تفضل أخي يوسف
--------------
السياسات التجارية
I. السياسات التجارية بين الحرية والتقييد:
مقـــدمــــة:
منذ العصور القديمة لم تكن الدول تفرض قيودا على التجارة الدولية، وتميزت التعريفة الجمركية التي كانت تفرض حتى القرن 17 بطابعها المالي ولم يكن هناك اهتمام بآثارها الحمائية. وقد استتبع قيام الدولة الحديثة الاهتمام باتخاذ سياسات تجارية تمكن من زيادة ثروة الدولة وقوتها وذلك تحت تأثير المذهب التجاري. ولقد كان لتطبيق آراء التجاريين آثارا موجبة على اقتصاديات دول أوروبا الغربية وبالخصوص إنجلترا وفرنسا، حيث تقدمت صناعاتهما ولم تعد خائفة من المنافسة الخارجية.
وتعتبر الفترة من 1842 إلى 1873 فترة رواج وتدعيم لمذهب الحرية الاقتصادية. وأيدت السياسة الاقتصادية في تلك المرحلة مبدأ حرية التبادل التجاري سواء في الداخل أو في الخارج، حيث اعتنق الكثيرون مذهب آدم سميث الخاص بترك النشاط الاقتصادي للأفراد يديرونها طبقا لمصالحهم الشخصية.
فاعتبر أنصار هذا المذهب أن التقسيم الدولي للإنتاج هو المبدأ الأساسي في العلاقات الاقتصادية بين الدول، حيث سادت هذه الآراء في كل من إنجلترا وفرنسا. إذ تمتعت هاتان الدولتان بالتفوق الصناعي، وكانت التجارة الخارجية بما أتاحته من اتساع أسواق تصريف المنتجات الصناعية وكذلك إمداد الصناعة بمستلزماتها من المستعمرات التي تخصصت في ظل هذه الظروف في إنتاج المنتجات الزراعية والمواد الأولية باعتبارها سند لنمو الصناعة.
وقد نتج عن حرية التجارة هذه أن استغلت الدول المتخلفة في مجال التصنيع لصالح الدول المتقدمة آنذاك، إنجلترا وفرنسا، لذلك نادى الاقتصاديون في كل من الولايات المتحدة وألمانيا بضرورة حماية منتجات الصناعة الوطنية من غزو السلع الإنجليزية والفرنسية، وانتهى الأمر بانتهاج الدول الأوروبية الواحدة تلو الأخرى لسياسة الحماية التجارية بدءا من عام 1873 وحتى قيام الحرب العالمية الأولى، وذلك لزيادة حاجة الحكومات الأوروبية إلى مزيد من الأموال لتمويل سياساتها الاستعمارية والتوسعية ثم لتمويل السباق نحو التسلح تحضيرا للحرب.
فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإعادة تنظيم الاقتصاديات الوطنية نجحت الدول في إعادة الحرية النسبية إلى حركة التجارة الدولية والاعتماد على الرسوم الجمركية لتنظيم هذه التجارة، ووضع مجموعة من القواعد المتناسقة تكون أساسا لتحرير أكبر وتنمية أسرع لحركة التجارة الدولية مع تعاون أوثق بين الدول في هذه المجال.
في الأخير، لا بد أن نفرق عند الحديث عن حرية التجارة وحمايتها بين المجتمع الدولي كله وبين الدولة الواحدة، حيث تقف الدول الكبيرة دائما مع حرية التجارة الخارجية، بينما الدول الصغيرة دائما مع فرض القيود عليها، فالأولى تتمتع باحتكار موروث لذا فهي تضطر إلى مجابهة باحتكار تحكمي في مرحلة التبادل تضعه بنفسها عن طريق العديد من القيود.
1. حجج أنصار حرية التجارة:
لما كان الهدف من أي سياسة اقتصادية أو تجارية، هو تحقيق الرفاهية الاقتصادية، فإن أتباع حرية التجارة من شأنه تعظيم الدخل الوطني للدول أطراف التبادل بما يكفل لها تحقيق الرفاهية لكل منها، ويعتمد أنصار هذا المذهب على عدة حجج نذكر أهمها فيما يلي:
أ. منافع التخصص الدولي:
حيث يتم تخصص كل دولة في إنتاج السلعة التي تتمتع فيها بميزة نسبية، ولما كان مدى التخصص إنما يتوقف على نطاق السوق الذي يتم فيه التبادل، فإن اتساع نطاق التجارة الدولية شرط لازم لاتساع مدى التخصص الدولي وتقسيم العمل.
ب. منافع المنافسة:
إن مناخ المنافسة الذي تكفله حرية التجارة يساعد على الارتفاع بمستوى الإنتاجية فضلا عن خفض الأثمان في صالح المستهلكين.
