مقدمة :
يعتبر الرهاب الاجتماعي من الاضطرابات النفسية الشائعة والمنتشرة في بلادنا .. وتصل نسبة انتشاره في الدراسات الغربية إلى 13% من السكان . وهناك عدد من المصطلحات التي تصف هذا الاضطراب ومنها : الخُواف الاجتماعي ، الخوف الاجتماعي ، القلق الاجتماعي ، الخجل ، الارتباك في المواقف الاجتماعية وغير ذلك ..( وليس له علاقة بالحياء لأن الحياء هو خلق قويم يعني الابتعاد عن الفحش في القول والعمل ) .
وهو معروف منذ القدم .. وتروي القصص التاريخية أن شخصاً حكيماً كان يتلعثم في الكلام أمام الآخرين وصار يذهب إلى شاطئ البحر وحيداً ويمارس الخطابة بصوت عال وبعد هذا التدريب المستمر أصبح من أشهر خطباء اليونان .
وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام " رب إشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي " سورة طه .
وفي الأمثال العربية : " لكل داخل دهشة " أي عندما يدخل الإنسان على مجموعة من الأشخاص تحدث له دهشة وارتباك ، " إذا خفتَ لاتقل ، وإذا قلتَ لاتخف " وفي ذلك حض على الشجاعة والسيطرة على الخوف .
والحقيقة أن " قليل من الخوف لابأس فيه " لأنه يساعد الإنسان على الاستعداد المناسب عند لقاء الآخرين .. والمشكلة تكمن في زيادة الخوف وتعطيله للشخص .
والخوف من الغرباء يبدأ مع الطفل منذ الشهر السادس من العمر .. وذلك أمر فطري وغريزي ويتعلم الطفل مع نموه كيف يفهم الآخرين ونواياهم وكيف يقرؤهم بشكل صحيح فهو يطمئن لهذا وينزعج من ذاك أو يخاف منه .. ومما لاشك فيه أن التجارب السلبية التي يعيشها الإنسان من خلال تفاعله مع الآخرين يمكن لها أن تزيد من الخوف منهم ، إضافة إلى الحساسية المفرطة في تكوينه والتي تساهم في تكوينه لنظرات سلبية عن نفسه وعن الآخرين .
أعراض الرهاب الاجتماعي :
ويمكن تبسيطها بالشكل التالي :
أعراض القلق الجسمية والنفسية + مخاوف من تقييم الآخرين السلبي للشخص أو لسلوكه + تجنب المواقف = الرهاب الاجتماعي
وأما أعراض القلق الجسمية والنفسية فهي مثلاً : ازدياد دقات القلب ، ازدياد سرعة التنفس وسطحيته ، التعرق ، الرجفة في اليدين أو الرجلين أو الجسم كله ، احمرار الوجه ( أو اصفراره في حال البشرة السمراء ) ، جفاف الحلق ، الدوخة ، نقص التركيز ، النسيان .. وغير ذلك .
وأما المخاوف فهي من التقييم السلبي للآخرين للشخص وقدراته وشكله أو لسلوكه وأدائه وأعراض القلق التي تبدو عليه . وبالنسبة لتجنب المواقف الاجتماعية المخيفة فإن الشخص يحاول التهرب من حضور حفلة او اجتماع بمختلف الأعذار ، أو أنه يذهب إلى الموقف بصعوبة كبيرة وتوتر وهو ينتهز الفرصة للانسحاب من الموقف بالسرعة الممكنة .
ويتم تشخيص هذا الاضطراب عند شخص معين في حال :
- وجود الخوف المستمر لديه من واحد أو أكثر من المواقف الاجتماعية التي يمكن له أن يتعرض إلى احتمال تفحص الآخرين له وهو يخاف أن يظهر أو يتصرف بطريقة يمكن أن تؤدي إلى إهانته أو التقليل من شأنه .
- التعرض للموقف المثير للخوف يحدث رد فعل فوري يتميز بالقلق والخوف .
- يحدث تجنب للموقف المخيف أو يتم احتماله بقلق وتوتر شديدين .
- التجنب والسلوك الهروبي واستباق الخوف من الموقف يتدخل سلبياً في الأداء المهني للشخص أو نشاطه الاجتماعي أو أنه يسبب له انزعاجاً شديداً .
- في حالات الأشخاص تحت سن 18 عاماً يجب أن يستمر الخوف لمدة ستة أشهر على الأقل .
- يشخص الاضطراب على أنه متعمم إذا كان يشمل معظم المواقف الاجتماعية ويمكن هنا إضافة تشخيص الشخصية الاجتنابية القلقة إلى التشخيص ، ويشخص على أنه جزئي أو محدد إذا كان الخوف من موقف معين فقط .
أمثلة المواقف الاجتماعية :
- التمثيل أو أداء عمل أو إلقاء كلمة أمام جمهور .
- التحدث بصوت مسموع أثناء الاجتماع والمناقشة والأسئلة .
- الذهاب إلى الحفلات .
- إقامة الحفلات ودعوة الآخرين .
- التحدث مع مسؤول أو مدير .
- إعادة بضاعة اشتريتها إلى المحل .
- الطعام والشراب في أماكن عامة .
- استعمال المراحيض العامة .
- الحديث مع الجنس الآخر .
- الحديث على الهاتف أمام الآخرين .
- الصلاة الجهرية وغير ذلك ..
العلاج :
* العلاج الدوائي : - مضادات السيروتينين الحديثة SSRIs : وهي العلاج الأساسي للرهاب الاجتماعي ومنها باروكسيتين Seroxat ، فلوكستين Prozac ، إيسيتالوبرام Cipralex ، سيرترالين Zoloft وغيرها .. وهي تعطى بجرعات خفيفة أولاً ثم ترفع الجرعة وفقاً للطبيب المعالج .
- المهدئات من زمرة بنزوديازيبام Rivotril,Lexotanil : ويمكن إعطاؤها قبل المواقف المزعجة بساعة أو انها تستعمل لفترات قصيرة يومياً ( أسابيع ) ثم عند اللزوم قبل المواقف .
- صادات بيتا Inderal : وهي تفيد في تخفيف الرجفة وضربات القلب وتستعمل قبل المواقف المزعجة بنصف ساعة إلى ساعة ، ولاتعطى في حالات الربو الصدري أو اضطرابات نظم القلب ( الحصار القلبي ) .
- أدوية أخرى ...
* العلاج السلوكي والمعرفي وتنمية المهارات الاجتماعية : مثل المواجهة التدريجية للمواقف ، التدريب على الاسترخاء والتحكم بالتنفس ، تمثيل الدور ، الإيحاء الذاتي ، تعديل أفكار المريض عن نفسه والآخرين ، تثقيف اللسان ، ملاحظة الآخرين والتعلم منهم .
* العلاج التحليلي : والتبصر الذاتي بالصراعات المرتبطة بالذنب والتنافس والنقص والاعتمادية .
* العلاج الانتقائي أو التكاملي : وهو يعتمد على عدة محاور مما سبق ذكره تطبق بشكل انتقائي وفقاً لحالة المريض وظروفه .