بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
الدنيا كبستان كبير يحوي الكثير من الثمار منه ما هو طيب يهنأ المرء بجمال منظره ويستمتع بلذة طعمه ويستفيد جسمه مما يحويه عناصر غذائية ذات قيمة عالية تمده بالصحة والعافية
ومنه ما هو فاسد يتقزز المرء من النظر إلى شكله ويغص من مرارة طعمه ويعتل جسمه مما يحويه من عناصر سامة قد تتسبب في هلاكه
والإنسان مخير بين أن يأكل من هذا الطعام أو ذاك
فإن أراد العافية إختار الطيب من الطعام وإن أراد الهلاك إختار الخبيث منه
وهكذا الدنيا فهي تحوي خير الأعمال وتحوي شرها وخيرها يوصل الإنسان للخلود في نعيم الله وشرها يودي به إلى الخلود في عذاب الله
والخيار أوكله الله للإنسان نفسه فهو على نفسه بصيرا فإن أراد البقاء خالدا في نعيمه الدائم فليعمل ما يرضي خالقه وإن أراد الهلاك والسقوط في الهاوية فليعمل ما فيه سخطه
نعم إن الله سبحانه وتعالى قد بين لنا السبيل وهدانا إليه وأبان لنا ما فيه نجاتنا وأوضح ما فيه هلاكنا وذلك بأن أرسل لنا الرسل مبشرين ومنذرين وأمرنا باتباعهم ففي ذلك نجاتنا لأنهم السالكين بنا إلى طريق النجاة من خلال تذكيرنا بالميثاق الذي أخذه الله منا ونحن في ظهور آبائنا من إخلاص العبادة له واجتناب معصيته
ودلونا على السبل التي توصلنا إلى ذلك من خلال الكلمة الطيبة والعمل الصالح والخالص لوجهه الكريم
فإن سرنا على منهاجهم وصلنا إلى نعيم الله وهي بمثابة الصحة والعافية من خلال إختيار الطعام الجيد من ذلك البستان
أما إذا خالفناهم وأطعنا هوانا واتبعنا الغوي الرجيم فإن مصيرنا الهلاك والعياذ بالله ويكون ذلك بمثابة إختيار الفاسد من الطعام والذي سمم أبداننا وأدى بنا إلى الوفاة
أما سمعتم عن ذلك الملك الذي طلب من وزرائه أن يجمع كل واحد منهم ثمارا من بستان القصر ويأتون به إليه بعد ملئ السلال التي معهم
فذهب الثلاثة إلى ذلك البستان
فاختار الأول أفضل الثمار واقتطفها
أما الثاني فاختار كل من الطيب والخبيث واقتطفه
وأما الثالث فاقتطف الرديء منه
وحينما جاءوا إلى الملك أمر بهم إلى السجن حاملين معهم ما أجمعوه من ثمار
وحكم عليهم بالبقاء في السجن لثلاثة أشهر على أن لا يأكلوا إلا ما قطفوه بأيديهم طوال فترة مكوثهم في السجن
فأخذ الأول يأكل من طيب الثمار فلم يصاب بأذى طوال مدة السجن
وأخذ الثاني يأكل خليط من الثمار الجيد والخبيث فأصيب بضعف وسقم
أما الثالث والذي أكل الخبيث من الطعام فلم يتمكن من البقاء في السجن حيث وافته المنية قبل أن يكمل فترة الحكم بسبب ما دخل في جوفه من سموم أودت بحياته
أسأل الله لي ولكم بالتوفيق للعمل الصالح والذي به نخلد في نعيم الله واجتناب طالح الأعمال والتي تودي بنا إلى عذاب الله الخالد والعياذ بالله