تتركز كل طاقة التفكير علي سن القلم -بالطبع يمكن أن نستبدل الآن سن القلم بلوحة المفاتيح أو فأرة الحاسوب، لكن الحديث عن سن القلم أكثر رومانسية في تقديري.. أليس كذلك؟- وطاقة التفكير هذه التي تتركز في سن القلم تعبر عنها الكلمات، فالحروف تنقل فكرة، والورق هو حامل ووسيط، أما القلم فسيظل دوما ملك الكاتب وصاحبه المقرب، وعليه أن يعرف كيف يستخدمه.
ولا شك أن أي كاتب يمر بلحظات خمول، فالقلم الذي يستمر في العمل دون توقف قد ينتهي به الحال لأن يكتب دون أن يعرف غايته أو هدفه، لذا فمن الأفضل أن يرتاح بين الحين والآخر، ليمهل الكاتب الوقت ليستريح ويجدد أفكاره ويقابل الآخرين ويعايش الحياة، وحين يعود الكاتب بعدها للكتابة فسيجد قلما جزلا قويا.
لكن القلم لا يملك ضميرا، بل هو امتداد ليد الكاتب، ورغباته، والأقلام قد تستخدم لرسم الأحلام، وتوثيق الأخبار، وتزيين كلمات الحب، وقد تستخدم للنيل من السمعة وإيذاء الآخرين، لذا فمن المهم الوضوح في النية من الكتابة لدى الكاتب.
حين يخط الكاتب كلماته فإن اليد التي تمسك بالقلم تشد كل عضلات الجسد، وتبلور كل نوازع النفس، وعبر الكتابة يعكس الكاتب مشاعره التي يتقاسمها مع القراء.
اليد ليست فقط جزءا من الذراع، بل هي معبر للفكر والذات، لذلك فينبغي أن يمسك الكاتب قلمه بنفس الحرفية والحساسية التي يمسك بها عازف الكمان آلته.
هذا عن القلم واليد، فماذا عن الكلمات؟
الكلمة هي التجلي الواضح لحاجة الإنسان لمشاركة ذاته مع الآخرين، سواء الكلمة المكتوبة أو المنطوقة. وقد قال "ويليام بليك":ما نكتبه هو ثمرة الذاكرة أو استطلاع المجهول.
لذا فأنا أقترح على من يكتب أن يحترم المجهول وأن يبحث في مساحاته عن مصدر إلهام، فالمعلومات والقصص لا تتغير لكن حين نفتح نافذة علي الخيال ونترك المجهول يحرك الخيال فإن صياغة الخبرة الإنسانية عبر الكتابة تكون أكثر ثراء.
إن كل كلمة يخطها الكاتب تترك أثرا في القلب، ومجموع هذه الآثار هي التي تمنح الروح والمعني لما نقرأ من كلمات وأسطر وكتابات.
والكلمات مرنة مثل سن القلم، وهي حين تكون لصيقة بروح الكاتب تفهم إشارات طريق الكتابة، والعبارات لا تتردد في تغيير اتجاهها حين تلمح فرصة أفضل فتنساب في مقصد آخر، فالكلمات لها نفس خاصية المياة، فهي تدور حول الصخور وتتكيف مع طبيعة قاع النهر، وقد تملأ الفراغات حتي تمتليء ثم تستكمل رحلتها.
وحين يكتب القلم بمداد الإحساس الرقراق وبطاقة الروح النابضة فإن الكلمات تبحر في محيط النص حتي تستقر علي مرفأ المعنى.