تعريف الصدق:هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع.
معانيه:
اعلم أن لفظ الصدق يستعمل في ستة معانٍ: صدق في القول، وصدق
في النية والإرادة، وصدق في العزم، وصدق في الوفاء بالعزم،
وصدق في العمل، وصدق في تحقيق مقامات الدين كلها، فمن اتصف
بالصدق في جميع ذلك فهو صدِّيق لأنه مبالغة في الصدق.
الصدق الأول: صدق اللسان، وذلك لا يكون إلا في الإخبار أو
فيما يتضمن الإخبار وينبه عليه، والخبر إما أن يتعلق بالماضي
أو بالمستقبل وفيه يدخل الوفاء والخلف، وحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه فلا يتكلم إلا بالصدق.
وهذا هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها فمن حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هي عليه فهو صادق.
الصدق الثاني: في النية والإرادة، ويرجع ذلك إلى الإخلاص وهو ألا
يكون له باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يسمى كاذبًا.
الصدق الثالث: في صدق العزم، إن الإنسان قد يقدم العزم على
العمل فيقول في نفسه: إن رزقني الله مالاً تصدقت بجميعه - أو
بشطره أو إن لقيت عدوًا في سبيل الله تعالى قاتلت ولم أبالِ وإن
قُتلت، وإن أعطاني الله تعالى ولاية عدلت فيها ولم أعصِ الله تعالى
بظلم وميل إلى خلق، فهذه العزيمة قد يصادقها من نفسه وهي
عزيمة جازمة صادقة، وقد يكون في عزمه نوع ميل وتردد وضعف
يضاد الصدق في العزيمة، فكان الصدق هاهنا عبارة عن التمام
والقوة.
الصدق الرابع: في الوفاء بالعزم، فإن النفس قد تسخو بالعزم
في الحال، إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمئونة فيه خفيفة،
فإذا حفت الحقائق وحصل التمكن وهاجت الشهوات، انحلت العزيمة
وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضاد الصدق فيه،
ولذلك قال الله تعالى: "رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ" [الأحزاب: 23].
الصدق الخامس: في الأعمال، وهو أن يجتهد حتى لا تدل أعماله
الظاهرة على أمر في باطنه لا يتصف هو به؛ لا بأن يترك الأعمال
ولكن بأن يستجرَّ الباطن إلى تصديق الظاهر، ورب واقف على هيئة
خشوع في صلاته ليس يقصد به مشاهدة غيره ولكن قلبه غافل عن
الصلاة فمن ينظر إليه يراه قائمًا بين يدي الله تعالى وهو
بالباطن قائم في السوق بين يدي شهوة من شهواته.
الصدق السادس: وهو أعلى الدرجات وأعزها: الصدق في مقامات
الدين، كالصدق في الخوف والرجاء والتعظيم والزهد والرضا
والتوكل والحب وسائر هذه الأمور، فإذا غلب الشيء وتمت حقيقته
سمي صاحبه صادقًا فيه، كما يقال: فلان صدق القتال، ويقال: هذا هو الخوف الصادق. ثم درجات الصدق لا نهاية لها، وقد يكون
للعبد صدق في بعض الأمور دون بعض فإن كان صادقًا في جميع الأمور
فهو الصدِّيق حقًا.
قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: ثلاثة أنا فيهن قوي وفيما سواهن
ضعيف: ما صليت صلاة منذ أسلمت فحدثت نفسي حتى أفرغ منها، ولا
شيعت جنازة فحدثت نفسي بغير ما هي قائلة، وما هو مقول لها
حتى يُفرغ من دفنها، وما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
قولاً إلا علمت أنه حق، فقال ابن المسيب: ما ظننت أن هذه الخصال
تجتمع إلا في النبي عليه الصلاة والسلام