يوميات سائق ( العجل الشارد )
رن هاتفي المحمول مبكرا على غير العادة .. لم يسعفني نظري للتعرف على شخصية المتصل .. ضغطت على OK ووضعت السماعة على أذني فإذا بنبرة حادة تقول : أبو عمار بسرعة بالله عليك تجيني حالا ... تذكرت هذا صوت المعلم / حمادة الجزار يستحلفني الحضور بالسيارة فورا لأخذ العجل إلى السلخانة .. كالعادة .. يذبح العجل ثم نقوم بتوزيعه على محلين أو ثلاث .. ولكن نبرة حمادة اليوم على غير العادة .. وموعده أيضا لم يكن طبيعيا .. أي سلخانة هذه التي تفتح أبوابها قبيل الفجر ؟؟؟ أحسست أن في الموضوع ( إن ) .
وبسرعة نزلت من بيتي وأدرت محرك سيارتي ( الدبابة ) ومالبث المحرك أن يسخن إلا .. رنة أخرى على المحمول .. فينك يابو عمار ؟؟ قلت في الطريق ... قال : بسرعة الله يهديك . قلت في نفسي لعل العجل مصاب أو به أذى يريد أن يلحقه بالسكين مثلا .. صبرت نفسي حتى وصلت إلى زريبة المعلم / حمادة . فإذا هو وأخواه يمسكون بالعجل – ماشاء الله تبارك الله – عجل جاموس على غير العادة أيضا ..
وضعنا العجل في صندوق السيارة ورأيتهم يزيدون من سلبه ويحكمون قبضتهم عليه وركبوا جميعا مع العجل في الصندوق .. أحسست بأن هناك مشكلة .. إلى الآن لم أتداركها .. لو ركب حمادة بجواري لعرفت ما المشكلة .. ولكن وصلنا إلى السلخانة بسرعة .. كانوا قد اتصلوا على الغفير ليفتح لهم في هذا الوقت المبكر .. كان النهار قد بزغ ولكن لم يكن وقت المسلخ قد أزف ..
فتحنا للعجل كي ينزل من السيارة .. تفضل أيها العجل السمين إلى مثواك الأخير فقفز العجل قفزة ويمسك به أربعة رجال ولم يتملكوا منه ... فانفلت الزمام .. امسك ... اقفل الباب ... أوقفوا العجل ... حاسب ليخرج برة ... هنا أدركت مشكلة السيد / العجل ... فعلا هرب العجل .
صيحات تعالت .. الحق يابوعمار - بالسيارة وراء العجل الشارد - الطريق وعرة الحفريات في كل مكان .. تعاطف معنا أناس بالطريق فقفزوا على السيارة ورحنا نصارع القدر ... نركض بالسيارة وحمادة وأخواه على أرجلهم وراء العجل ولحق بنا اثنان من جزاري المسلخ امتطوا السيارة .. نتابع العجل عن بعد .. وفجاة يدخل العجل إلى أحد مستودعات الخشب - الذي مالبث أن يفتح أبوابه – هدأنا وقلنا : الحمد لله ... ولكن .
دخلنا إلى المستودع وأغلقنا أبوابه وبدأت جولة جديدة من أكبر وأشرس مباريات مصارعة الثيران يمكن لك أن تتخيلها .
قالوا : اتركوا العجل يهدأ .. وجاء الأمر بالاقتراب من الأسد ( أقصد العجل ) بحكمة وتريث ... اقتربنا وكلهم فوق السيارة يمسك أحدهم بحبل عملوا في مقدمته حلقة يريدون لفها على رقبة العجل ليمسكوه وبعد حوالي نصف الساعة بين لف ودوران حول رصات الخشب المرتفعة وراء العجل الهارب . اقتربت منه بسيارتي فأطاح بالرفرف الأيسر من هول الصدمة ولفة اخري من اليمين طارت على إثرها المرآة اليمنى ... رموا الحبل على رقبته وأمسكوه .
سبعة من الرجال يمسكون العجل .. يحاولون رفعه إلى صندوق الدبابة .. فأبى العجل ألا يركب معنا .. وفي غفلة من الأبطال السبعة شرد العجل مرة أخرى والحبل في رقبته طويل وبه عقدة شبكت في رصات الخشب الشاهقة فتوقف .. قالوا : عرقبوه .. فإذا بحمادة يخرج سكينه وينقض على قدميه فيضربه فى ركبتيه فيقطع قدميه الأماميتين .. هنا فقط ... خار العجل و سقط أرضا ... هللنا وقلنا : الله أكبر .. الله أكبر .. تذكرت حينها انتصاراتنا في حرب اكتوبر .
اطمأن الحضور .. ولكن مازال ينتابني شيئ من الخوف .. لم أكن مطمئنا كالباقين .. قلت في نفسي : آخر مرة ياحمادة .. هو العمر بعزقة ؟؟ واللا إيه ؟؟
وفي محاولات لرفع العجل على السيارة باءت بالفشل .. عثرت قدمي بحجر على الأرض فوقعت أمام العجل .. وإذا بالعجل يرفع نفسه على ركبتيه المقطوعتين وينقض علي بقرونه فيصيبني في ظهري بكدمة قوية .. تمالكت نفسي حتى نهضت وأقسمت ألا أحمل على سيارتي ( معزة ) بعد اليوم ..
استعانوا باللودر الذي يرفعون به الأخشاب لرفع العجل الكسير على السيارة . أوصلتهم إلى المسلخ وما انتظرت إكمال المهمة المعتادة في الذبح والتوزيع وقلت لهم : سلاااااام يا صاحبي .
فكر وحبر / ياسر سنجر