الـبــربـــر أو التـــوارق.. «الملثمـون».. فــرســان
الصحــراء الكـبـــرى .
الحياة في الصحراء ذات مذاق خاص لا يعرفه إلا أهلها.. فتبر الرمال الأصفر
وزمرد السماء الأزرق عندما يتحدان عند خط الأفق لا يميز الناظر أيهما يغرق
في لجة الآخر.. فالموج الرملي علم الإنسان كيف يبحر.. كيف يشعر.. كيف يحب..
كيف يفيض وفاء وحنينا.. وكيف يستخدم حواسه الكامنة في الاهتداء بالنجم..
تتبع الأثر.. تحسس النوايا للتفريق بين صديق وعدو.. فنجد البدوي فارسا لا
يشق له غبار وسيفا على رقبة المعتدي.. ضربه بتار.. شهم في موطن الشهامة..
وعفيف في موطن العفة.. ذلك الفارس على ظهر جواد يطارد ظباء المها.. أو
المرتحل.. من غيداء إلى بطحاء.. موطنه منابع الماء.. حيث ينيخ رحاله..
مرحبا بالضيف في شمم وإباء.. باذلا نفسه في سخاء.. البدوي حينما ارتأى أن
جزيرته العربية.. لم تعد حدودا كافية لمراتع عيره زرع الأرض رحيلا.. عاهدا
على نفسه قطع المهاد والقفار شرقا وغربا فكان.. بلسما وعطرا.. ولمن أراد..
النزال سماً وسعرا.. الفارس العربي وصل إلى بحر الرمال الأفريقي الكبير
ونما في حضنها غرسه المعروف بالبربر أو الطوارق «الملثمين» إلا من أهداب
العين على عكس النساء اللائي في الغالب ما يكن سافرات للوجه، يقدر وجودهم
بأفريقيا بخمسة آلاف سنة حيث كانوا في الساحل الشمالي بدءاً وهيمنوا فيها
على طرق التجارة عبر الصحراء متاجرين بنفائسها من ذهب وعاج وابنوس وملح
وأقاموا دولة إلى الداخل قليلا في النيجر سميت «سلطنة العير» كانت عاصمتهم
في «أغادير» وحينما انتشرت الدعوة الإسلامية وقف علماؤهم المعرفون
بالمرابطين إلى جانب الدين الحق فنشروا تعاليمه الحنيفة في أغوار الصحراء
حتى مشارف الاستواء ثم جاء المستعمر الفرنسي ليسيطر على مناطقهم بعد مقاومة
عنيفة لم تغمض له عين فوجد الطوارق انفسهم مقسمين بين دول الجزائر وليبيا
ومالي والنيجر وتونس وبوركينا فاسو والمغرب. تراجعت أهمية التجارة بعد
تواجد الحدود الحديثة وسن القوانين مما أثر على شكل الحياة الفريد الذي هو
بيت قصيدنا هنا حيث ندعوكم لزيارة خيامهم ضيوفا لفنجان من القهوة المجملة
بالهيل للتعرف على بدو الصحراء الكبرى الزرق أو «البربر الطوارق».. فأهلا
بكم.. هناك اعتقاد خاطئ في العالم العربي وبخاصة تلك الدول التي تقع في
الشمال الأفريقي منه.. أن الطوارق ينسبون للقائد العربي المسلم الشهير
«طارق بن زياد » لكونه من أصول بربرية.. ولكن التسمية يرجح أنها تأتي من
«تماشق» أو «تمازغ» وتعني بلغة البربر «الرجال الأحرار» أما مفردة «طوارق»
فهي تأتي من «تارقة» وهي منطقة فزان بجمهورية ليبيا حيث حط هؤلاء العرب
رحالهم إما في سعيهم وراء ابلهم أولاً ثم انتشروا كدعاة للرسالة الإسلامية
الخالدة. ينحدر هؤلاء من أصول تعود لمنطقة «حميرة» في الجزيرة العربية
وبالتحديد من منطقة اليمن الحالية حيث يظهر هذا جليا في ملامحهم العربية
الجنوبية ومن يميل منهم لسمرة البشرة وسوادها نجده قد تزاوج مع قبائل
أفريقية مسلمة مثل «الهوسا» أو «الماندينغ» أو «الفولاني»، الطوارق محاربون
أشداء وفرسان لا يشق لهم غبار.. وقد لعبوا دورا أساسيا في الفتوحات
الإسلامية وخاصة عندما عبروا مع قائدهم الفذ «طارق بن زياد» البرزخ المائي
الفاصل بين أوروبا وأفريقيا المعروف باسم مضيق جبل طارق كرأس رمح كسر شوكة
جيوش الفرنجة في معركة «الزلقة» في شجاعة نادرة بعد أن أحرق القائد سفنهم
عند الشاطئ مذكرا لهم أن لا مناص من الحرب حيث «البحر وراءكم والعدو
أمامكم» فكانوا أسودا شديدة المراس والنزال..
