قصة حجاب امة الله
د. نبيل السعدون *
أثار اهتمامي خبر الفتاة الصغيرة التي طردتها أكاديمية بن فرانكلين في مدينة ماسكوجي بولاية أوكلاهوما – في أوائل شهر أكتوبر الماضي – بسبب إصرارها على ارتدائها الحجاب خلال ساعات الدوام المدرسي، فقررت زيارتها في مدينتها مع أولادي خلال عطلة نهاية الأسبوع نيابة عن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير).
وجدت أسرتها تقيم في بيت متواضع وفي حي فقير في المدينة حيث استقبلتنا الأسرة بالترحاب، وكان أكبر همي أن أرى تلك الفتاة الشجاعة التي هزت الأوساط التربوية والإعلامية في أمريكا وتناقلت أخبارها وكالات الأنباء الأمريكية والعالمية.
سلمت "أمة الله" علينا، وهذا اسمها الإسلامي، وحيانا والدها وشكرنا على الزيارة لمؤازرته وأسرته حيث يشعر بالوحدة بسبب خلو المدينة الصغيرة من المسلمين تقريباً، كما أن أمة الله هي الطالبة الوحيدة المسلمة في المدرسة.
سألتها لماذا يريدون إجبارك على خلع الحجاب ؟ فقالت ببساطة وبراءة الطفل: "لأنهم لا يريدون لديني الإسلامي أن يكون له وجود في المدرسة". ثم حدثني والدها فقال إن الأمر بدأ في 11 سبتمبر الماضي حيث قالت معلمة أمة الله بأنها لا تستطيع أن تأتي إلى الأكاديمية مرتدية الحجاب لأن قوانين المنطقة التعليمية تقضي بمنع غطاء الرأس من أي نوع خلال اليوم الدراسي، وأكد على ذلك مدير المدرسة ثم تبنى الموقف أيضاً مدير المنطقة التعليمية.
وتحدثنا عن عدم منطقية هذا القرار حيث أن القوانين الأمريكية تجيز حرية التعبير وحرية ممارسة الاعتقادات الدينية كما هو مفروض وبخاصة في ولاية أوكلاهوما حيث أنها واحدة من إثنى عشرة ولاية تبنت قوانين إضافية محلية تؤكد على حرية ممارسة الاعتقادات الدينية والتعبير عنها.
وكنت قد تحاورت مع إبراهيم هوبر المدير الإعلامي لكير حيث نتابع تطورات هذه القضية فقال: "كنا في الماضي ننجح في حل مشكلة من هذا النوع بمجرد مكالمة هاتفية، أما بعد أحداث سبتمبر 2001 أصبح الأمر أكثر صعوبة وتعقيداً".
وعلى كل حال وبتوفيق الله وبعد حملة ضغط إعلامي وجماهيري دعت إليها كير وشارك فيها مئات المسلمين والعرب وإنضمت إليها مؤسسات حقوقية أمريكية أخرى تراجعت إدارة المنطقة التعليمية في منتصف شهر أكتوبر عن موقفها جزئياً وسمحت لأمة الله أن تعود للمدرسة مرتدية حجابها لحين إتمام الجهاز القانوني لدى المنطقة التعليمية في ماسكوجي مراجعة نظمها وقوانينها ومحاولة استيعاب حجاب أمة الله دون مخالفة للقوانين المرعية لديهم.
وفي حالة تراجع المنطقة التعليمية وتضييقها على أمة الله مرة أخرى فإن كير وربما مؤسسات حقوقية أمريكية أخرى يدرسون إمكانية رفع دعوى قضائية ضد المنطقة التعليمية في ماسكوجي وذلك للدفاع عن حق أمة الله وحقوق الملايين من المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب في المدارس الأمريكية على مدى السنوات والأجيال القادمة.
سار بنا الحديث إلى الطريقة التي تعرف بها إيفون هيرن، والد الفتاة على الإسلام، فقال كان هذا في عام 2000 حيث وقعت في يدي نسخة من القرآن الكريم فشدني هذا الكتاب وقرأت فيه كثيراً حتى أسلمت، ثم بدأت بتعليم أسرتي الإسلام فأسلمت أمة الله رغم أنها أصغر أولادي الثلاثة وأتمنى أن يشرح الله صدر زوجتي وأولادي الآخرين لهذا الدين قريباً إن شاء الله فإنهم ما زالوا مترددين في أن يعتنقوا الإسلام.
أما أمة الله فقال إنها شديدة الحرص على تعلم القرآن ومباديء الإسلام العظيم وأنا مسرور لمدى حبها والتزامها بهذا الدين، وقال إنها هي التي اختارت اسمها الإسلامي "امة الله " حيث وجدته في أحد المواقع خلال بحثها في الشبكة المعلوماتية.
غادرنا منزل العائلة وكلنا احترام وإكبار لموقف الفتاة الشجاع وثباتها على المبدأ العظيم الذي تؤمن به. وخلال الأيام التالية توجهت المراكز والمؤسسات المسلمة في أوكلاهوما وتكساس بدعوات للأسرة لحضور مناسبات تم خلالها تكريم أمة الله وتشجيعها على الثبات على موقفها.
ومع حلول شهر رمضان المبارك اتصلت هاتفياً بالأسرة لتهنئتها بحلول الشهر الكريم ففاجأني والد أمة الله بأن زوجته وابنه الأكبر قد أسلما والحمد لله وهو يأمل في أن تحذو بنته الكبرى حذوهما ويصبح جميع أفراد هذه الأسرة مسلمون، وقال إن زوجته أصرت على أن ترتدي الحجاب فور إسلامها لأنها تريد أن تلتزم بما يأمرها به الإسلام وتبدأ طريق الإسلام بداية صحيحة أي بالطاعة التامة.
هذا الخبر أثار في نفسي مشاعر فياضة غامرة واحتراماً عظيماً لهذه الفتاة المسلمة الملهمة وأسرتها التي أرسلت من خلال موقفها عدة رسائل وفي عدة اتجاهات.
أولها للمسلمين جميعاً أن المسلم الحق يثبت على مبدأه ويكون رائدا في رفع شعارات الإيمان والعفة، وهو يؤثر إيجابياً على الغير ولا يتأثر سلبياً بهم ولو كان وحيدا، وأن الثبات على المبدأ الصحيح يؤدي بعون الله إلى ترسيخ الحق في واقع الناس. ورسالة للشباب المسلم أن عليهم ألا ينجرفوا وراء المظاهر وأن يتجنبوا التقليد الطائش والأعمى وأن يلتزموا بجوهر طاهر ومظهر عفيف كما أمر الدين الحنيف.
وثالث هذه الرسائل للآباء والأمهات أن يكون هدفهم في الحياة أن ينشئوا من نسلهم جيلاً يكون أكبر همه إرضاء الله تعالى والفوز بالجنة لا الانفتان بمظاهر هذه الحياة وزينتها.
ورسالة للمجتمع الأمريكي تنبهه إلى مدى التراجع الذي وصل إليه في مجال الحريات الدينية، إلى حد ضيق بعض أفراده بحجاب فتاة صغيرة وحيدة عرفت كيف تتمسك بقوة وإيجابية بحقها حتى استعادته، ورسائل أخرى عديدة يضيق المجال بذكرها.
* مقال بقلم: د. نبيل السعدون، عضو مجلس إدارة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)
المصدر : اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم