مالك بن نبي (1323 - 1393هـ، 1905 - 1973م). مفكر جزائري معروف. وأحد المفكرين الإسلاميين الذين قدَّموا رؤاهم لنهضة بلادهم على هَدْي القرآن الكريم للخروج من مأزق التخلف والتبعية. فاهتم بالوقت باعتباره ممرًا يدخل المجتمع من خلاله التاريخ أو يخرج منه، وبالفعالية على أنها فهم جوهر الإنسان، وبالتاريخ وعلاقتهما الواحد بالآخر، وبالحضارة على أنها جملة العوامل المعنوية والمادية التي تتيح لمجتمع أن يوفر لكل فرد من أعضائه الضمانات الاجتماعية اللازمة لتقدمه.
وُلد مالك بن نبي بعاصمة الشرق الجزائري قسنطينة عام 1905م من أب موظف بسيط. انتقلت به عائلته إلى تبسَّة، حيث ارتاد المدرسة القرآنية لمدة أربع سنوات بالتوازي مع المدرسة الفرنسية. ولكن مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، انتقل ثانية إلى قسنطينة. ومنها إلى تبسَّة حيث التحق بالمدرسة الإعدادية.
وكان متفوقًا على أقرانه، فأعطي منحة لمواصلة الدراسة بقسنطينة، وهناك زاوج بين تأثير الثقافتين العربية والفرنسية على الرغم من صغر سنه. سافر عام 1925م إلى مرسيليا وليون وباريس بحثًا عن عمل و لكن دون جدوى، فعاد إلى الجزائر حيث عمل في تبسة مساعد كاتب في المحكمة. وأتاح له عمله هذا الاحتكاك بمختلف الشرائح الاجتماعية أيام الاستعمار مما ساعده على تفسير ظواهر مختلفة فيما بعد. وفي عام 1928م تعرّف مالك بن نبي على الشيخ عبدالحميد بن باديس، وعرف قيمته التربوية والإصلاحية. ثم سافر مرة ثانية إلى فرنسا عام 1930م، حيث حاول الدخول إلى معهد الدراسات الشرقية ولكنه لم ينجح في الدخول لأنه جزائري، وسُمح له بدخول مدرسة اللاسلكي وتخرج فيها مهندسًا كهربائيًا سنة 1931م، وتزوج حينذاك فرنسية أسلمت واتخذت خديجة اسمًا لها. ولم تنجب له فتزوج ثانية بعد وصوله إلى مصر سنة 1956م، وخلال غربته لم ينشغل عن السياسة وشؤون البلاد حيث كان يتابع عن كثب حركات الإصلاح داخل الوطن وخارجه.
بقي في باريس من سنة 1939م إلى 1956م، ثم عاد إلى القاهرة للمشاركة في الثورة الجزائرية من هناك. ولم يغادر مصر إلا بعد استقلال الجزائر حيث أصبح سنة 1963م مديرًا للتعليم العالي حتى 1967م، ثم استقال وانقطع للعمل الفكري وتنظيم ندوات كان يحضرها الطلبة من مختلف المشارب. وظل مالك بن نبي ينير الطريق أمام العالم الإسلامي بفكره إلى أن توفي.
أما آثاره الفكرية، فيمكن القول إنه لم يكفّ عن العطاء منذ سنة 1946م حيث ألّف أول كتاب له وهو الظاهرة القرآنية، هذا الكتاب الذي كان سبب إسلام الكثير من الغربيين. وتلاه برواية لبيك (1947م)، وهي رواية فلسفية، ثم شروط النهضة (1948م)؛ وجهة العالم الإسلامي. وفي عام 1954م أصدر بمناسبة انعقاد مؤتمر باندونج الفكرة الأفروآسيوية (1956م) ومشكلة الثقافة (1959م) والصراع الفكري في البلاد المستعمرة (1960م) وهو أول كتاب كتبه مالك بالعربية مباشرة بخلاف معظم كتبه التي ألفها بالفرنسية، وترجمها إلى العربية المفكر الإسلامي المصري الدكتور عبدالصبور شاهين، حيث تعتبر هذه الترجمات الجسر الأول الذي نقل مالك بن نبي إلى عقول قرَّاء العربية. وفي عام 1960م كتب أيضًا كتابه فكرة كومنولث إسلامي؛ ميلاد مجتمع (1962م)؛ إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي (1969م)؛ مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي؛ مذكرات شاهد القرن (1970م)؛ المسلم في عالم الاقتصاد (1972م). ونشر له بعد وفاته دور المسلم ورسالته في القرن العشرين (1977م)؛ بين الرشاد والتيه (1978م).
ولمالك بن نبي آثار فكرية لم تطبع وهي في صورة مخطوطات مثل: خطاب مفتوح لخروتشوف وأيزنهاور؛ دولة مجتمع إسلامي؛ مذكرات شاهد القرن (القسم الثالث)؛ العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها؛ المشكلة اليهودية؛ اليهودية أم النصرانية؛ دراسة حول النصرانية؛ مجالس دمشق (مجموعة محاضرات باللغة العربية)؛ مجالس تفكير (محاضرات كان يلقيها في منزله في الجزائر).