يجتمع التوارق على تحدث اللهجة «البربرية» التي تأثرت باللهجة «القرشية»
بصورة فاعلة وخاصة أن التوارق اعتنقوا واتبعوا المذهب المالكي.. ويكتب
لغتهم بالحروف «الفينيقية» وتعرف «التفيناق» ويتميز بكتابتها أهل الجنوب
منهم وتعرف اللغة «الأمازيغية» التي تتحدث بها جميع بطون قبائلهم وخاصة
الجنوبية منها.
يقسم المختصون التوارق إلى بدو الصحراء وتتركز غالبيتهم في منطقة «فزان»
وبالتحديد مدينة «غدامس» بليبيا وجنوب الجزائر وتونس.. والقسم الآخر يتمثل
في توارق الساحل المتركزين في مدينة «يلمدن» بمنطقة طاوة بدولة النيجر
ومدينة «تمبكتو »عند منعطف نهر النيجر بدولة مالي، وتمتد أفخاذهم إلى دولة
«موريتانيا» ولكن بصورة قليلة.
يضع التوارق كلمة « كل» وتعني « بنو أو أهل» للتعريف بفروعهم.. التي نجد
أشهرها.. «كل هغار» في منطقة جبال الهقار بالجزائر و«كل آجر وأراغن» في
فزان بليبيا وهؤلاء يعدون من أهم قبائل «بدو الصحراء الداخلية» من
التوارق.. أما بالنسبة «لبدو الساحل» فأهم فروعهم «كل إيترام» و«كل آدرار»
بجمهورية النيجر و«كل الأنصار» و«كل السوق» ويعرفون بالتجار و«كل غزاف»
بجمهورية مالي.
_ ســـــر اللثـــام .
رجل التوارق
دائم اللثام منذ أن يبلغ، حتى وهو يأكل فإنه يرفع لثامه قليلا ويتناول
الطعام من تحته !! ويغالي في ذلك حتى أثناء الوضوء أو التيمم فإنه يلجأ إلى
البعد عن عيون الناس.. واللثام غالبا ما يكون عمامة من القماش الأسود
يلفها حول وجهه بإحكام حتى لا يظهر منه سوى الأهداب.. ولا يضعها حتى حينما
ينام.. وإذا ظهر شيء من ستره فكأنما هو العار بعينه !. والمبالغ في القول
أنه إذا خاض غمار حرب وسقط لثامه لا يعرفه حتى أقرب المقربين له.
الأسطورة التي يرويها التوارق عن توارثهم للثام تقول بأن رجال أكبر قبائلهم
ارتحلوا بعيدا عن مضاربهم يريدون لغرض ما فجاء العدو يطلب خيامهم التي لم
يبق فيها غير النساء والأطفال وكبار السن. فنصح عجوز حكيم النساء أن يرتدين
ملابس الرجال ويتعممن وبأيديهن السلاح فيظن العدو أنه يواجه الرجال حقا..
ففعلن وقبل التحامهن مع العدو ظهر رجال القبيلة ووقع العدو بين رجالها
ونسائها وانكسرت شوكته.. ومنذ ذلك اليوم عهد الرجال على أنفسهم ألا يضعوا
اللثام جانباً.. والبعض يربط بين اللثام.. وبين الخجل لطيب فضائل التوارق..
ولكن التفسير الأقرب للواقع هو أن طبيعة المنطقة الصحراوية المتربة وما
يمر بها من عواصف رملية إضافة إلى زمهرير الشتاء القارس كل ذلك يتطلب وشاحا
يقي العين والجهاز التنفسي ومن الطبيعي أن يكون عمامة اللثام الشهيرة.
_ الحيـــــاة الإجتمـاعيـــة .
