تعتبر الولاية حديثة النشاة فبدأت أول مظاهر الاستقرار بالمنطقة فى بداية القرن العشرين ورغم أن المنطقة كانت آهلة بالسكان منذ قرون مضت و ترجع أسباب عدم قيام مجتمع حضرى لطبيعة المجتمع التاريخى ، الذي يعيش حياة البداوة والترحال .
تعتبر ولاية تمنراست قلب الاهقار، حيث تعاقبت عليها أجناس متعددة وفى أزمنة تاريخية مختلفة منها :
مرحلة البقريات (6000ق م ، 4000 ق م): وهى تتمثل فى العصر الحجرى الوسيط وكانت اخرها مرحلة الجمال والتى تمتد الى يومنا هذا وتعرف ايضا بمرحلة الإبل التي ترمز إلى حياة الترحال ،فكان التوارق يعيشون هذه الحياة بين مختلف المناطق ، وظلت حياتهم هكذا الى ان اجبرتهم الظروف المعيشية على الاستقرار شيْا فشيْا.
تناولت دراسات عديدة اصل التوارق فاهتم ابن خلدون بدراسة اجداد التوارق فقال انهم صنهاجيين من اصول عربية نزحت من جنوب الجزيرة العربية اذ كتب عنهم قائلا :ل// ان هذا القبيل من اوفر قبائل البربر و هو أكثر أهل المغرب لهذا العهد لا يكاد قطرا من الأقطار يخلو من بطن من بطونهم فى جبل اوسيط حتى لقد زعم كثير من الناس انهم الثلث و اول البربر و ان بلادهم بالصحراء مسيرة ستة أشهر. (1)
ففي عام 1905 عندما جاء القسيس الذى يطلق عليه اسم الاب فوكو و اسمه الكامل //شارل دى فوكو//الى المنطقة و اقام فى برجه كتب فى كتابه قائلا ://لقد اخترت تمنراست لاقامتى و هى قرية تتكون من عشرين خيمة و كوخ فى سفح الجبل وفى قلب الاهقار. (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) عبد الرحمن ابن خلدون ،كتاب العبر وديوان المبتدا والخبرفى ايام العرب والعجم والبربرومن عاصرهم من ذوى السلطان الاكبر ،دار الكتاب اللبنانى للطباعة والنشر،بيروت 1958،ص 315.
(2) محمد السويدى ،بدو التوارق بين التغير و الثيات ،المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر1986 ص
1
تمكن الفرنسيون سنة 1920من الدخول الى المنطقة عبر تغهوهاوت على بعد 70كلم شرق مدينة تمنراست حيث انشا اول جهاز ادارى بها ،واتخذ برج لابرين مقرا له الذى بنى سنة 1919 وانشات بلدية الاهالى ومن هنا نجد ان مدينة تمنراست لم تظهر كمدينة بالمعنى الحقيقى الا فى سنوات الخمسينات رغم انها كانت اهلة بالسكان من قبل وهذا يرجع الى :
البنية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع التارقى،هذه الاخيرة تاثرت مباشرة بطبيعة المنطقة التى فرضت نظاما اقتصاديا واجتماعيا على هذا المجتمع ،هذا المجتمع الذى كان يقوم على اساس الرعي إذ أن هناك حركة هجرة و ترحال خلال فصول السنة من منطقة الى اخرى او نحو البلدان المجاورة //مالى والنيجر// اضافة الى اعتمادهم السلب والنهب فى سنوات القحط وتاثر هذا النظام بالاحتلال الفرنسى الذى وضع حدا لرسوم المرور التى كان يتهرب منها التوارق على القوافل .
