اقتضت حكمة الله أنه ما ارتفع شيء مِن الدنيا إلاَّ وضعه الله
قال مَن لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم : حقٌّ على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلاَّ وَضَعَه . رواه البخاري .
واقتضت حكمته أنَ مَن اعتزّ بِغير الله ذلّ .
روى الإمام أحمد في " الزهد " من طريق عن جبير بن نفير قال : لَمَّا فُتحت قبرص وفُرِّق بين أهلها ، فبكى بعضهم إلى بعض ، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي فقلت : يا أبا الدرداء ما يُبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله ؟ قال : ويحك يا جبير ! ما أهون الخلق على الله إذا هُم تركوا أمره ، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمْر الله عز وجل فصاروا إلى ما ترى .
وقال جعفر بن محمد : مَن أخْرَجَه الله مِن ذُلّ الْمَعْصِية إلى عِزّ التَّقْوى أغْنَاه الله بِلا مَال ، وأعَزّه بلا عَشِيرَة ، وآنَسَه بلا أنِيس .
وقال يحيى بن أبي كَثير : كَان يُقَال : مَا أكْرَم العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل طَاعَة الله ، ولا أهَانَ العِبَاد أنْفُسَهم بِمِثْل مَعْصِيَة الله .
وقال الحسن البصري : أبَى الله عَزَّ وَجَلَّ إلاَّ أن يُذِلّ مَن عَصَاه .
قال القرطبي : فَمَن طَلَب العِزَّة مِن الله وصَدَقَه في طَلَبها بافْتِقَار وذُلّ وسُكُون وخُضُوع وَجَدَها عِنْده - إن شاء الله - غير مَمْنُوعَة ولا مَحْجُوبَة عنه . قال صلى الله عليه وسلم : مَن تَواضع لله رَفَعه الله . ومَن طَلبها مِن غَيره وَكَلَه إلى مَن طَلَبها عِنده . وقد ذَكَرَ قَومًا طَلَبُوا العِزَّة عند مَن سِواه ، فقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، فأنْبَأك صَرِيحا لا إشْكَال فيه أنَّ العِزَّة له يُعِزّ بِها مَن يَشاء ، ويُذِلّ مَن يَشاء .