في مجتمع
التوارق ذي الملامح البدوية يتمتع الرجل القوي الفراسة بجلد وخبرة بالسفر
في الصحراء مهتديا بالنجوم مدركا لدروبها وعلاماتها بخبرة الدليل المحنك.
يسمى شيخ القبيلة «أمونكل» ومجلس أعيانه ومساعديه «إيمغاد» أما الأفراد
العاديون فيسمون «إيكلان» ويتبعون زعماء القبائل بشكل عفوي وراسخ.يترك
الرجل للمرأة مساحة من الحرية بدون تحفظ في أمور مثل اختيار شريك الحياة
ورعاية شؤون المنزل ومن الغريب إفتخار المرأة بالطلاق وتسمى بعده «أحسيس»
أي الحرة من أي التزام. والحكمة من ذلك أنها بتعدد زواجها وطلاقها تنجب
الكثير من الرجال للقبيلة!! عادة ما تكون مثقفة أكثرمن الرجل وتتدرب على
لغة «التيفينار أو تاماشيك» وكتابتها، فتلك اللغة الفريدة تكتب من اليمين
إلى اليسار ومن أعلى إلى أسفل وبالعكس !!. يتميز الرجل بلباسه الفضفاض الذي
غالبا ما يكون أزرق اللون مطرز الجيب ويتمنطق بخنجر أو سيف يتفنن في تزيين
قوائمه وجرابه.. فتارة أحجار كريمة وأخرى عاج فيل أو قرن كركدن يجلبه عن
طريق المقايضة. الجمال والسعي عليها سر حياة الطوارق وعادة ما تكون موشمة
بوسم قبيلته الخاص حيث يتفنن في صناعة سروجها ولفها بالجلد والسيور وعمل
القوائم الخشبية المريحة لها ويقايضها عند الضرورة مع احتياجاته الأساسية
التي غالبا ما تكون الطحين والقهوة والشاي والمنسوجات القطنية من أسواق في
شمال وجنوب نطاقه الصحراوي
الخلاخيل والأسوار وخواتم الفضة وعقود الخرز والعقيق تعد من الزينة
الأساسية للمرأة التارقية البسيطة، فالفتاة يجدل شعرها لضفائر وتوشح
بالخرز وحلقان على شكل النجمة أو الهلال تتدلى على الأذن وتلبس فستانا
فضفاضا أسود اللون أو ازرق مزركشا بألوان يغلب عليها الأزرق، وإذا ما
تزوجت، وغالبا ما يكون من الأقارب في العشيرة، حق لها أن تلبس الخلاخيل
وبقية الزينة المعروفة للمرأة بشكل عام إضافة إلى لبس الثوب الذي تتميز به
المرأة في الجزائر وموريتانيا والمغرب والسودان الغربي والشمالي رغم خلوه
من الطوارق، المرأة البربرية سيدة منزل من الطراز الأول فهي وعلى سفور
محاسنها تعاضد الرجل المتنقل بين مصادر المياه للمحافظه على إبله فتقوم
بتربية الأطفال وإصلاح الخيام المصنوعة من جلد الماعز والضأن المدبوغ أو
المبنية من الطين الآجر وهي نادرة إلا قرب مناطق المسطحات المائية الدائمة
كما في الواحات وتجمع الحطب للتدفئة، كما تعد مختلف مشتقات الحليب للغذاء
بصورة عامة في شكل معجون ومكبوس مع التمر، تمارس المرأة الحرف الصغيرة بيد
خبير فنان فهي تنسج القش على شكل مراوح وسلال وتصنع السروج والعقال للجمال
وتفتل الحبال للدلو والشادوف اللذين تسحب بهما المياه من الآبار الصحراوية
العميقة، يتم حلق رؤوس أطفال الطوارق بحيث لايبقى إلا عرف في المقدمة ولكل
قبيلة شكل حلاقة معين فبعضهم يترك قرونا على جنبات الرأس أو خطا من الشعر
في وسط الرأس المقدمة إلى نهايتها يسمى «التبيب»، فالحلاقة رغم أنها عادة
متوارثة يمكن تفسيرها كنوع من النظافة الشخصية للطفل حتى لا يمتلئ شعره
برمال الصحراء ويصاب بالأمراض، وعادة ما ينضج الطفل بسرعة ليشب عوده ويقوى
كراعٍ صغير يعتمد عليه.
- المرفقات
- 10532103788246298172100.jpg
- الرجل الملثم
- (31 Ko) عدد مرات التنزيل 529