و من هنا زاول التوارق نظاما اقتصاديا معتمدين على تجارة القوافل والتبادل بين منطقة التديكلت التى تربط بين بلدية اولف بادرار وبلدية عين صالح بتمنراست وتاسيلى ناجر وليبيا والسودان،وتعود التغيرات التى شهدها المجتمع التارقى الى الاسباب التالية:بدات بعملية تغير عميقة ما بين 1952-1961 م اصابت مكونات البنية الاجتماعية التقليدية لسكانها وذلك نتيجة عملية التنقيب عن المعادن فى الصحراء الجزائرية حيث ادى طلب اليد العاملة المتخصصة الى ظهور طبقة جديدة وهى طبقة العمال ،فشهدت فى السنوات ما بين 1959- 1961 انشاء قاعدة للابحاث النووية فى اينكر والتى تبعد 10 كلم من شمال الولاية تمنراست والتى اصبحت قيما بعد اهم المراكز لاستيعاب الايدى العاملة فى المنطقة لانجاز هذه القاعدة ،وهكذا انقلبت الحياة داخل المجتمع التارقى كما تغيرت مكونات الحياة الاجتماعية عند المزارعون واصبحوا يتطلعون الى مغريات الحياة الاجتماعية الحضرية ودلت الإحصات الموجودة عن منطقة الاهقار عن مدى التغير الذى طرأ على المجتمع التارقى فى ميدان العمل .ففى سنة 1954 لم يكن هناك أى بدوى من التوارق يعمل فى ورشة ،ولكن فى سنة 1961 أصبح هناك 448 بدويا يعملون فى مركز أينكر للابحاث النووية ،فيذكر محمد السويدى * أن الجفاف الذي أصاب الصحراء الكبرى خلال الفترة ما بين 1968 – 1974 م جعل التوارق غير قادرين على تغيير وسطهم الطبيعي الى وسط أكثر خصوبة و الذي كان من نتائجه نزوح عدد كبير من السكان إلى مدينة تمنراست و قد قدر عددهم بحوالي 3000 إلى 4000 نسمة سنة 1975 و هكذا شهد المجتمع التارقي في بنيته الاقتصادية و الاجتماعية تحولات عديدة بعد أن فقد أهم مصادر إقتصاده ، فلم يجد مصدر للزرق غير الأجور التي يتلقاها بعض أفراده مقابل العمل ، كما شهدت المنطقة تطورا و نموا سكانيا و عمرانيا تأثر بعدة عوامل هامة كالتغيرات الادارية و الاجتماعية و الاقتصادية ،فمن الناحية الادارية كانت ولاية تمنراست تابعة لولاية الواحات قبل التقسيم الاداري لستة 1974 فبلغ عدد سكان مدينة تمنراست سنة 1966 إلى 4253 نسمة .
(2– الــــــــدراسة الطبيعيــــة : يعتبر الموقع من أهم العناصر الهامة في الدراسة الجغرافية ، فهو يعبر عن أهمية المدينة و عن نموها و يحدد نمط إستعمال مجالها ، و بهذا فهو نوعان : موقع فلكي و موضع جغرافي ، و لمعرفة مدينة تمنراست و مدى تأثيرها على الحياة و نمط معيشة سكانها لا بد من التطرق لهذين العنصرين .
الــمـــوقـــع الفلكــــــي : تقع مدينة تمنراست بين خطي طول 0.45 و 10.15 درجة شرقا و بين دائرتي عرض 29.63 درجة شمالا و 18.43 درجة جنوبا كما هو موضح في الخريطة رقم ((1)) .
المــوضع الجغرافــــــي : تقع مدينة تمنراست في أقصى الجنوب الجزائري على بعد 2200 كلم 2 من العاصمة يحدها شمالا ولايتي ورقلة و غرداية ومن الشرق
* :محمد السويدي ، بدو التوارق بين التغيير و الثبات ، مرجح سبق ذكره ، ص 150
ولاية إليزي و من الغرب ولاية أدرار و من الجنوب جمهوريتي مالي و النيجر كما هو موضح في الخريطة رقم (1) . تبلغ مساحتها 55.7906.25 كلم 2 أي بنسبة 23.44% من مساحة القطر الجزائري فهي بذالك تعد من أهم الولايات الجزائرية
تحتل المرتبة الاولى من حيث المساحة ، كما تعتبر منطقة عبور الى مالي و النيجر (طريق الوحدة الافريقية ) .
