.
مع اقتراب السنة الجديدة، نتحسس ذاكرتنا، كما يتحسس المقاتل جسده بعد معركة طويلة وضارية ! لكم نشعر بالذهول ونحن نهمس بيننا وبين أنفسنا أننا على قيد الحياة، على عتبة أيام من معركة سنة جديدة وضارية أخرى ! سنة ستمضي حاملة معها أشياء ارتبطنا بها أو ارتبطت بنا أو معنا.. سننظر خلفنا إلى ما يشبهنا، ونتذكر أننا لن نمشي كاملي الخطى، ولا كاملي الأمل.. سنمشي بحزن أعمق، وبإحساس أكبر من الغموض إزاء الغد، ليس لأننا أقل تفاؤلا مما كنا عليه، بل لأن العالم أصبح أصغر مما كنا نظن، وأقل جمالا مما كنا نتوق، وأنه صار يربطنا إلى تفاصيله كما يربط الشخص عنقه بربطة ضيقة ! سننظر خلفنا، لنتذكر أننا فقدنا أشخاص نحبهم، وأن الحياة لن تكون أجمل في أعيننا دونهم، مثلما سنتذكر لحظات صعبة عشناها نتوق إلى يد دافئة تمتد إلينا من صخب الجهات، ومن عتمة المكان الخال من الأحباب ومن الفرح الأبيض ! ستذكرنا السنة الجديدة أن علينا أن نقف بكامل ما تبقى من كرامتنا، ومن وعينا، ومن قدرتنا على الوقوف للنظر إلى خارطة العمر، وخارطة الوطن، وخارطة الأصدقاء، وخارطة القلب، فأمام الصدمات، نتساءل عن جدوى الأسئلة التي تُنبت الاحتمالات في عشب الماء، كطحالب الحافات..
كل عام وأنتم بخير، رغم كل الخسائر الكبيرة (أو الصغيرة) في قلوبنا أو في أوطاننا أو في وجودنا.. كل عام وأنتم بأمل أكبر وأجمل، فلربما سنستيقظ ذات صباح لنجد أنفسنا في واقع أفضل، ليس لأننا لن نساهم في تغييره فنأمل، بل لأن الذين يجلسون على "رقبته ورقابنا" هم الذين نتمنى ألا يتواجدوا حين نستيقظ ذات يوم، ليتسنى لنا ـ وقتها المشي ـ إلى ضفاف الآخرين، برغبة حقيقية على فعل شيء نطلق عليه أسماء نحبها، وليس أسماء تفرضها علينا البيئة أحيانا، والظروف أحيانا أخرى ! وقتها سيكون لكل منا اسمه المختلف، لأنه سيكون أجمل في وجهه، وفي قلبه وفي صوته.. وفي أحلامه !
كل عام وأنتم بخير !
.