عندما تتقبل بثقة حقيقة نفسك على أنك مخطط من الدرجة الأولى ، قائد بأعلى المستويات من الذكاء والفطنة ، مبدع في استغلال الفرص واقتناص الحلول المناسبة ثم تضعك الحياة في الصف الثاني لسبب ما ، فماذا تفعل ؟ هل تظن بأنك قادر على الوصول يوما للمقعد الأول؟ هل تعتقد بأنك قادر على القفز على حواجز الحظ للوصول للصف الأمامي ؟
بالتأكيد لن يكون ذلك صعبا على المثابرين بالإرادة والجهد الصادق ، لكن موضوعنا في هذه المساحة يختلف ، فالباحثون عن المراكز الأمامية صنفان الأول منهما هو ذاك الذي يناضل بشرف لينال مايستحق ، أما الصنف الثاني فهو ووسائله الخبيثة هما موضوع مقالنا اليوم. ولأنني أحب استدراج الأفكار بواقعية حتى تحقق عند القارئ التوازن المطلوب سأسعى للتواصل مع التجارب الحقيقية التي منها استقينا وسائلنا لفهم تلك الفئة وطريقة التعامل معها .
و شخصيات هذه الفئة غالبا يسكنون لسبب أو لآخر في الصفوف الثانية أو الخلفية مدعين الولاء والتفاني بينما هم يمارسون أقوى أنواع القيادة المنحرفة كوسيلة ملوثة للحصول على مساحة في المقدمة . هؤلاء الناس لهم قدرة عجيبة على فهم رؤسائهم أو الطبقة التي يحلمون الصعود إليها . يعرفون كيف يفكرون وماذا ولماذا يخططون . يتابعون حركاتهم ، ويتفقدون أحلامهم ، ولكن ماذا يستفيدون من ذلك كله ؟ هم يستخدمونه بحرفية لتحريك رؤسائهم وهم قابعون في صفوفهم الخلفية برغم هدوئهم ، واصطناعهم التبعية وقبولهم بالوقوف بعيدا عن دائرة الضوء .
تلك الفئة أثرها أقوى من فئة تجاهرك العداء لأنها تتعايش معك يوميا ،تنفث أفكارها وتعطي مقترحاتها دون أن تشعر حتى، لأن الأسلوب الذي تتبعه يبدأ من اللحظة التي يخبرونك فيها بأنهم يفهمون ماتريد. يفتحون أمامك الطرق (التي ليس في الغالب ستكون معبدة سوى بتطلعات شخصية ) ،ينقلون لك أخبار الآخرين من باب الحرص على المصلحة العامة حاملين لواء إحقاق الحق، ثم يصلون بك إلى قراراتهم ولكن بقناعة كاملة منك بحيث تجد نفسك تنطقها وتمارسها وكأنها من بنات أفكارك .
هم راضون بالاسم الثاني في قائمة الخيارات بينما هم في الحقيقة يتصدرون المقدمة لأنهم بأفكارهم اللصيقة بطموحاتك وأحلامك يغتالون مكانتك ، ويحصلون بالكامل على مايريدون منك .فرائسهم عادة تكون شخصيات حظيت بالمكانة دون جهد أو ترقت رغم توقعاتهم وهو الإحساس الذي يتعاظم معه الشعور بالظلم لديهم ويرون أن حق الدفاع عن حقوقهم يبرر وسائلهم في الخداع والاحتيال.
لكن .... على من نريد أن نعلق الجرس هنا ؟ هم أم أنت ؟ خذ برهة وضع في احتمالاتك بأن مشاركة اللوم تخفف الإحساس بالغبن . فهؤلاء الأشخاص مبعثرون في حياتنا هنا وهناك وقد تمضي سنوات طويلة دون أن نشعر بسمومهم في حياتنا، ليس لأننا ساذجون (وإن كان هذا واردا أحيانا في البعض ) بل لأن هؤلاء لديهم مهارات عالية في التشكل الإيهامي الذي يرضيك، فهم يشترون اهتمامك بالقليل من الأمور التي يعرفون أنها تسعدك . رغم ذلك سيأتي اليوم الذي ستجف تلك القشور وتسقط ، الفرق هو في أن تجعل قدوم ذلك اليوم أقرب .
وهنا.... من الفطنة أن نتعلم الإنصات وقراءة ما نسمع بذكائنا وإحساسنا وهي قاعدة عامة نستخدمها في التعامل مع الجميع ومنها نسارع في منطقة نصائحهم وعباراتهم، فإن وافق مايقولونه حسا من الواقعية والترابط الفعلي مع أهدافك وليس مع (أطماعك) فاعلم أن ماتسمعه حقيقي ، وتذكر بأن توافق ماتتلقاه مع أطماع شخصية يعني أنك أيضا تستحق هذا الاستغلال منهم . وبقدر ماتكون شفافا مع ذاتك قادرا على جرحها بالصدق رغم صعوبته ستنكشف أمامك وجوه يظنها الكثير من حولك شريفة
عمق ثقافتك ، وسعة علمك واطلاعك ، وقدرتك على تحليل الأمور والتخطيط للنجاح ، والوعي برسالتك في الحياة ... كلها تجعل ثقتك بذاتك واحترامك لقناعاتك في مأمن من أي فيروسات يحاول إصابتك بها هؤلاء الوصوليون .
ورغم أننا نعلم بأنه سيأتي اليوم الذي ستنحسر فيه أطماع تلك الفئة وتظهر جلودهم الحقيقية ، إلا أن ذلك ربما يأتي في وقت لاينفع فيه الندم أو الرجوع إلى الوراء ، فاجعل من قصص الآخرين لك عبرة ومن قدرتك على تحسس مواطن الأذى فطنة