2. حجج أنصار الحماية:
يستند أنصار الحماية إلى حجج بعضها اقتصادي وبعضها غير اقتصادي، ذلك أن الاعتبارات الاقتصادية البحتة ليست المعيار الوحيد الذي تسترشد الحكومات في تقييد التجارة الخارجية أو تحريرها. فالاعتبارات غير الاقتصادية تتعدى الرفاهية المادية، إذ تتداخل الاعتبارات السياسية واعتبارات الأمن في تشكيل سياسة الدولة في هذا المجال، بالإضافة إلى الرعاية الاجتماعية لبعض الفئات التي يتوقف عليها الاستقرار السياسي والاجتماعي للدولة، كحماية الفلاحين بدعم قطاع الفلاحة.
أما الحجج الاقتصادية نذكر منها: حماية الصناعات الناشئة، معالجة البطالة والاستفادة من العمالة الرخيصة، اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار المباشر.
أ. حماية الصناعات الناشئة:
وتتلخص هذه الحجة في أن نفقات الصناعة في مراحله الأولى تكون مرتفعة لذلك يجب حمايتها حتى تنخفض تلك النفقات وتتمتع الدولة بمزايا التصنيع وعندئذ تستطيع إزالة الحماية دون أن يصيبها ضرر. ولقد اتخذت هذه الحجة كذريعة لفرض القيود التجارية خلال القرن 19 في أوروبا وأمريكا ولا زال يؤخذ بها في دول العالم النامي.
ولا شك أن الحاجة إلى حماية الصناعات الناشئة لإنماء الصناعة في الدول النامية تفوق الحاجة إليها سابقا، فالصناعات الناشئة في الدول النامية لا تعاني من منافسة صناعات سبقتها في ميدان التقدم الفني فحسب، ولكنها تواجه أيضا السياسات الاحتكارية التي تتبعها تلك الصناعات وتحاربها بها في كافة الأسواق.
وهذه الحجة لصيقة بالألماني "فريدريك ليست"، الذي طالب بالحماية في مجال الصناعة وأن تكون مؤقتة. وهو يرى كذلك أن تكون الحماية معتدلة وتقتصر على ضرائب جمركية تعوض انخفاض أثمان منتجات الصناعات الأجنبية القوية عن أثمان منتجات الصناعات الوطنية الوليدة.
ب. معالجة البطالة والاستفادة من العمالة الرخيصة:
يرى أنصار الحماية ضرورتها لزيادة الطلب المحلي على المنتجات الوطنية مما يساعد على درء خطر البطالة وزيادة فرص الاستثمار المربح في الداخل، كما تخلق الحماية أنواعا جديدة من الصناعات التي تستخدم المزيد من العمالة، كما أن التوسع في سياسة الاكتفاء الذاتي داخل الدولة يؤدي إلى زيادة فرص العمل والتشغيل بها.
إلا أن فرص الحماية بغرض زيادة العمالة قد لا يتحقق إذا طبقت الدول الأخرى مبدأ المعاملة بالمثل، والذي يؤدي إلى نقص الطلب على المنتجات الوطنية في الخارج.
وتعتبر حجة العمالة الرخيصة أكثر الحجج شيوعا لفرض الحماية باعتبار أن السلع المنتجة باستخدام العمالة الرخيصة ستباع بأقل من أثمان المنتجات المحلية مما يجعل المنتجين المحليين غير قادرين على المنافسة، كما أن المنشآت المحلية ستقع تحت إغراء نقل عملياتها خارج الحدود الوطنية بغرض استخدام العمالة الرخيصة.
ج. اجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار المباشر:
قد يكون الغرض من الحماية إغراء رؤوس الأموال الأجنبية دخول الدولة بقصد الاستثمار المباشر تجنبا لعبء الرسوم الجمركية المفروضة. وهكذا يستخدم إجراء الحماية بقصد تشجيع صناعة وطنية يعتمد قيامها على رأس المال الأجنبي، فيساعد ذلك على زيادة الدخل الوطني بزيادة التشغيل، كما يساعد رأس المال الأجنبي وما يصاحبه من أساليب فنية جديدة مستخدمة في الإنتاج على تطوير فنون الإنتاج محليا والارتفاع بكفاءته.
والتقييم النهائي لسياسة الحماية من أجل جذب رأس المال الأجنبي يتوقف على ضوابط تلك السياسة وتوجيهها من جانب الدول المتلقية لرأس المال لإحكام دوره وتحديد مساره في جهود الإنماء الاقتصادي بها، فضلا عن منع المغالات في تسرب الأرباح إلى الخارج، حيث يمكن في ظل تلك الضوابط أن يساعد رأس المال الأجنبي على النهوض بمستوى الدخل الوطني ودفع تنمية بعض فروع الإنتاج الجديدة والاستفادة بذلك في إنعاش فروع الإنتاج الموجودة بالفعل.