وتكاثرت عليهم الآراء المتباينة. وانتشرت في ثقافاتهم الأفكار والنوايا المغرضة، التي يراد بها تشكيك المسلمين في دينهم، وانحرافهم عنه، ما بين مسموع ومرئّي ومقروء.
وقد تعددت المصادر التي تأتي منها الأفكار والعلوم، وأصبحت المعرفة الموجهة إلى الشباب ذات أبعاد متنوعة من فكرية إلى عقدية إلى مادية وابتزاز، إلى ملذات ودعوة لتسليم النفس قياد الهوى، والنفس أمارة بالسوء.
ترابطت أطراف العالم بثقافاته، وتشابكت الطرق المؤدية لذلك، وتعددت الوسائل الحاملة لهذه الثقافات، وخلف كل ثقافة بعداً عميقاً في الجذور العقدية، والمنطلقات الفكرية. وغالبها خلفه أيد نشطة تحركه وتغذّيه، وتدفع في سبيله الشيء الكثير من جهد ومال ووقت وتخطيط.
أصبحت وسائل الثقافة الموجهة، متوفرة في كل صقع من الأرض، بل دخلت كل بيت في أنحاء المعمورة، حتى أكواخ الفقراء، ومضارب البادية، وحصون النساء المخدَّرات، لقد تسربت إلى كل مكان تحركها عوامل متعداة: من نفس وهوى وشيطان.. وشياطين الإِنس أشد خطراً من شياطين الجن.
أصبحت وسائل الثقافة اليوم سلاحاً ذا حدين في التوجيه والاهتمام، وهو إن روعي فجانب خير ومفيد.. وهذا لن يتأتّى إلا بجهود مبذولة في التوجيه والإِعداد، ومغالبة للنفس في العمل، وهو قليل في أرض الله الواسعة، إلا ما رحم ربي.
وجهود أخرى في المراقبة والحيطة.. وهذا الجانب المهم، مهما بذل فيه فإن له طرقاً للإِفلات يدركها المتمرسون فيه، والمدفوعون إلى ترويجه لأي هدف، وبأي مصلحة شخصية أو جماعية.
وعندما نجيل النظر، فإننا لا نجد شخصاً لا يملك جهاز راديو، أو يحتفظ بجهاز للتسجيل، كما أن الأجهزة المرئية من تلفاز وفيديو، وغيرها قد سرت في المجتمعات الإِسلامية سريان النار في الهشيم.
أما الصحف والثقافات المتعددة، المهتمة بالصورة المثيرة، والمعلومات التي تتلاعب بأوتار الحواس عند الشباب، وتثير العواطف والشهوات، فهي المصدر المحبب إليهم أخذاً من قول الشاعر:
منعت شيئاً فأكثرت الولوع به أحب شيء إلى الإِنسان ما منعا
فكان لابد من معرفة ذلك، ثم التعرف على السبل المعينة على حماية المجتمع، وتسليح الفرد لمجابهة تلك الأخطار المحدقة والأعمال المسلطة.
فالإِنسان لابد أن يكون حذراً مستعداً للمعركة بما يناسب المقام من سلاح وقوة: قوة في الفهم والإِدراك، وقوة في الحجة ورد الشبهات، وسلاح يقارع به ما سلط نحوه، وما نصب له من أهداف، كما يقال في المثل العربي: إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. والموجَّهُ للأمة الإِسلامية شرور كثيرة يجب أن يتقى سلاحها بالتحصن والمدافعة.. مع الحذر والحيطة.
ونستطيع أن نجمل مسارب التيارات المعاصرة في الأمور التالية:
1 - الهجمة الشرسة على الإِِسلام والعداء للمسلمين.
2 - قسر الأمور الإِسلامية حتى توافق الأهواء.
3 - التشكيك في التشريعات الإِسلامية.
4 - ما تنطوي عليه أفكار المبشرين والمستشرقين.
5 - الحرب على اللغة العربية.
6 - تسليط المغريات، والترغيب في الملذات.
7 - إظهار شعارات مختلفة لتكوِّن مجالات للترابط والتقارب مع الإِسلام.
8 - إيجاد هوة بالنفرة بين الشباب وبين قادتهم وعلمائهم.
9 - تحريك النزعات العقدية، والنزعات العرقية.
10 - تجسيم التيارات الفكرية، ونشرها وتمجيد أصحابها.
11 - تبني التيارات الأدبية بمذاهبها وأهدافها.
12 - تثبيط همم الشباب، وتشكيكهم في قدرة أمتهم الإِسلامية في مسايرة الأمم الأخرى حضارياً وعلمياً.