في يوم انتصار إرادة الشعب .. انتصار ثورة
الجياع , أهدي كلماتي هذه إلى كل شاب وأم وأب تونسي وإلى كل الشرفاء في أمتي
العربية أينما كانوا .
الحريق ما بين القدر والخيار
حنظلة من بلد المليار شهيد وشهيد
مهداة إلى الشهيد الذي سيبقى فينا ما دامت
ثورة تشعل براكينها
الحريق هو الحريق سواءً كان خياراً أم
قدراً , وهنا ثمة ثلاثة أمثلة تحضرني الساعة , محمد التونسي وعبد الرحمن الجزائري
في رواية شرفات على بحر الشمال لواسيني الأعرج , وعبد الرحيم السوري , لقد وحدهم
الحريق وفرقتهم المعاناة .
فحين اتخذ محمد قراره بأن يكون شعلة أولى
على عتبات ثورة الجياع , وشهيداً أولاً في قافلة طويلة .. طويلة , لم يكن يملك إلا
هذا الخيار وقد سدت عليه أبواب العيش والحياة , وضاقت عليه السبل فلم يجد سوى باب
الموت مشرعاً , لكنه كان يبحث عن موت ستسطره كتب التاريخ .. موت يصفع عيون العالم
أجمع ويجعلها تفيق من جديد على حجم المعاناة والفقر .
فيما كان خيار عبد الرحمن لا يقل عنه
يأساً حين أختار الحريق خلاصاً من الفقر والمنفي , فمات ليدفن في مقبرة المنسين ,
حيث الغريب يظل يحمل رواسب أحلامه الطفولية وألف جرح لن تعني سواه .
وعبد الرحيم السوري ابن بلدة كنصفرة الذي
أختاره الحريق قدراً ولم يتخذه خياراً , ليموت في بلاد عربية أخرى لم تكن تحنو على
الغرباء كثيراً .
فإن كان لنا أن نوجد قاسماً مشتركاً بينهم
, فهو الفقر العنوان الأبرز لكل ثورات التاريخ , وهل على شباب الأمة أن يعانوا هذا
الجحيم كي يجدوا في النار سلوى وخلاصاً لهم مما هم فيه ؟؟؟!!!
وفي كل حريق ثمة صرخة ترحل إلى أعالي
السماء , لتخبرنا أن زمن الصمت والذل قد ولى إلى غير رجعة .
ثورة على كل الطغاة الذين قزموا أرواحنا
وأحلامنا , حيث لم يعد الشباب اليوم يبحثون عن الأحلام الكبرى وعن حرية الأوطان ,
بل إن أول ما يبحثون عنه اليوم أن يحرروا أرواحهم من تلكم العبودية , التي لم
تلاحقهم بالوراثة لكنها لاحقتهم مثل لعنة , كي تقتل فيهم أكثر الأماني إشراقاً .
فهل مات محمد وعبد الرحمن وعبد الرحيم أم
أنهم ما ماتوا إلا بمقدار ما نحن عليه من نسيان وألم .. وهل كان محمد وعبد الرحمن
أن يختاروا ذلك الحريق كي يشعلوا تلك الثورة فينا , هي التي خبت منذ قرون وقرون
؟؟؟؟!!!!
ومن بين كل هذا عم كانوا يبحثون حقاًً .. عن
الإنسان الذي مات فينا .. أم عن قانون واحد يصيرهم بشراً وليسوا وحوشاً في كل
الكتب يرجمون ؟؟؟!!!
وعلى أية الأماني أغمض محمد عينيه قبل أن
يأخذه ذلك الحريق .. وعلى أية الجراح استفاق الصراخ في روح عبد الرحمن .. وعلى أية
الأوطان أطبق عبد الرحيم جفنيه وهو يرحل
نحو الغياب ؟؟؟!!!
وأي قانون يحكم أشواقنا وأحلامنا
وإنسانيتنا كي نغلق على محمد وعبد الرحمن أبواب السماء بعد أن سددنا أمامهم منافذ
الحياة ؟؟؟!!! وأن نمضي بعدها كي نتقاسم مع من قتل كل تلك الأفراح الطفولية في
قلوبهم , مائدة عامرة بكل شيء ما عدا الشرف الكرامة .
على أيها تزايدون يا شيوخ السلاطين ..
أعلى رماد محمد وعبد الرحمن .. وعلى رماد كل من مات وهو يحلم بكسرة خبز في زمن
اغتيال الأحلام هذا ؟؟؟!!!
أقول : أليس من حقنا أن نحرر السماء
والدين من فقهاء السلاطين , الذين كان لهم الدور الأبرز في كل هذا الذل والضياع
بما كانوا يبثونه من أفيون في عقول شباب الأمة , وأنهم بدلاً من أن يكونوا مشاعل
نور نهتدي بها كل حين , كانوا يقتلون تلك الثورة والشعلة في قلوبنا , كي لا نرى
أصناماً سوى أسيادهم .
أليس في هذا العالم فقهي واحد يعنيه جرحي
وجراح أمتي , كي لا يموت محمد وعبد الرحمن وعبد الرحيم مرات ومرات ؟؟؟!!!
فإن كان الدين لله من قبل ومن بعد فلماذا
أرى الرأسمالية المتوحشة أنشبت مخالبها في إسلامي وقرآني .. لتصيره وكالة حصرية
لسلطان وحاشيته ؟؟؟!!!
اليوم يموت محمد من أجل كسرة خبز وقليل من
كرامة صارت عنه بعيدة , وعلينا أن نعاهد ذلك الرماد الذي لازال يشتعل حتى وهو في
قبره و على أن نكون أمينين على كل هذا الطهر والتعالي ونحن نقول : كن إمامنا يا
محمد .. كن قائدنا وشهيدنا .. كن شعلة في قلوبنا كي نرى في عينيك وطناً لا يباع أو
يشرى .. وطناً بحجم ذلك الحريق فيك وفينا .. كن إمامنا في زمن عز فيه الأئمة
والأماني الكبار .. الكبار ولنبايع رمادك على بقايا ذلك الحريق , وإلى أن ينتصر
الحق فينا والإنسان , سنظل نبايعك شهيداً وإماماً كي نعود بأوطاننا وديننا ونحررهم
من أصنام ما هم إلا عبيد .. عبيد .
كتائب الفتح المبين