2- 2 التضاريــس و البنيـــة الجيولوجيـــــة : تعتبر البنية الجيولوجية و التضاريس من أهم العناصر التي وجب التطرق إليها في الدراسة الجغرافية و ذلك من أجل معرفة واقع المنطقة جيولوجيا و تأثيره على الابداع الثقافي .
التضـــاريـــــس : تتكون منطقة تمنراست من منطقتين مرفولوجيتين هامتين هما :
أ- منطقة التديكلت : و التي تمتد من أراك الى اولف تقع المنطقة الشمالية الولاية من أهم خصوصياتها أنها تتميز بواحات النخيل و كذا كثرة الكثبان الرملية و العروق المرتفعة و الحمادات .
ب- منطقة اللاهقار: تتميز منطقة الاهقار بإتساع المساحة حيث تمتد من اراك إلى الحدود الوطنية الجنوبية يغلب عليها الجبلي و الاودية الفصلية و هي مكونة من صخور و نتوءات و قبب بركانية مما أعطى لهذه التضاريس المظهر الصخري ، تبلغ أعلى قمة بها "تاهات " 3003 م في كتلة الاتاكور شمال تمنراست . بالاضافة إلى جبال أخرى من بينها الاسكريم ، تاسيلي ناجر ، سيركوت .....الخ أما من ناحية الهضاب و السهول فنجد : هضبة تادميت 836 م و الواقعة في شمال الولاية و التي تنتهي بإنحدار حاد ، بالاضافة إلى نطاق الرمال التي هي عبارة عن سهول تحاتية تغطيها الرمال و تستغل أكبر أجزاء الصحراء من أهمها : الرق ، العرق. أنظر الخريطة رقم (3).
البنيـــة الجيولوجيـــــــــــــة : يعود تكوين صخور ولاية تمنراست إلى الزمن الجيولوجي الأول حيث توجد الكتلة القديمة و التي ظهرت في منطقة التديكلت و بلدية عين قزام
و التي تعود إلى عصر البرمي و الكربوني و الديفوني ، ثم تأتي مرحلة السيلوري و الاردونوشي الكمبري و كذا ما قبل الكمبري كما توجد صخور غرانتية باطنية و صخور بركانية مبعثرة على أرض الولاية (1) .
تتميز تكوينة الاهقار بوجود تصدعات جد هامة اهمها التصدعات ذات الاحداثيات الاتجاه شمال جنوب موقعها ذات الصفيحة الافريقية القارية فهي بذلك واقعة في منطقة مستقرة لذا فان النشاط الزلزالي ضعيف جدا ان لم نقل منعدم اذ سجل بمنطقة تمنراست نشاط زلزالي ضعيف في الفترة (1970 / 1985 ) و هزات ضعيفة جدا في نفس الفترة بمنطقة " سيلت " .
3 -2 المنـــــــــــــاخ : يعد المناخ من أهم العوامل المؤثرة في حياة الانسان و التي تتاثر الى حد كبير بالحرارة و أتجاهات الرياح و تذبذب الامطار ، و لذلك فان دراسة المناخ ضرورية جدا وهذا ما جاء في تعريف " koppen" كوبن : " ان المناخ هو مجموعة الظروف الحيوية التي تجعل المكان على سطح الارض اكثر و اقل تلاؤما لعمران الانسان والحيوان و النبات " . (2) .
تتاثر تمنراست بحكم موضعها الجغرافي بنظامين مناخيين : نظام البحر الابيض المتوسط ، و نظام الرياح الموسمية السودانية ، الامطار المتشكلة من الضغط الجوي المنخفض التي تعبر البحر الابيض المتوسط في الصيف و امطار صيفية من خليج غانا و الرياح الموسمية السودانية التي تحرك كتل هوائية محلية بامطار في هذا الفصل هذين التاثرين اكسبا المنطقة مناخ معتدل نسبيا مع باقي المناطق الصحراوية الشيئ الذي جعلها منطقة جذب للسواح.